أكّدت الأمينة العامة للمجلس الأعلى للسكان عبلة عماوي، السبت، أن الأردن حقق نقلة نوعية في قطاع التعليم العام وتمكن من إرساء دعائم نظام تعليمي شامل عالي الجودة، وذلك من خلال تحقيق مجانية التعليم وإلزاميته وشموليته لكل المواطنين حتى سن السادسة عشر.

وأضافت في بيان، أن هذه النقلة النوعية "انعكست على العديد من المؤشرات الوطنية ومن أبرزها، ارتفاع نسبة الالتحاق في هذه المرحلة إلى 98.02% (98.17% ذكور و97.87% إناث) حسب التقرير الإحصائي للعام الدراسي 2018/2019".

ولفتت عماوي إلى أنه وعلى الرغم من تدني النسب السنوية للتسرب من المرحلة الأساسية في الأردن، والتي بلغت ما بين (0.25%- 0.38%) حسب التقارير الإحصائية السنوية للأعوام الدراسية (2011-2019) حيث أنها تبرز عدم وجود مشكلة كبيرة، إلا أن الأعداد التراكمية تشير لوجود مشكلة حقيقية في بناء رأس المال البشري، فقد بلغ العدد التراكمي لعدد المتسربين في المرحلة الأساسية خلال تسع سنوات فقط في الفترة (2011-2019) ما عدده (43961) طالب وطالبة (22715 طالب، 21405 طالبة).

وأوضحت أن نسب التسرب السنوية تشير إلى عدم وجود فجوة كبيرة بين الجنسين، حيث بلغت حسب التقرير الإحصائي للعام الدراسي 2018/2019 ما نسبته (0.36% للذكور مقابل 0.40% للإناث)، ولكن إحصائياً هناك فروقات ذات دلالة بين النسبتين.

وبيّنت عماوي أنه "على الرغم من حرص الدستور الأردني وقانون التربية والتعليم على تطبيق التعليم الإلزامي أو الأساسي، إلا أن هناك عدد لا بأس به من الطلاب ذكوراً وإناثاً يتسربون من المدرسة قبل سن السادسة عشر من عمرهم، مما يشكل مخالفة للمادة (10/أ، ج) من قانون التربية والتعليم وبنفس الوقت مخالفة للاتفاقيات الدولية".

"التسرب من التعليم تعتبر مشكلة عالمية، ولا يكاد يخلو أي نظام تربوي من هذه المشكلة، حيث تشير إحصائيات اليونيسف في تقريرها (منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جيل 2030) إلى أن هناك 10 مليون طفل خارج المرحلة الابتدائية والإعدادية في المنطقة، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 12 مليون طفل عام 2030"، وفق عماوي.

وتشير دراسة أعدتها الأونروا بعنوان "التسرب من مدارس الأونروا على مستوى الوكالة عام 2013" بهدف استكشاف الأسباب الكامنة وراء تسرب الطلاب في مدارس الأونروا من وجهة نظر الطلاب أنفسهم وذويهم ومعلميهم، إلى أن نسبة التسرب من مدارس الوكالة في الأردن للعام الدراسي 2010/2011 بلغت (1.9%) وكانت الأعلى في الصفوف ( السابع، الثامن، التاسع، العاشر) بنسبة (3.51%) مقابل (0.81%) للصفوف من الأول ولغاية السادس، وأن الإناث كانت الأكثر تسرباً في الصفوف ( السابع، الثامن، التاسع، العاشر) بما نسبته (4.01% للإناث مقابل 3.04% للذكور).

وبينت أن أغلب المتسربين وبنسبة (90%) هم ممن رسبوا في صف واحد على الأقل حسب السجلات المدرسية، وكانت أسباب التسرب من وجهة نظر الطلاب المتسربين، تدني التحصيل الدراسي وبنسبة 80%، عدم الاهتمام بالدراسة بنسبة 74%، وعدم القدرة على المتابعة بنسبة 63%، والقلق من الامتحانات بنسبة 63%.

