أطاح تحالف متنوّع من الأحزاب الإسرائيليّة مساء الأحد، ببنيامين نتنياهو بعد 12 عاماً متواصلة في الحكم، ليحلّ محلّه الزعيم اليميني المتطرّف نفتالي بينيت، في تحوّل كبير في السياسة الإسرائيليّة.

وصوّت 60 نائباً لصالح الائتلاف الجديد المتنوّع ما بين اليمين واليسار والوسط بالإضافة إلى حزب عربي، في حين عارضه 59 نائباً معظمهم من حزب الليكود والأحزاب اليمينيّة المتشدّدة. وامتنع نائب واحد عن التصويت.  

وخرج آلاف الإسرائيليّين إلى الشوارع في القدس المحتلة وتلّ أبيب بعد نيل الحكومة الجديدة الثقة للاحتفال بإطاحة نتنياهو.

ويضمّ "ائتلاف التغيير" ثمانية أحزاب لكلّ منها أيديولوجيّته الخاصّة، ويأمل في إنهاء نحو عامين من الجمود السياسي في إسرائيل تخلّلتهما أربع انتخابات غير حاسمة.

وهنّأ الرئيس الأميركي جو بايدن نفتالي بينيت بالمنصب، مؤكّداً أنّه "يتطلّع إلى العمل" معه "لتعزيز كل جوانب العلاقة الطويلة والوثيقة بين بلدينا".

وقال البيت الأبيض إنّ الزعيمين تحدّثا هاتفيّاً، موضحاً في بيان أنّ بايدن سلّط خلال المحادثة "الضوء على دعمه الثابت على مدى عقود للعلاقات الأميركيّة الإسرائيليّة والتزامه الراسخ بأمن إسرائيل". 

وأشار البيت الأبيض إلى أنّ "الزعيمين اتّفقا على أنّهما وفريقيهما سيتشاورون عن كثب بشأن كلّ الأمور المتعلّقة بالأمن الإقليمي، بما في ذلك إيران". 

وهنّأ رئيس المجلس الأوروبّي شارل ميشال الأحد، بينيت، مؤكّداً "التطلّع إلى تعزيز الشراكة بين الاتّحاد الأوروبّي وإسرائيل من أجل ازدهار مشترك ونحو سلام واستقرار إقليمي دائم".

وأبدت المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل رغبتها بالعمل "في شكل وثيق" مع بينيت.

وهنّا رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الأحد بينيت، قائلاً إنّه "يتطلّع" إلى العمل معه ومع نائب رئيس الوزراء يئير لبيد. 

بدوره، أعرب وزير الخارجيّة البريطاني دومينيك راب عن "سروره لمواصلة التعاون في مجالات الأمن والتجارة وتغيّر المناخ والعمل معاً لضمان السلام في المنطقة".

ووعد نتنياهو في كلمته أمام البرلمان قبل التصويت على الائتلاف الجديد، بالعودة إلى قيادة البلاد "قريباً"، معتبراً أنّ "إيران تحتفل اليوم" بالحكومة الإسرائيلية الجديدة.

وأضاف أنّ بينيت وأصدقاءه يمثّلون "يميناً مزيّفاً" وأنّ الناس يعون ذلك جيّداً. 

وقال "إذا قُدّر لنا أن نكون في المعارضة، فسنفعل ذلك ورؤوسنا مرفوعة حتى نسقط هذه الحكومة السيئة ونعود إلى قيادة البلاد على طريقتنا. (...) سنعود قريباً".

وفي ميدان رابين في تلّ أبيب، تجمّع آلاف من معارضي نتنياهو احتفالاً بانتهاء حكمه وانطلقوا في مسيرة رافعين العلم الإسرائيلي ولافتات كتب عليها "وداعاً بيبي". 

وقال تال سركيس (19 عاماً) "مشاعري مختلطة" بشأن التحالف الجديد، لكنّه "شيء تحتاج إليه إسرائيل". وبموجب الاتّفاق المبرم بين ركني الائتلاف بينيت ومهندسه الوسطي يئير لبيد، سيتسلّم بينيت رئاسة الحكومة خلال أوّل سنتين، على أن يخلفه لبيد اعتباراً من 2023 ولسنتين أخريين.

