قال منتدى الاستراتيجيات الأردني، إن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال السنوات الأخيرة كانت وما زالت متواضعة، ومعدلات البطالة في الأردن تعد مرتفعة بشكل عام، وتشكل عبئا كبيرا على الحكومات المتعاقبة، مرجحا أن تزداد معدلات البطالة في الربع الأخير من عام 2020، والعام 2021 إن لم يتم وضع حلول فعلية وجذرية لهذه المشكلة. 

وبين، في تحليله السنوي لقانون الموازنة العامة ضمن ورقة سياسات بعنوان “الموازنة العامة للسنة المالية 2021 بين كوفيد-19، واستعادة عجلة النمو”، أن نسبة إجمالي تكوين رأس المال الثابت إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن تعتبر منخفضة مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، إذ تعكس هذه النسبة ما يتم تخصيصه للغايات الاستثمارية، ولغايات إدامة مرافق البنية التحتية، ولتعزيز مستويات النمو وتوليد فرص العمل.

وأشارت الورقة إلى ارتفاع نسبة الدين العام خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة لتمويل العجز في الموازنة العامة للدولة ولتمويل القروض المكفولة لشركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه؛ وإذا ما تم الافتراض بأن الناتج المحلي الإجمالي سيشهد انخفاضا بما يعادل (5-٪) في العام 2020، فحتى مع ثبات الدين العام عند مستواه في آب 2020، فهذا يعني أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي سترتفع إلى 110.6%.

وفيما يخص الملاحظات المتعلقة بموازنة 2021، أوضح المنتدى أن موازنة عام 2021 بنيت على أساس حجم نمو للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة (2.5%) خلال العام 2021، ونسبة (3.5%) بالأسعار الجارية، حيث قدرت الإيرادات بموازنة 2021 بمبلغ (7 مليارات و875 مليون دينار)، منها (7 مليارات و298 مليون دينار) من الإيرادات المحلية و (577 مليون دينار) من المنح الخارجية، في حين قدر إجمالي النفقات في عام 2021 بنحو (9 مليارات و930 مليون دينار) بنسبة نمو بلغت نحو (6%) مقارنة مع عام 2020.

وفي تحليل جانب النفقات العامة، بين المنتدى أن موازنة العام 2021 ليست توسعية، وتعد نسبة الإنفاق العام أقل مما التزم به عام 2020 والمقدرة بنحو (6.3%)، في حين أن نسبة زيادة الإنفاق العام لعام 2021 بلغت (6.0%) فقط، حيث تعتبر هذه النسبة معقولة في ظل ظروف الجائحة.

وبالنسبة إلى النفقات الجارية، أشارت الورقة إلى أن بند الرواتب والأجور والعلاوات سيشهد زيادة مقدارها نحو 235.5 مليون دينار أردني. كذلك، من المتوقع أن تزداد فوائد الدين العام بما يعادل 133.9 مليون دينار (الدين الداخلي) و40.1 مليون دينار (الدين الخارجي).

وأشارت الورقة إلى أنه تم إلغاء بند شبكة الأمان الاجتماعي، ودعم السلع (130 مليون دينار) الذي عمل به في العام 2020 واستبداله ببند إعانات لدعم السلع بما يعادل 50 مليون دينار فقط، إضافة إلى زيادة بند المساعدات الاجتماعية بما يعادل 40.2 مليون دينار.  مما يشير إلى أن بند "دعم الفقير" تم تخفيضه بما يعادل 34.8 مليون دينار، ولكن سيرافق ذلك سياسة استهداف أكثر وضوحا ومن شأن ذلك تعزيز الوصول إلى الفئات المستهدفة.  

أما بالنسبة إلى النفقات الرأسمالية، فقد أشارت الورقة إلى أنه من المتوقع أن تزداد النفقات الرأسمالية بما يعادل 24.5%، أو من نحو 984.4 مليون دينار في عام 2020 إلى 1.1812 مليار دينار في عام 2021، ويعد هذا مؤشرا إيجابيا فيما يخص أولويات الإنفاق، وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع النفقات الجارية من 8.4 مليار دينار إلى 8.7 مليار دينار، أو بنسبة 4%.

وفي تحليل جانب الإيرادات العامة، بين المنتدى أن الحكومة تتوقع ارتفاع إيراداتها المحلية من 6.35 إلى 7.30 مليار دينار، بنسبة (15.0%). وتعتبر هذه نسبة طموحة، وليس من الأكيد كيف ستتحقق في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي، وضعف القدرة على التنبؤ بمعدلات النمو. أما عن المنح الخارجية، فمن المتوقع أن تنخفض من 850 إلى 580 مليون دينار، وهذا يعكس التغير في أولويات الدول المانحة، والظروف الاستثنائية التي تمر بها تلك الدول.

وبالنسبة إلى الإيرادات غير الضريبية، أشارت الورقة إلى انخفاض مجموع الإيرادات غير الضريبية بما يعادل (38.2%)، ومن أهم البنود التي انخفضت الإيرادات منها؛ عوائد الحكومة من مطار الملكية علياء، ورسوم تسجيل الأراضي، ورسوم جوازات السفر، ورسوم طوابع الواردات، ورسوم تصاريح العمل، والإيرادات الناجمة عن قانون توريد واردات الدوائر والوحدات الحكومية، وبند الإيرادات الأخرى، ويتوقع ارتفاعها خلال مشروع موازنة العام المقبل. 

