بات دونالد ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتّحدة يُحال أمام مجلس الشيوخ مرّتين لمحاكمته بقصد عزله، بعدما وجّه إليه مجلس النواب الأربعاء تهمة "التحريض على التمرّد" على خلفية اقتحام حشد من أنصاره مبنى "الكابيتول" في السادس من كانون الثاني/يناير الحالي.

وقبل أسبوع من مغادرة الملياردير الجمهوري البيت الأبيض، صوّت النواب بأغلبية 232 صوتاً مقابل 191 لصالح توجيه الاتّهام إلى الرئيس الذي لن تبدأ محاكمته في مجلس الشيوخ قبل انتهاء ولايته في 20 الحالي.

وصوّت جميع النواب الديمقراطيين، و10 نواب جمهوريين لمصلحة قرار "العزل" هذا.

من جانبه اكتفى ترامب بإلقاء خطاب دعا فيه مواطنيه إلى الوحدة، ونبذ العنف، دون أن يأتي على ذكر القرار الاتّهامي الصادر بحقّه.

وقال ترامب في رسالة مصوّرة "أدعو جميع الأميركيين للتغلّب على المشاعر الآنيّة، والاتّحاد معاً شعباً أميركياً واحداً. دعونا نختار المضي قُدماً متّحدين لما فيه خير عائلاتنا".

"لا أعذار"

وإذ نأى بنفسه مجدّداً عن أنصاره الذين اقتحموا الكابيتول الأسبوع الماضي، قال "ليس هناك أيّ مبرّر للعنف على الإطلاق. لا أعذار ولا استثناءات: أميركا دولة قانون"، مشدّداً على أنّ "الذين شاركوا في الهجمات الأسبوع الماضي سيُساقون أمام العدالة".

وكان ترامب حاول الثلاثاء التقليل من شأن ما يجري في مجلس النواب، معتبرا أنه مجرد مناورة من الديمقراطيين، وأنه "استمرار لأكبر حملة مطاردة في التاريخ". وكرر رفضه الاعتراف بأي مسؤولية في الهجوم على الكابيتول، معتبرًا أن خطابه "كان مناسباً تماماً".

(رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تحمل المادة الموقعة الخاصة بمساءلة ترامب. 13/01/2021. أ ف ب)

ورغم ثقته الواضحة، ودعم بعض البرلمانيين المخلصين، أصبح دونالد ترامب أكثر عزلة من أي وقت حتى داخل معسكره بعد استقالات من حكومته وانتقادات لاذعة.

أما رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، فاعتبرت من جهتها، أنّ الخطوة غير المسبوقة التي خطاها مجلس النواب تثبت أنّ "ما من أحد فوق القانون".

وقالت بيلوسي لدى توقيعها على القرار الاتّهامي تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشيوخ، إنّ "مجلس النواب أظهر اليوم، بمشاركة من الحزبين، أنّ ما من أحد فوق القانون، ولا حتّى رئيس الولايات المتّحدة"، مكرّرة التحذير من أنّ ترامب يشكّل "خطراً واضحاً وفورياً" على البلاد.

 انشقاقات 

وبما أنّ الديمقراطيين يسيطرون على مجلس النواب فإنّ إقرار اللائحة الاتّهامية بحق ترامب كان مضموناً، لكنّ السؤال الأهمّ الذي شغل الأميركيين الأربعاء هو كم من الجمهوريين سينشقّون وينضمّون إلى الأغلبية الديمقراطية.

ومن بين الجمهوريين العشرة الذين انشقّوا النائبة ليز تشيني التي تُعتبر ثالث أكبر مسؤول في الحزب في مجلس النواب. 

وإذا كانت إحالة ترامب إلى المحاكمة للمرة الثانية لن تقصّر ولايته إلا أنّها ستلطّخ عهده إلى الأبد، وستجعله يغادر البيت الأبيض في حالة من الخزي.

ووجّه مجلس النواب الاتهام إلى ترامب؛ لأنّه حضّ أنصاره الأسبوع الماضي على السير باتجاه الكابيتول و"القتال" لمنع الكونغرس من المصادقة على فوز منافسه جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، في دعوة قال الديمقراطيون، إنّها حرّضت جموعاً من أنصار الملياردير الجماهير على اقتحام الكابيتول، ونشر الرعب والفوضى والدمار في جنباته، في أعمال شغب أوقعت خمسة قتلى.

"محاكمة عادلة"

وعقب إقرار اللائحة الاتهامية، أعلن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل أنّه من غير الممكن إجراء محاكمة "عادلة أو جادّة" لترامب في غضون الفترة القصيرة المتبقية له في البيت الأبيض وقبل تولّي الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة الأسبوع المقبل.

