أدلى الإيرانيون بين صباح الجمعة وفجر السبت، بأصواتهم لاختيار رئيس جديد للجمهورية، في انتخابات يُتوقّع أن تصب نتيجتها في صالح المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، وتأتي في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية حادة.

وبعد قرابة 19 ساعة من التصويت، أقفلت مراكز الاقتراع أبوابها عند الثانية فجر السبت (21:30 ت غ ليل الجمعة)، وفق الإعلام الرسمي.

ودعي أكثر من 59 مليون إيراني ممّن أتمّوا الثامنة عشرة، إلى التصويت اعتبارا من السابعة صباح الجمعة. وفي حين كانت فترة الاقتراع مقررة حتى منتصف الليل، مدّدت المهلة ساعتين إضافيتين، وهو ما كانت السلطات ألمحت سابقا الى احتمال حصوله في حال الحاجة، لا سيما نظرا إلى الإجراءات الوقائية من كورونا.

ويُتوقّع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية (اعتبارا من 1979)، بحلول ظهر السبت (07:30 ت غ).

وخاض السباق أربعة مرشحين من الذين نالوا الأهلية من مجلس صيانة الدستور. وواجه المجلس انتقادات لاستبعاده أسماء بارزة مرشحة، ما أثار هواجس من تأثير ذلك سلبا على المشاركة.

وفي غياب منافس جدّي، يبدو رئيس السلطة القضائية رئيسي (60 عاما) الأوفر حظا للفوز بولاية من أربعة أعوام خلفا للمعتدل حسن روحاني الذي لا يحق له الترشح هذه المرة بعدما شغل منصب رئيس الجمهورية لولايتين متتاليتين اعتبارا من 2013.

إلا أنّ بعض الدورات الانتخابية الرئاسية في إيران، لا سيّما منذ عام 1997، شهدت تسجيل نتائج مخالفة للتوقعات، خصوصا في 2005 مع محمود أحمدي نجاد، وفي 2013 مع روحاني.

وفي حال عدم نيل أيّ من المرشحين الغالبية المطلقة، تجرى دورة ثانية في 25 حزيران/يونيو بين المرشّحَين اللذين حصدا أعلى عدد من الأصوات.

تحديد مصير "لعدة سنوات" 

وأطلق المرشد الأعلى علي خامنئي اليوم الانتخابي بإدلائه بصوته بعيد السابعة صباح الجمعة في طهران، مكررا الدعوة الى مشاركة كثيفة لأن "ما يفعله الشعب الإيراني اليوم، يحدد مصيره ويبني مستقبله لعدة سنوات".

وتعد نسبة المشاركة موضع ترقب، علما بأن أدنى نسبة مشاركة في انتخابات رئاسية في الجمهورية الإسلامية بلغت 50.6%، وسجلت في عام 1993.

وقبل انتخابات 2021، توقعت استطلاعات رأي ووسائل إعلام محلية مشاركة بحدود 40%.

ولم تصدر السلطات أرقاما رسمية حتى إقفال أقلام الاقتراع. لكن وكالة "فارس" التي تعد قريبة من المحافظين المتشددين ("الأصوليين")، أفادت بأن النسبة بلغت 37% حتى الساعة 19:30 مساء الجمعة، مشيرة الى احتمال تخطيها عتبة 50%.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل أربعة أعوام 73%، في حين شهدت الانتخابات التشريعية في شباط/فبراير 2020، نسبة امتناع قياسية بلغت 57%.

"المرشح الأكثر كفاءة" 

وشهدت البلاد حملة من دون حماسة تذكر. وفي شوارع العاصمة الجمعة، تفاوتت آراء الناخبين بشأن الاقتراع من عدمه.

وقال محمد جواد بور زاده "من المهم المشاركة في الانتخابات، وكل فرد يصوّت حسب رأيه. لقد انتخبت اليوم".

