تشهد الملصقات التي تزين مكتب كريستينا أمبيفا، العاملة السابقة في قطاع النسيج في مقدونيا الشمالية، عن كفاحها للدفاع عن حقوق النساء في العمل في مجتمع ذكوري لا يزال بعيدا عن المساواة بين الجنسين.

وهي تخلت سنة 2016 عن الإبرة والخيط للتفرغ لهذا الكفاح بعد سنوات "مريعة" أمضتها في مصانع الألبسة والجلد في هذا البلد الصغير في البلقان وهي تنتج خصوصا ملابس للأسواق في أوروبا الغربية.

وتقول الشابة البالغة 32 عاما من مكاتب منظمتها غير الحكومية في مدينة شتيب شرق البلاد، لوكالة فرانس برس "لقد التحقت بهذا النضال من كل قلبي وروحي لمساعدة هذه اليد العاملة المجردة من حقوقها".

وتدافع منظمة "غلاسن تكستيليك" ("عامل نسيج يسمع صوته") عن الموظفين الفرديين مع النضال أيضا في سبيل إقرار إصلاحات عامة. وقد حققت المنظمة غير الحكومية نجاحات مع حملاتها، مثل تطبيق الحد الأدنى للأجور على القطاع الذي تشكل النساء الأكثرية الساحقة من موظفيه.

وتشهد مقدونيا الشمالية تقدما للمنظمات المدافعة عن حقوق النساء في السنوات الأخيرة.

غير أن المساواة الفعلية تبدو بعيدة في مجتمع ذكوري لا يزال جزءا لا يُستهان به من أفراده يعتقد أن دور المرأة الرئيسي يقتصر على تربية الأطفال في المنزل.

ويصنف مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2021 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، مقدونيا الشمالية في المركز الحادي والسبعين عالميا، بفارق كبير عن صربيا (19) ومونتينيغرو (48) المجاورتين. ولم تحقق البلاد أي تقدم يُذكر على هذا الصعيد منذ حوالي خمس عشرة سنة.

250 يورو شهريا

وتقول الباحثة في منظمة "رياكتور" غير الحكومية نيدا بيتكوفسكا لوكالة فرانس برس إن الهوة في سوق العمل صارخة، سواء لناحية النفاذ إلى العمل أو الرواتب. كما أن "التحسينات النادرة في مجال نسبة توظيف النساء ستتبدد بلا شك بسبب أزمة كورونا".

وبحسب منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، 54% من النساء في القوة العاملة كان لديهن عمل العام الماضي، في مقابل 64% في المعدل للبلدان الأعضاء في المنظمة.

وتحتل شتيب التي شكلت مركزا رئيسيا لقطاع النسيج خلال عهد تيتو، أبرز مدن مقدونيا الشمالية على صعيد صناعة النسيج رغم تراجع القطاع إثر تفكيك يوغوسلافيا السابقة.

وصبيحة كل يوم، يأتي العاملون في مصانع النسيج بالحافلات لمزاولة نشاطهم في هذه المواقع المنتشرة بالعشرات في الضواحي.

ويتقاضى أكثرية هؤلاء العمال الحد الأدنى للأجور، أي أقل من 250 يورو شهريا فيما معدل الرواتب في البلاد يقرب من 460 يورو.

وتشكل النساء العمود الفقري لهذا القطاع الذي يوظف حوالي 35 ألف شخص ويمثل 13% من إجمالي الناتج المحلي وأكثر من ربع الصادرات.

وتقول كريستينا أمبيفا "إن لم يكن لدينا أي علاقات بالأحزاب السياسية، فإن العمل الوحيد المتاح أمامنا هو في قطاع النسيج".

كما أن كثيرات من النسوة هن الوحيدات في العائلة اللواتي يعملن في سوق العمل النظامي، ما يعني أن آلاف الأسر تعتمد على هذه الوظائف للضمان الاجتماعي.

وفي بعض الأحيان، تسير الأمور على غير ما يرام. هذه حال بيسيرا كافتانوفا (32 عاما) التي تدافع عنها منظمة "غلاسن تكستيليك" منذ أن رفضت توقيع عقد عمل لمدة ثلاثين يوما مع شركة للملابس كانت تعمل فيها وفق عقد لمدة غير محددة منذ ست سنوات.

وتوضح لوكالة فرانس برس "لقد قالوا لنا إن من الأفضل لنا أن نوقّع لأنها وظيفة مضمونة. لا وظيفة مضمونة مع عقد لستة أشهر". وهي باتت في حال بطالة قسرية من دون أي راتب منذ شهرين.

"مسؤولية العلامات التجارية"

وتقول كريستينا أمبيفا إنها قدمت مساعدة مباشرة أو غير مباشرة لآلاف الأشخاص في مثل هذه الحالات، كما أحالت حوالي ألف ملف إلى القضاء أو السلطات الضريبية أو هيئات التفتيش العمالية.

كذلك تفاخر المنظمة غير الحكومية بأنها شاركت في الكفاح ضد فرض حصص إنتاج على العاملين في قطاع النسيج والتي من شأنها عمليا حرمانهم من الحق في تقاضي الحد الأدنى للأجور. وقد أفضى هذا النضال سنة 2018 إلى إبطال المحكمة الدستورية هذا القانون باسم مكافحة التمييز.

ويؤكد أنجيل ديمتروف وهو مدير مصنع ورئيس منظمة لرؤساء المصانع في القطاع أن ظروف العمل السيئة التي لطخت سمعة القطاع أصبحت من الماضي.

ويشير إلى أن "أكثرية الشركات تطبق معايير اجتماعية وبيئية صارمة" و"الظروف أفضل" من تلك الموجودة في بلدان أخرى مثل بنغلادش وفيتنام وباكستان.

غير أنه يشكو من أن الحد الأدنى للأجور "يثبط حماسة" العمال إذ إن "40% من العاملين لا يبلغون حصص الإنتاج المطلوبة في المهنة".

ولا توافق كريستينا أمبيفا على هذا الرأي لكنها تقر بأن الانتهاكات التي تعرضت لها خلال عملها في قطاع النسيج، سواء عدم وجود تكييف خلال فصل الصيف أو غياب التدفئة شتاء، تسجل تراجعا في الآونة الأخيرة.

لكن الحل برأيها يبقى رهنا بجزء منه بالزبائن الغربيين للمصانع في مقدونيا الشمالية.

وتقول "على العلامات التجارية أن تفهم مسؤوليتها في السلسلة الإنتاجية".

أ ف ب