وأشارت عماوي إلى أن المجلس الأعلى للسكان يؤمن أن الإنتاجية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للأردن تعتمد إلى حد كبير على جودة التعليم، لأن التعليم هو الأداة الرئيسة لتنمية الموارد البشرية وبناء القوى العاملة الماهرة، ووسيلة لتحسين جودة الحياة وتقليل عدم المساواة الاجتماعية، كما انه الركيزة الرئيسة إلى جانب الصحة والاقتصاد والحوكمة لنقل التحول الديموغرافي الذي يشهده المجتمع الأردني إلى فرصة سكانية تقود للتنمية الاقتصادية الشاملة.

"بالمقابل يشكل التسرب من التعليم عائقاً رئيسياً أمام تحقيق الأهداف المنشودة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويؤثر على راس المال البشري، ويولد تكاليف اجتماعية على المجتمع لمعالجة الأثار المترتبة على مشكلة التسرب مثل الفقر والبطالة وعمالة الأطفال وزواج الأطفال والعمل غير المنظم وانحراف الأحداث والجنوح وغيرها من المشاكل الاجتماعية التي ترافق الفرد المتسرب طيلة حياته".

وبين المجلس الأعلى للسكان أن دراساته وإحصائيات المؤسسات الوطنية الأخرى تشير إلى أن مشكلة التسرب تسهم في العديد من القضايا السكانية والتنموية والتي من أبرزها، أن التسرب من التعليم يعد طريقاً إلى زواج القاصرات، حيث تشير دراسة المجلس حول "زواج القاصرات" عام 2017 والتي استندت على بيانات التعداد العام للسكان والمساكن 2015، إلى أن عدد المتزوجات دون سن 18 واللواتي يعتبرن من المتسربات من التعليم بلغ على المستوى الوطني (414358 بما يعادل 21% من مجمل المتزوجات في الأردن)، من بينهن (253155 امرأه اردنيه وشكلن من مجمل المتزوجات الأردنيات 17.6%).

وقد بلغ المعدل السنوي لعدد حالات الزواج دون سن 18 سنة للفترة (2010-2015) ما مقداره (9020 حالة على المستوى الوطني، و4890 على مستوى الأردنيات، و3889 على مستوى السوريات في الأردن)، وما يزيد من حدة مشكلة زواج القاصرات ارتباط هذه المشكلة مع ارتفاع معدلات الإنجاب، وضعف المشاركة الاقتصادية وغيرها من المشاكل الصحية والنفسية التي تنعكس على مستوى الخصائص السكانية.

وأضاف أن مشكلة التسرب من التعليم تساهم أيضاً برفد سوق العمل الأردني بقوة عاملة غير مؤهلة (على الأغلب من الذكور)، والذي ينعكس على مستوى إنتاجية العامل الأردني، حيث بلغ عدد العاملين الأردنيين بمستوى تعليمي اقل من الثانوية العامة (692085) وبما يعادل نصف عدد الأردنيين العاملين في الاقتصاد الأردني، يتوزعون بما نسبته (94.7% ذكور، و 5.3% إناث)، وأن أكثر من ثلث هذه الشريحة من العاملين يتقاضون راتباً اقل من 300 دينار شهرياً وذلك حسب مسح العمالة والبطالة 2019.

وهناك تباينات واضحة بين الجنسين في هذه الشريحة من العاملين، ففي حين بلغت نسبة الذكور الذين يتقاضون أقل من 300 دينار شهرياً ما نسبته 32.2%، فإنه يقابل ذلك 66% من الإناث، وبشكل عام يقدم ذلك مؤشراً هاماً على مستوى إنتاجية هذه العمالة التي هي بالأصل لم تكمل تعليمها وتسربت من التعليم قبل المرحلة الثانوية.

وأضاف المجلس أن مشكلة التسرب من التعليم أيضاً تعزز أعداد العاطلين عن العمل، حيث بلغ عدد الأردنيين العاطلين عن العمل ممن يحملون مؤهل تعليمي اقل من الثانوي (145797) ويشكلون ما نسبته (45%) من مجمل الأردنيين العاطلين عن العمل، ويتوزعون بما نسبته (95.6% للذكور و4.4% إناث) وذلك حسب مسح العمالة والبطالة 2019، مبيناً أن العمل غير المنظم يعد مساراً هاماً يلجئ اليه المتسربين من التعليم لتأمين مصدر رزقهم.