وفيما يخص الإيرادات الضريبية، أشارت الورقة إلى ازدياد الإيرادات الضريبية بنسبة (9.2%)، ومن أهم البنود التي أدت إلى هذا الارتفاع هي ضريبة المبيعات على السلع المحلية والمستوردة؛ حيث يتوقع أن تزداد ضريبة المبيعات من 3479 مليون دينار في عام 2020، إلى 3825 مليون دينار في عام 2021. 

إضافة إلى زيادة باقي هياكل الضريبة؛ مثل ضريبة التجارة والمعاملات الدولية من 280 مليون دينار في عام 2020 إلى 340 مليون دينار في عام 2021؛ ضريبة الدخل من الموظفين والمستخدمين من 216 مليون دينار في 2020، إلى 220 مليون دينار في عام 2021؛ ضريبة الدخل من الأفراد (القطاع الخاص خارج قطاع الشركات المساهمة والمشروعات الكبرى) من 66 مليون دينار في عام 2020 إلى 70 مليون دينار في عام 2021؛ ضريبة الدخل من حساب المساهمات الوطنية، وبيع العقار من 113 مليون دينار في 2020 إلى 165 مليون دينار في عام 2021.

وبين المنتدى أن جائحة كورونا تسببت في اتساع عجز موازنة العام 2020 من 1.8 مليار (2019) إلى 3.0 مليار دينار (2020)، في حين أن عجز موازنة عام 2021 أقل من عام 2020، إلا أنه مرتفع مقارنة بالسنوات (2016 – 2019)، ويفضل تمويل هذا العجز من السوق المحلية.

وفيما يتعلق بالنفقات الرأسمالية المخصصة لبعض القطاعات الاقتصادية، أوضحت الورقة أن جائحة كورونا تسببت بإلحاق الضرر ببعض القطاعات التي تساهم بتعزيز منعة الاقتصاد الأردني من حيث مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من جهة، وبأعداد العاملين ضمن هذه القطاعات من جهة أخرى. الأمر الذي يتطلب ضرورة دعم هذه القطاعات بشكل استثنائي خلال الفترة المقبلة؛ بهدف إنعاش الاقتصاد الأردني، وإعادة تعافي هذه القطاعات.

وأشارت الورقة إلى أن الحكومة قامت بتخصيص بعض البرامج من موازنة 2021 لوزارة المالية، متعلقة بدعم الاقتصاد الأردني وزيادة دعم الأفراد المتضررين بسبب جائحة كورونا، مثل مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة (85,000,000 دينار)، برنامج دعم العاملين في القطاعات المتضررة بقيمة (60,000,000 دينار)، تحفيز الاستثمار بقيمة (52,000,000 دينار)، مشروع دعم المؤسسات والبرامج التنموية بقيمة (3,500,000 دينار)، صندوق تنمية المحافظات بقيمة (3,000,000 دينار).

وأوصى المنتدى بضرورة تصميم سياسة مالية فعالة، وأن يتم العمل على تحديد الأولويات لا سيما فيما يخص الإنفاق الرأسمالي، ويجب إيلاء أهمية كبيرة للنفقات الاجتماعية، وخاصة في بعض القطاعات غير الرسمية التي تأثرت كثير بالجائحة، ولا يوجد مظلات رسمية ترعاها، ولا بد من التفكير بأدوات مالية لمساعدة  بعض القطاعات حتى لا تخرج من السوق نهائيا من خلال سياسات تحفيز مالي يجري تصميمها بالتعاون مع القطاع الخاص، على أن لا تكون المبالغ التي ستخصص لتلك الغاية منح، بل قروض ميسرة ضمن إطار زمني واضح، وهذا يتطلب التخطيط على المديين القصير والطويل؛ لتحقيق الغاية المنشودة.

وفيما يخص السياسات على المدى القصير، من الضروري التفكير في تخصيص موارد إضافية للخدمات الاجتماعية (صندوق المعونة الوطنية)، وإعادة النظر في تخفيض ضريبة المبيعات على السلع المحلية وزيادتها على بعض السلع المستوردة. كذلك، ولأن الحكومة لا تملك موارد مالية كافية، وضرورة أن تحشد الموارد من القطاع الخاص لدعم مشاريع الشراكة في عدة قطاعات وبسرعة وبكفاءة وبدون تردد، لكونها الطريقة الوحيدة "المؤكدة" لتعزيز النمو الاقتصادي الحقيقي، وتخفيض البطالة، ومن ثم تعزيز إجمالي الإيرادات الضريبية.

فيما يقتضي الجانب بعيد المدى، إعادة النظر ببعض بنود النفقات الرأسمالية ذات الأثر المحدود على النمو والعمل، وفقاً لأولويات واضحة، وتقوم على شراكة حقيقية بين الفاعلين الاقتصاديين، و تعديل الاختلالات في الإيرادات الضريبية. إذ إن الإيرادات من ضريبة المبيعات تشكل ما نسبته (70%) من إجمالي الإيرادات الضريبية؛ مما يستوجب التعديل والعلاج.

وتهدف الورقة إلى تسليط الضوء على موازنة 2021 في سياقها الاجتماعي والاقتصادي، وتقديم بعض التوصيات التي تهدف إلى تحسين بعض بنود الموازنة لعام 2021، حيث ارتكزت على 3 أجزاء رئيسة؛ يتناول الجزء الأول أهم التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، ويشمل الجزء الثاني عددا من الملاحظات المتعلقة بموازنة 2021، فيما يتناول الجزء الثالث النفقات الرأسمالية المخصصة لبعض القطاعات الاقتصادية.

المملكة