قال رئيس مجموعة البنك الدولي، ديفيد مالباس، إن جائحة كورونا أصابت أشد الناس فقرا وضعفا في البلدان النامية؛ مما زاد من تفاقم التفاوتات والتحديات القائمة، التي تتمثل في عدم كفاية أنظمة الرعاية الصحية، وضعف المنظومة التعليمية، وثبات الدخول، وتصاعد الصراعات وأعمال العنف، وعقود القروض سيئة الاختيار، وتغير المناخ.

وأضاف، في تصريحات حصرية لقناة "المملكة"، أن "تأخّر عمليات التلقيح في البلدان النامية يعمق التفاوتات على الصعيد العالمي، ويترك مئات الملايين من المسنين والضعفاء في خطر". 

"إلى جانب الضرر المباشر الناجم عن الجائحة، يترك فيروس كورونا آثارا سلبية دائمة؛ فقد خسر الأطفال فترات من التعليم حيوية لهم، وما يتصل بذلك من برامج التغذية والتطعيم في مرحلة الطفولة؛ وانهارت الشركات مع فقدان المهارات الوظيفية، واستُنفدت المدخرات والأصول؛ ويثبط تراكم الديون الاستثمار، ويحول دون الإنفاق الاجتماعي العاجل، بحسب مالباس.

وأشار إلى أن البنك الدولي تحرّك على وجه السرعة لمساعدة البلدان المعنية على الاستجابة في ثلاث خطوات، هي البرامج الصحية الطارئة في أكثر من 100 بلد في وقت مبكر من الأزمة، استكمال تقييمات لمدى الاستعداد للتلقيح في أكثر من 140 بلدا بنهاية عام 2020، عمليات تمويل وتوزيع للقاحات فيروس كورونا بإجمالي 4 مليارات دولار على الأقل من الارتباطات في 50 بلدا بحلول منتصف العام".

 وأضاف: "تساعد مؤسسة التمويل الدولية، ذراع المجموعة لتنمية القطاع الخاص، على زيادة إمدادات اللقاحات والمعدات الصحية الحيوية".
وقال، إن نشر اللقاحات على نطاق واسع هو أفضل استثمار لتعزيز الانتعاش الاقتصادي، وقد وجهت نداءات متكررة للبلدان التي تتوافر فيها إمدادات كافية من اللقاحات كي تقوم بتوزيعها سريعا في البلدان النامية التي تنفذ برامج تلقيح. 

"إضافة إلى برامج التلقيح، فإننا نعمل على تركيز مواردنا التمويلية وخبراتنا على البرامج المؤثرة التي من شأنها إنقاذ الأرواح وموارد الرزق، مع دعم التنمية الخضراء المرنة والشاملة للجميع. ويحتاج العالم النامي إلى نمو مستدام واسع القاعدة قوي بما يكفي لانتشال مئات الملايين من الأسر من براثن الفقر، مع إدماج الأعمال الخاصة بالتنمية والمناخ معا"، بحسب ما أكد مالباس في تصريحاته لـ "المملكة".

ولمساعدة البلدان على تحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ، قال مالباس: "ستخصص مجموعة البنك الدولي ما لا يقل عن 35٪ من مواردنا التمويلية على مدى السنوات الخمس المقبلة - أي ما مجموعه 100 مليار دولار - لدعم الاستثمارات المناخية في البلدان النامية، لكن النتائج أهم من المبالغ المصروفة".

 ولمعالجة الاحتياجات الحالية، أضاف: "سيُستخدم جزء من تمويلنا للأنشطة المناخية في جهود التخفيف عالية الأثر؛ وذلك بغرض الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، ولا سيما من جانب البلدان التي تنبعث منها أكبر الانبعاثات".

"استشرافا للمستقبل، فإن ما لا يقل عن نصف إجمالي مواردنا التمويلية للأنشطة المناخية سيتوجه لجهود التكيف عالية الأثر؛ لمساعدة البلدان المعنية على الاستعداد للآثار السلبية لتغير المناخ"، أضاف مالباس، موضحا أن "تركيز البنك الدولي على جهود التكيف هو إقرار بحقيقة أن تغير المناخ يضرب أشد ما يضرب أفقر البلدان، على الرغم من أن مساهمتها في انبعاثات غازات الدفيئة ضئيلة للغاية، ويتمثل أحد تدابيرنا العاجلة في مساعدة البلدان التي لديها مساهمات محددة وطنياً، وخطط تنمية طويلة الأجل منخفضة الكربون".

