قال جلالة الملك عبدالله الثاني، الخميس، إن العالم بدأ عاما جديدا وما زالت الكثير من التحديات ذاتها التي كانت عنوان العام الماضي، تؤثر في مختلف القطاعات.

وأضاف في اجتماع "أجندة دافوس"، الذي يعقده المنتدى الاقتصادي العالمي افتراضيا، أن جائحة فيروس كورونا المستجد مستمرة بجلب الأذى على العالم، وبالكاد بدأنا نلمس تبعاتها الإنسانية والاقتصادية طويلة المدى.

وأضاف الملك: هناك بصيص أمل، ولقاحات جاهزة. ونحن إذ نبدأ رحلة التعافي الشاقة التي طال انتظارها، من مصلحتنا جميعا أن نمضي بها معا، داعيا إلى الحرص على التوزيع الفاعل والعادل للقاحات والعلاجات الخاصة بفيروس كورونا.

وقال الملك إن التعامل مع اللقاح كسلعة عامة لمنفعة الجميع، واجب أخلاقي، للحيلولة دون تهميش الدول ذات الدخل المحدود والفقيرة، بينما تقوم الدول ذات الدخل المرتفع بالاستحواذ على معظم اللقاحات الواعدة.

وتابع الملك: في خضم هذه التحديات، تبقى حماية اللاجئين والحفاظ على صحتهم مسؤولية عالمية. وكثاني أكبر مضيف للاجئين مقارنة بعدد السكان عالميا، ما زال الأردن ملتزما بحمايتهم في خطته للاستجابة للجائحة، ونحن من أول دول العالم التي بدأت بإعطاء اللقاح للاجئين مجانا، ولكن الدعم الدولي مطلوب، فعلينا العمل بشكل جماعي لنطور سياسات جديدة لمعالجة مشاكل اليوم والغد.

وقال الملك "تمكنا في الأردن من مضاعفة نسبة الشمول المالي خلال السنوات الست الماضية، عبر الاعتماد على التقنيات الرقمية لزيادة فرص الحصول على التمويل للأردنيين واللاجئين على حد سواء، كما زادت أعداد المحافظ الإلكترونية ضمن جهودنا للوصول إلى حلول مبتكرة لدعم أسر العاملين الذين تضرروا بشكل كبير من الجائحة.

"إحراز إجراءات إصلاحية"

ودعا الملك إلى أن تشمل الأولويات العالمية ضمان الوصول إلى التعليم وردم الهوة الرقمية، بالتزامن مع العمل على إعداد القوى العاملة لوظائف الغد، التي بدأت تصبح بسرعة وظائف اليوم.

وأضاف أن الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهي محرك الاقتصادات النامية، ضرورة لتسريع التعافي.

وقال الملك "كجزء من خطة الاستجابة للجائحة، مكن الأردن 13 ألف مشروع صغير ومتوسط من الانتقال من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد المنظم، ونحن من أفضل الدول التي أحرزت تقدما في الإجراءات الإصلاحية وفقا لتقرير سهولة ممارسة الأعمال لعام 2020. اقتصادنا يتطلع للتعافي، بالتعاون مع القطاع الخاص".

وأضاف الملك: بينما نعمل لنتعافى معا، علينا أن نستفيد من الوضوح الذي تجلى لنا في هذه الأوقات الصعبة، لكي نمضي قدما بثقة نحو مستقبل أفضل".

وقال الملك "لقد أثبتت لنا الجائحة، وبطريقة مؤلمة، أنه ليس بالإمكان استدامة أسلوب حياتنا كما كان في السابق. لذا دعونا نراجع ونعيد تعريف تلك المصطلحات الحاضرة باستمرار مثل العولمة، وتعددية الأطراف، والمجتمع الدولي، لتصبح العدالة والشمولية والكرامة في صلبها".

"يحتاج عالمنا لإعادة ضبط العولمة، لنسعى من خلالها نحو تعافٍ مستدام وعادل ورفيق بالبيئة، يعطي الأولوية لسلامة شعوبنا وكوكبنا".

وأضاف: "عند الحديث عن المجتمع الدولي، علينا التركيز بشكل أكبر على ما يعنيه كمجتمع، بما في ذلك من القيم والتطلعات والمثل العليا التي توحدنا".

ودعا الملك إلى تحويل التجارة متعددة الأطراف إلى أداة للسلام والازدهار المشترك، من خلال تعزيز منعة سلاسل التوريد ودعم شمول الدول النامية لتعزيز النمو من أجل الجميع.