وأكدت ممرضة اكتفت بذكر اسم عائلتها (صاحبيان) أنها ستصوت لرئيسي "المرشح الأكثر كفاءة".

ومنح مجلس صيانة الدستور الأهلية لخمسة مرشحين من المحافظين المتشددين واثنين من الإصلاحيين، قبل أن ينسحب ثلاثة منهم الأربعاء.

ويواجه رئيسي، رجل الدين الذي يعد مقرّباً من خامنئي، المتشددَين محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، والنائب أمير حسين قاضي زاده هاشمي، والإصلاحي عبد الناصر همتي، حاكم المصرف المركزي منذ 2018 حتى ترشحه.

وحصد رئيسي 38% من الأصوات في انتخابات 2017، وتولى مناصب عدّة على مدى عقود، خصوصاً في السلطة القضائية، وكان سادن العتبة الرضوية في مسقطه مدينة مشهد المقدسة (شمال شرق).

كذلك، تطرح وسائل إعلام إيرانية اسمه كخلف محتمل للمرشد.

"خطيئة" 

واستبعد مجلس صيانة الدستور مرشحين بارزين مثل الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، ونائب رئيس الجمهورية اسحاق جهانغيري، وأحمدي نجاد الذي تولى رئاسة البلاد بين العامين 2005 و2013.

وفي حين يؤكد المجلس الذي يهمين عليه المحافظون، التزامه القانون في درس الأهلية، أعطى استبعاده أسماء كبيرة، خصوصا لاريجاني الذي كان يُتوقع أن يكون أبرز منافس لرئيسي، الانطباع بأن الانتخابات حسمت سلفا.

ودعا خامنئي مرارا في الآونة الأخيرة الى المشاركة بكثافة وتجاهل حملات من معارضين في الخارج وعلى مواقع التواصل، للامتناع عن ذلك.

كما حضّ روحاني الجمعة على المشاركة، قائلا "الانتخابات مهمة مهما جرى (...) علينا الذهاب الى التصويت".

لكنّ توجّه بعض سكان طهران أتى مغايرا.

وقال النجار حسين أحمدي "الوضع الراهن لا يترك لنا أي خيار آخر سوى الصمت والبقاء في المنزل، على أمل أن يؤدي ذلك الى إسماع أصواتنا".

واعتبر التاجر سعيد زارعي أنه "في حال قمت بالتصويت أم لا، لقد تم انتخاب أحدهم بشكل مسبق".

وأكد الرئيس السابق أحمدي نجاد رفضه "أن أكون جزءا من هذه الخطيئة".

الاقتصاد أولوية 

ويحظى الرئيس في إيران بصلاحيات تنفيذية ويشكل الحكومة، لكن الكلمة الفصل في السياسات العامة تعود الى المرشد الأعلى.

وستطوي الانتخابات عهد روحاني الذي بدأ في 2013 وتخلّله انفتاح نسبي على الغرب توّج بإبرام اتفاق العام 2015 بين طهران والقوى الكبرى بشأن برنامج إيران النووي، بعد أعوام من التوتر.

وأتاح الاتفاق رفع عقوبات عن طهران، في مقابل الحدّ من أنشطتها النووية. لكنّ مفاعيله انتهت تقريبا مذ قرّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحادياً منه وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران.

وتتزامن الانتخابات مع مباحثات تجري في فيينا بين إيران وأطراف الاتفاق، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، سعياً لإحيائه. وأبدى المرشحون تأييدهم أولوية رفع العقوبات والتزامهم الاتفاق النووي إذا تحقّق ذلك.

وشهدت مدن عدة احتجاجات على خلفية اقتصادية في شتاء 2017-2018 وتشرين الثاني/نوفمبر 2019، اعتمدت السلطات الشدّة في قمعها.

وسيكون الوضع المعيشي أولوية للرئيس المقبل، وهو ما شدد عليه خامنئي بدعوته المرشحين إلى التركيز على الشأن الاقتصادي.

أ ف ب