وأضاف: " ولدى البلدان المختلفة تباينا واسعا في النهج إزاء اتفاق باريس، ومن المهم أن تُعظم جهودها المناخية من الأثر على انبعاثات غازات الدفيئة والتكيف الناجح مع تغير المناخ".

وتابع مالباس أن "مما يزيد من عدم المساواة أن العديد من البلدان الأشد فقرا تحاول المواءمة مع أعباء الديون القياسية التي تستتبع أسعار فائدة مرتفعة، رغم بقاء أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة قريبة من الصفر، وحتى قبل تفشي الجائحة، كان نصف جميع البلدان منخفضة الدخل يعاني بالفعل من ضائقة الديون ،أو معرضا بشدة لمخاطرها".

"عندما وقعت الجائحة، دعوت إلى تخفيف عبء الديون عن أفقر البلدان بدءا بوقف فوري لخدمة الديون، وأتاحت مبادرة بلدان مجموعة العشرين بشأن تعليق مدفوعات خدمة الدين تخفيفا مؤقتا استفاد منه 43 بلدا بتأجيل سداد نحو 5.7 مليار دولار من مدفوعات خدمة الدين بين شهري أيار/مايو، وكانون الأول/ديسمبر من عام 2020، مع إمكانية تأجيل مدفوعات أخرى بقيمة 7.3 مليار دولار في النصف الأول من عام 2021"، بحسب مالباس.

"كان التخفيف أقل مما كان متوقعا؛ لأن الدائنين لم يشاركوا جميعا في المبادرة، فقد استمر الدائنون غير المشاركين في تحصيل مليارات الدولارات من الفوائد وأقساط أصل الدين خلال الأزمة، ولأن البلدان المدينة ستكون مدينة أيضا بالمدفوعات المُعلقة، بالإضافة إلى ما يستحق عليها من فوائد حين تنتهي فترة التعليق في كانون الأول/ ديسمبر 2021"، بحسب مالباس.

وأضاف: "في شهر أبريل/نيسان، أعلنت مجموعة العشرين عن إطار مشترك يمكن بموجبه للبلدان التي تتحمل مستوى غير مستدام من أعباء الديون أن تصل إلى وضع معتدل من الديون، ومن خلال العمل مع صندوق النقد الدولي، فإننا ندعم التنفيذ هذا الإطار، لكن العديد من عقود الديون السيادية التي تم إبرامها في السنوات الأخيرة تتضمن أحكاما تجعل تحليل الديون وإعادة هيكلتها أمرا شاقا، بما في ذلك الضمانات، وبنود عدم الكشف عن العقود والعوائق التي تحول دون المعاملة المماثلة، ويظهر التاريخ أن البلدان التي لا سبيل لها للخروج من أعباء الديون المتراكمة لا تسجل نموا، ولا تحقق خفضا دائما في مستويات الفقر".

وأكد مالباس أن اختلال التوازن في السياسات العامة في مجال التحفيز المالي، والنقدي يعد مساهما مهما آخر في عدم المساواة، سواء داخل البلدان أو فيما بينها. وتتركز الحوافز المالية وتدابير الدعم المتصلة بجائحة كورونا في الاقتصادات المتقدمة، وتفشل هذه الجهود في مساعدة الناس في العالم النامي. وبوسعنا أن نشهد هذا في ارتفاع الأسعار مدفوعا بالطلب في الاقتصادات المتقدمة حتى في الوقت الذي يضرب فيه انعدام الأمن الغذائي شرائح ضخمة من فقراء العالم.

وأضاف أن "السياسة النقدية العالمية تعاني من اختلال أكبر في التوازن؛ لأن شراء سندات البنك المركزي وتنظيم الائتمان لا يوجهان الموارد إلا إلى المؤسسات الأكثر أمانا وتطورا، الأمر الذي يبعد المقترضين الآخرين".

وقال مالباس، إن "استجابات مجموعة البنك الدولي الجماعية للتصدي للفقر، وتغير المناخ، وعدم المساواة ستكون هي الخيارات المحددة لعصرنا، والتحديات هائلة، وتتطلب نهجا جديدا في البلدان النامية والاقتصادات المتقدمة على حد سواء، وتكرس مجموعة البنك الدولي جهودها لمساعدة البلدان على تحقيق التغيير البناء والتنمية المستدامة، ونعمل مع القطاعين العام والخاص؛ لتحقيق رسالتنا الأساسية المتمثلة في تخفيف حدة الفقر، وتعزيز الرخاء المشترك". 

المملكة