ووعد رئيس الوزراء الجديد بأن يُمثّل "ائتلاف التغيير إسرائيل برمّتها".

وشدّد بينيت في مستهلّ جلسة البرلمان الإسرائيلي لمنح الحكومة الجديدة الثقة، والتي شهدت صخباً وانتقادات، على أنّ "إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي"، رافضاً إحياء الاتفاق النووي مع طهران.

وأشار الزعيم اليميني إلى أنّ "هذه الحكومة تبدأ عملها في ظلّ أخطر تهديد أمني"، مشدّداً على أنّ بلاده "ستحتفظ بحرّية تصرّف كاملة" ضد طهران.

وشكّل لبيد الائتلاف الحكومي بالتحالف مع سبعة أحزاب، اثنين من اليسار واثنين من الوسط وثلاثة من اليمين بينها حزب "يمينا" القومي المتطرف برئاسة بينيت، وحزب عربي هو "الحركة الإسلامية الجنوبية".

وتتمّ مراسم التسليم الرسمي للحكومة الجديدة الاثنين في مكتب رئيس الوزراء. 

وتولّى نتنياهو رئاسة الحكومة للمرّة الثانية في 2009، بعد ثلاث سنوات في المنصب من 1996 إلى 1999. 

"انتقال سلمي" 

ووصف نتنياهو الذي يواجه تهماً بالفساد قد تُدخله السجن، التشكيلة الحكومية بأنّها "يساريّة خطيرة".

ودعا بينيت معلّمه السابق نتنياهو إلى التنحّي من دون مشاكل ليتذكّر الإسرائيليّون إنجازاته. 

ورأى نتنياهو أنّ الائتلاف الناشئ "لا يعكس إرادة الناخبين" الإسرائيليين.   

لكنّ حزبه الليكود وعد "بانتقال سلمي للسلطة" بعد أزمة سياسية استمرت أكثر من عامين وتخللها إما فشل في تشكيل حكومة وإما ائتلاف حكومي استمر بضعة أشهر فقط.  

ونتنياهو متهم بقضايا فساد أمام القضاء، ولن يتمتع بعد خروجه من السلطة بأي حصانة. 

"الأرض المحروقة"

وستواجه الحكومة الجديدة فور توليها السلطة تحديات عدة، بينها التوتر في الأجواء العامة، مثل مسيرة مثيرة للجدل لليمين المتطرف الثلاثاء، قد تتوجه نحو الأحياء العربية في القدس الشرقية المحتلة التي تشهد منذ نحو شهرين احتجاجات.

وبعد إلغاء المسيرة أول مرة في العاشر من أيار/مايو ومجددا الخميس الماضي، سعى نتنياهو الى السماح بتنظيمها قبل التصويت الأحد، وفق اتفاق محدد بين الشرطة والمنظمين. وتسبّب إصرار نتنياهو على تنظيم المسيرة باتهامه من جانب خصومه بتأجيج الوضع واتباع سياسة "الأرض المحروقة".

واندلعت الاحتجاجات في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين على خلفية التهديد بطرد عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح في القدس لصالح جمعيات استيطانية.

وأدى ذلك إلى تصعيد دام مع حركة حماس في قطاع غزة استمر 11 يوما وتسبب باستشهاد 260 فلسطينيا ودمار هائل في القطاع المحاصر. وفي الجانب الإسرائيلي قتل 13 شخصا.

وأنهى وقف إطلاق النار بوساطة مصرية المواجهات، لكن المحادثات من أجل هدنة دائمة لم تنجح وهذا ما سيشكل تحديًا آخر للحكومة.

وقال المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم الأحد، إن "سلوك هذه الحكومة على الأرض سيحدد طبيعة ومسار التعامل الميداني مع الاحتلال" مشددا في الوقت نفسه على "مقاومة الكيان الاحتلالي وانتزاع حقوقنا منه بكل السبل وأشكال المقاومة وفي مقدمها المقاومة المسلحة". 

أ ف ب