وتشير دراسة صادرة عن منتدى الاستراتيجيات الأردني عام 2020 بعنوان "القطاع غير الرسمي في الأردن: طبيعة العاملين فيه والتحديات" أن عدد العاملين في القطاع غير الرسمي لعام 2019 بلغ (932743) عامل يشكلون ما نسبته 41% من حجم القوى العاملة، وأن ما نسبته 42.8% هم ممن سبق لهم وأن تسربوا من التعليم وبمؤهل علمي عاشر فاقل (أساسي)، ويتقاضون أجورهم يومياً، مما يجعل هذه الشريحة أكثر هشاشة في الظروف الطارئة.

وبين المجلس أن التسرب من التعليم يعد أيضاً طريقاً مفتوحاً أمام الإناث للخروج من سوق العمل، والذي يعد أحد العوامل الهامة للانخفاض المزمن في معدلات المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية، حيث بلغ عدد الأردنيات غير النشيطات اقتصادياً ممن أعمارهن 15 سنة فأكثر ويحملن مؤهل تعليمي اقل من الثانوي (1153066) ويشكلن ما نسبته (55%) من مجمل الأردنيات غير النشيطات اقتصادياً حسب مسح العمالة والبطالة 2019.

كما أن معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن بلغ (14%) عام 2019، وقد تراوحت النسبة ما بين 13% إلى 15% للفترة ما بين (2007-2019)، وذلك حسب مسوح العمالة والبطالة التي تجريها دائرة الإحصاءات العامة سنوياً.

وأضاف أنه وإلى جانب ذلك فإن مشكلة التسرب من التعليم تفتح الباب إلى عمالة الأطفال، وتشير أحدث المؤشرات الوطنية التي وفرها المسح الوطني لعمل الأطفال الذي أجرته وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية عام 2016، إلى أن عدد الأطفال العاملين في الأردن وتنطبق عليهم معايير عمالة الأطفال بلغ (69661 طفل) شكلوا ما نسبته (1.73%) من مجمل الأطفال في الفئة العمرية (5-17) سنة.

ولفت إلى أن هذه المشكلة تعزز ايضاً من انتشار الجريمة في المجتمع، إذ تشير دراسة لعام 2017 بعنوان "المشكلات التي يواجها نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل واحتياجاتهم في الأردن" أن ما نسبته (24.8%) من نزلاء مراكز الإصلاح بمستوى تعليمي أساسي أو أمي، كما أشارت تقارير الإحصاءات الجنائية الصادرة عن مديرية الأمن العام، أن الجرائم المرتكبة من قبل الأحداث في المملكة بلغت بالمعدل (2500) جريمة سنوياً خلال الفترة (2014-2019).

وأوضح المجلس أن إيجاد الحلول الناجحة للحد من هذه المشكلة يعتبر مسؤولية وطنية، تتطلب تضافر كافة الجهود لوضع وتنفيذ خطة وطنية تبنى على أسباب التسرب وتحدد الإجراءات الوقائية والعلاجية، موصياً بأهمية وضع نظام للإنذار المبكر بهدف التقاط الإشارات الدالة على التسرب مثل (التغيب، والسلوك العدواني والأداء الأكاديمي الضعيف، وغيرها)، وتفعيل دور المرشد التربوي في مساعدة الطلبة على حل مشكلاتهم التربوية وغير التربوية بالتعاون مع الجهاز التعليمي في المدرسة والمجتمع المحلي، وإيجاد بيئة مدرسية صديقة جذابة وشيقة للطلاب، ودعم دور الأجهزة التنفيذية في تطبيق التشريعات والقوانين التي تنص على الزامية التعليم الأساسي، ومنع تشغيل الأطفال، ونشر التوعية المجتمعية في حث الأسر على تهيئة الجو الأسري لأبنائهم للدراسة، والحد من ظاهرة الزواج دون سن 18 للفتيات.

المملكة