"الأردن يدرك خطر التغير المناخي"

"علينا جميعا أن نعيد التفكير في الطريقة التي نتعامل بها مع عالمنا، فقد دقت جائحة كورونا ناقوس الخطر لتذكرنا بأن لأفعالنا تجاه البيئة تبعات خطرة"، قال الملك، مضيفا: "فليكن ذلك درسا لكي لا نتجاهل الجائحة الكبرى المتمثلة في التغير المناخي، فإنها أزمة ملحة يجب علينا أن نواجهها معا، من خلال الحلول المبتكرة، التي تعطي الأولوية للاستثمار الرفيق بالبيئة والطاقة المتجددة. ولأن الأردن من أكثر الدول التي تعاني فقرا مائيا، فهو يدرك تماما مخاطر التغير المناخي. ونحن نخطط ليكون تعافينا مبنيا على مشاريع التنمية والبنية التحتية الخضراء".

وأضاف الملك أن التركيز على التغير المناخي مطلوب أيضا ونعمل على التصدي لخطر شح الغذاء عالميا، الذي أصبح خطرا داهما عقب جائحة كورونا، فالمجاعات تهدد الآن الملايين من الناس.

ودعا الملك إلى العمل بشكل جماعي لتعزيز تبني الحلول التكنولوجية المستدامة في الزراعة، التي من شأنها أن تزيد من منعة الأنظمة الغذائية العالمية، لضمان إمكانية الوصول والتكلفة القليلة والجودة، مع حماية البيئة في الوقت ذاته.

وأضاف "لقد جعلتنا جائحة كورونا سواسية، فليكن هذا أحد الدروس الإيجابية التي نتعلمها من هذه الأوقات الصعبة ونحن نتطلع إلى الأمام. فلنسمح لتعاطفنا ولإحساسنا بظروف غيرنا أن يقودا مسيرتنا نحو التقدم والتعافي، فيما نبني جسوراً ليس لتبادل الإمدادات والخبرات الأساسية فحسب، بل لتبادل الأمل والأفكار الإيجابية أيضا، ولنسمح لإنسانيتنا أن تقود المسيرة".

"التواصل أعظم أمنية"

وفي معرض إجابة جلالته على سؤال من المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي البروفيسور كلاوس شواب، في جلسة حوارية تبعت الكلمة، حذر جلالة الملك مجددا من خطر نقص الغذاء الذي قد يواجه العالم في مرحلة ما بعد جائحة "كورونا".

وأشار جلالته إلى ضرورة تواصل الدول مع بعضها بعضا لتقاسم الفائض من الموارد في أوقات الأزمات، مؤكدا أن أزمة مثل فيروس كورونا لا تقف عند الحدود ولا تفرق بين الغني والفقير، مما يدعو إلى التركيز على الانتقال من السياسة إلى الحلول العملية.

وردا على سؤال حول مئوية الدولة الأردنية، أكد جلالته فخر الأردن بإنجازات شعبه وبمنعته وقدرته على تحويل التحديات إلى فرص، على مدى المئة عام الماضية، على الرغم من الاضطرابات الإقليمية والدولية، معربا عن تفاؤله بقدرة الشباب الأردني على تعزيز مسيرة الأردن في مئويته الثانية.

وأشار جلالة الملك إلى أن الكثيرين أحيانا ما ينظرون لدور الأردن كأمر مسلم به، لأن الجميع يعرف أنه سيفعل الصواب دوما، وذلك يمنح الأردن صوتا مسموعا ومصداقية في المجتمع الدولي تتخطى حجمه، لأنه يلتزم بما يقوله.

وفي بداية الجلسة، أشاد البروفيسور شواب بجهود الأردن، بقيادة جلالة الملك، في الحفاظ على استقراره في مواجهة الظروف الإقليمية، الأمر الذي جعل للأردن دورا دبلوماسيا قويا في الإقليم والعالم.

وأشار شواب إلى أن قدرة الأردن على التعامل مع جائحة "كورونا" دلالة على فاعلية المؤسسات الأردنية، مثمنا حرص الأردن على رعاية اللاجئين، خاصة في ظل تداعيات الوباء.

ويأتي الاجتماع، الذي بدأ في 25 من الشهر الجاري ويستمر إلى 29 من الشهر ذاته، في إطار الجهود الحثيثة لبناء شراكات عالمية للتصدي للتداعيات الإنسانية والاقتصادية لجائحة كورونا، وإيجاد حلول مبتكرة لدفع عجلة التعافي في الفترة المقبلة.

كما يركز على سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين القطاعين العام والخاص، لمواجهة قضايا عالمية ملحة، كتسريع حملات التطعيم ضد كورونا، وإيجاد المزيد من فرص عمل، ومجابهة أثر التغير المناخي.

المملكة