وقال ماكونيل "بالنظر إلى القواعد والإجراءات والسوابق في مجلس الشيوخ والتي ترعى المحاكمات الرامية لعزل الرؤساء، فبكلّ بساطة ليست هناك أيّ فرصة لإنجاز محاكمة عادلة أو جادّة قبل أن يؤدّي الرئيس المنتخب بايدن اليمين الدستورية في الأسبوع المقبل".

وأكّد ماكونيل أنّه لن يدعو مجلس الشيوخ للالتئام قبل الموعد المقرّر لاستئناف جلساته في 19 كانون الثاني/يناير، مبرّراً قراره هذا بأنّه "حتى لو بدأت إجراءات (المحاكمة) في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع وسارت بسرعة، فلن يتمّ التوصّل إلى حُكم نهائي إلا بعد أن يكون الرئيس ترامب قد غادر منصبه".

"يوصم مرتين"

من جانبه، قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر، إن "دونالد ترامب استحقّ أن يصبح أول رئيس في التاريخ الأميركي يوصم مرتين بوصمة إجراء العزل".

وحوكم ترامب للمرة الأولى أمام مجلس الشيوخ قبل عام، لكنّ المجلس برّأه يومها من تهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس اللتين وجّههما إليه مجلس النواب.

وشدّد شومر على أنّه حتّى لو أنّ محاكمة ترامب ستجرى هذه المرة بعد أن يكون قد غادر البيت الأبيض "فسيتم التصويت على إدانته"، وإذا تمّت إدانته فيمكن لمجلس الشيوخ أن يقرّ بأغلبية بسيطة منعه من تولّي أي منصب فيدرالي في المستقبل؛ مما يعني منعه من الترشّح للرئاسة مجدّداً.

وعندما تنطلق محاكمة ترامب سيكون مجلس الشيوخ منقسماً مناصفة بين 50 سناتوراً جمهورياً، و50 سناتوراً ديمقراطياً، لكنّ إدانة ترامب لا يمكن أن تتمّ إلا بأغلبية الثلثين، مما يعني أنّ ثلث الأعضاء الجمهوريين على الأقلّ لا بدّ وأن يصوّتوا إلى جانب جميع الأعضاء الديمقراطيين لكي يدان الرئيس السابق بالتهمة الموجّهة إليه.

وقبل إقرار اللائحة الاتهامية رسمياً لم يستبعد ماكونيل أن يصوّت لصالح إدانة ترامب.

وكتب ماكونيل في رسالة الى زملائه الجمهوريين "لم أتّخذ قراري النهائي بالنسبة إلى كيفية التصويت، أعتزم الاستماع إلى الحجج القانونية حين يتم تقديمها في مجلس الشيوخ".

وماكونيل كان حتى الأمس القريب أحد أبرز حلفاء ترامب. وخلال محاكمة الأخير للمرة الأولى بداية 2020، أحكم قبضته على صفوف الجمهوريين في مجلس الشيوخ بحيث لم يصوّت سوى عضو جمهوري واحد إلى جانب الديمقراطيين لإدانة الرئيس.

لكنّ ماكونيل يحمّل ترامب هذه المرة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، مسؤولية أعمال العنف التي شهدها مقر الكونغرس ولا يخفي تأييده لإمكان تخلّص الحزب الجمهوري من هذه الشخصية التي تسبّبت له بإحراج كبير.

 عاصمة محصّنة 

ووضعت العاصمة الفيدرالية واشنطن تحت حماية أمنية مكثفة، إذ نُشرت صور معبّرة تظهر عشرات من جنود الاحتياط وقد أمضوا الليل داخل مبنى الكونغرس، وكانوا ما زالوا نائمين على الأرض في الغرف والممرات لدى وصول أعضاء البرلمان.

ونصبت حواجز إسمنتية لسد أبرز محاور وسط المدينة كما أحاطت أسلاك شائكة بعدد من المباني الفيدرالية بينها البيت الأبيض، فيما كان الحرس الوطني حاضرًا بقوة.

ومن المقرّر أن يؤدّي جو بايدن اليمين الدستورية تحت حراسة مشددة في 20 كانون الثاني/يناير من على درج الكابيتول.

وبعدما انتقد لتأخره الأربعاء الماضي في إرسال الحرس الوطني، أجاز البنتاغون نشر 15 ألف جندي للحفاظ على الأمن خلال مراسم التنصيب.

وفي دلالة على التوتر الذي يسود العاصمة الفيدرالية الأميركية، أعلن موقع إيربي أن بي لحجوزات الشقق إلغاء الحجوزات وتجميدها على منصته في واشنطن خلال أسبوع تنصيب بايدن.

من جهة أخرى، تهدّد محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ بإعاقة الإجراءات التشريعية التي يعتزم الديمقراطيون إقرارها في مستهلّ ولاية بايدن، ذلك أنّ مجلس الشيوخ لا يمكنه دستورياً القيام بأي عمل آخر قبل الانتهاء من المحاكمة.

أ ف ب