على وقع الهتافات ومكبرات الصوت وأبواق المركبات وإشعال الإطارات، تعيش بلدة بيتا جنوب نابلس، منذ أسابيع هذه الحالة؛ كأسلوب جديد في المقاومة الشعبية ضد إنشاء بؤرة استيطانية جديدة فوق قمة جبل صبيح، والذي أطلق عليه الأهالي "الإرباك الليلي".

"هذه بيتا مش حيا الله، عن الجبل ما بنتخلى"؛ بهذه الكلمات تصدح حناجر المقاومين في الجبل التابع لأراضي بلدات بيتا ويتما وقبلان، في محاولة لتشكيل حالة إزعاج لمستوطنين أقاموا بؤرة استيطانية تحمل اسم "جفعات أفيتار"، بعد مقارعة الاحتلال في النهار وسط اندلاع مواجهات في المنطقة.

وكان مستوطنون أقاموا بؤرة استيطانية على قمة جبل صبيح على قرابة 20 دونما، وأقاموا 30 بيتا متنقلا "كرفانا" بمساعدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما شقّوا الطرق المؤدية له خلال أيام فقط، وسط تخوف أهالي القرى الثلاث من السيطرة على كامل الجبل، والبالغة مساحته 840 دونمًا.

وتحدثت مصادر محلية عن أسلوب المقاومة "الإرباك الليلي" في بلدة بيتا، وعن طبيعة المواجهة الليلية التي جاءت كعامل مساند للفعاليات الشعبية والمواجهة في ساعات النهار.

وقالت مصادر لوكالة الأنباء الفلسطينية، إن فكرة الإرباك الليلي جاءت نتيجة الحالة التي تعيشها البلدة ورفض الأهالي وجود المستوطنين على أراضيها، والتمسك بها مهما كلف الثمن، مشيرة إلى أن الفئات العمرية كافة تشارك في المواجهة ضد إقامة بؤرة استيطانية على أراضي البلدة، من خلال عمل منظم مستمر على مدار الـ24 ساعة، وبتنسيق من "حراس الجبل" الذين يعملون من خلال 10 وحدات، كل وحدة توكل إليها مهام معينة؛ بحيث تتكامل فيما بينها لتشكيل حالة من الإرباك للمستوطنين الذي يقطنون البؤرة الاستيطانية.

وبين أن أسلوب "الإرباك الليلي" تستخدم فيه إطارات مشتعلة بمواصفات معينة، إضافة إلى مكبرات صوت تصدر أصواتا عالية تزعج المستوطنين، واستخدام الإضاءة القوية والليزر، لتشتيت انتباه جنود الاحتلال الذين يقومون بحماية المستوطنين، واستخدام براميل متفجرة.

وأكد على دور المرأة الفاعل والرئيسي في بيتا، عبر تقديمها الدعم اللوجستي من خلال إعداد وجبات الطعام، وتشجيع الأبناء والآباء على الالتحاق بالمقاومة ضد الاستيطان.

وحسب إحصائيات رسمية فلسطينية، فإن 5 شهداء ارتقوا في معركة الدفاع عن الجبل، فيما أصيب نحو 618 فلسطينيا منذ مطلع أيار/مايو في بلدة بيتا، خلال مواجهات تشهدها البلدة ليلا نهارا، احتجاجا على إقامة البؤرة الاستيطانية.

مدير مكتب هيئة الجدار والاستيطان في الشمال مراد شتيوي، قال "إن بلدة بيتا شكلت نموذجا متقدما في المقاومة الشعبية، واخترعت أسلوبا جديدا في المواجهة عن طريق الاستمرارية على مدار 24 ساعة، وهو أسلوب مختلف عن المسيرات الأسبوعية المنظمة".

وأضاف شتيوي، إن "ما يميز أسلوب المقاومة في بيتا هو الزخم الكبير في حجم المشاركة، وبروز دور المرأة في النضال بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال تقديم الدعم المعنوي والمساندة وتقديم الوجبات للمشاركين في المقاومة وتشجيع الأبناء على الخروج للدفاع عن أراضيهم".

وبين أن "ما يلفت النظر في تجربة بيتا هو التسابق على النضال في معركة الدفاع عن الجبل، حيث استشهد خمسة فلسطينيين، أربعة من بيتا، وآخر من قرية يتما، إضافة إلى إصابة نحو 300 فلسطيني برصاص الاحتلال الحي، وكل ذلك لم يثن الأهالي عن المقاومة وابتداع أساليب جديدة لها".

وقال "إن هذا النموذج سيسجل في قاموس النضال الوطني الفلسطيني، ويمكن البناء عليه واستغلاله في مناطق أخرى كأسلوب مقاومة ناجع، فالمعروف أن المقاومة الشعبية تبنى على استراتيجية تجعل الاحتلال يستنفد كل طاقاته في تأمين الحماية لهؤلاء المستوطنين".

وأشار شتيوي إلى أن "العمل جارٍ على ثلاثة محاور ضد إنشاء البؤرة الاستيطانية؛ من الناحية القانونية بالتعاون مع مركز القدس للمساعدة القانونية، إضافة إلى العمل الشعبي، والمحور الثالث سيكون بعد النجاح في إزالة البؤرة الاستيطانية من خلال تنفيذ عدد من المشاريع لتعزيز صمود الأهالي على الجبل من قبل هيئة الجدار والاستيطان".

وأكد أن "الفلسطينيين دائما ما يبتدعون طرقا جديدة في المقاومة الشعبية كما حصل في قرية كفر قدوم شرق قلقيلية؛ من خلال استخدام انعكاس المرايا لتشتيت تركيز جنود الاحتلال في حالات إطلاق الرصاص واستهداف المشاركين في المسيرة الأسبوعية، إضافة إلى استخدام مضخات من الدخان، وحرق الإطارات المطاطية التي شكلت حالة إزعاج للمستوطنين".   

وحاول المستوطنون السيطرة على جبل صبيح في العام 2013 من خلال إقامة بؤرة استيطانية عقب مقتل مستوطن عند حاجز زعترة، وأطلقوا عليها اسم "جفعات أفيتار"، على اسم مستوطن قتل عند الحاجز، كما حاولوا إحياء البؤرة عام 2018، عقب مقتل حاخام يهودي قرب مستوطنة "أرئيل" شمال سلفيت، لكن المحاولتين فشلتا إثر المقاومة التي خاضها أهالي البلدة.

وفا