أعلنت الحكومة السودانية إحباط "محاولة انقلابية" جرت صباح الثلاثاء، متهمة "ضباطا من فلول النظام البائد" بتنفيذها، في إشارة إلى نظام الرئيس المخلوع عمر البشير المعتقل منذ أكثر من سنتين بعد أن أطاح به الجيش تحت ضغط حركة شعبية احتجاجية عارمة.

وقال وزير الإعلام والثقافة حمزة بلول المتحدث باسم الحكومة السودانية في كلمة مقتضبة بثها التلفزيون السوداني، "تمت السيطرة فجر اليوم... على محاولة انقلابية فاشلة قامت بها مجموعة من الضباط في القوات المسلحة من فلول النظام البائد".

وأضاف: "نطمئن أن الأوضاع تحت السيطرة التامة، وتم القبض على قادة محاولة الانقلاب من العسكريين والمدنيين ويتم التحقيق معهم".

وأكدت القوات المسلحة السودانية اعتقال 11 ضابطًا وعدد من الجنود المشاركين في المحاولة. وقالت في بيان "حاول بعض الضباط والرتب الأخرى في الساعات الأولى من صباح اليوم (الثلاثاء) القيام بمحاولة للاستيلاء على السلطة في البلاد".

وأضاف البيان أنه "تمت استعادة كل المواقع التي سيطر عليها الانقلابيون" و"مازال البحث والتحري جاريًا للقبض على بقية المتورطين".

وأشار بلول إلى استمرار الأجهزة الأمنية في "ملاحقة فلول النظام المشاركين" في المحاولة.

وقال رئيس الحكومة السوداني عبد الله حمدوك من جهته في كلمة ألقاها خلال اجتماع لمجلس الوزراء ونقلها التلفزيون، إن المحاولة الانقلابية كانت "تستهدف الثورة وكل ما حققته من إنجازات"، مضيفا أنه كان "انقلابا مدبرا من جهات داخل وخارج القوات المسلحة"، وأنه "امتداد لمحاولات فلول النظام البائد لإجهاض الانتقال المدني الديمقراطي".

وكانت وسائل إعلام رسمية سودانية أعلنت في وقت باكر صباحا، عن "محاولة انقلابية فاشلة"، وأعلن مصدر عسكري توقيف ضباط متورطين. ودعا الإعلام الرسمي "الجماهير للتصدي" للمحاولة.

وأكد مصدر حكومي رفيع لوكالة فرانس برس، أن منفّذي العملية حاولوا السيطرة على مقر الإعلام الرسمي، لكنهم "فشلوا".

وكان المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة العميد الطاهر أبو هاجه، أكد أنه "تمّ إحباط محاولة للاستيلاء على السلطة".

وحكم عمر البشير السودان بقبضة من حديد لمدة 30 عاما. وفي 11 نيسان/أبريل 2019، أطاح الجيش به واعتقله، بعد 4 أشهر على بدء احتجاجات شعبية عارمة وغير مسبوقة في البلاد، ضدّه. وتسلّم العسكريون السلطة.

في آب/أغسطس 2019، وقع العسكريون وقادة الحركة الاحتجاجية المدنيون اتفاقًا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من 3 سنوات تم تمديدها لاحقا حتى نهاية 2023 بعد أن أبرمت الحكومة السودانية اتفاقات سلام مع عدد من حركات التمرد المسلحة في البلاد.

وتتألف تركيبة السلطة الحالية من مجلس السيادة برئاسة عبد الفتاح البرهان، وحكومة برئاسة عبدالله حمدوك، ومهمتها الإعداد لانتخابات عامة تنتهي بتسليم الحكم إلى مدنيين.

وقال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي والذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، في تصريحات أدلى بها الثلاثاء من مركز عسكري في شمال العاصمة، "لن نسمح بحدوث انقلاب"، مضيفا، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء السودانية "سونا"، "نريد تحولاً ديمقراطياً حقيقياً عبر انتخابات حرة ونزيهة".

حركة عادية

وبدت حركة المواطنين والسيارات الثلاثاء، عادية في وسط العاصمة حيث مقر قيادة الجيش، وفق وكالة فرانس برس.

غير أن الجيش أغلق جسرا يربط الخرطوم بمدينة أم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل. ويوجد في أم درمان مقرّا الإذاعة والتلفزيون الرسميان.

وشوهدت دبابتان متوقفتان عند مدخل الجسر باتجاه أم درمان.

وتبث الإذاعة الرسمية "راديو أم درمان" و"تلفزيون السودان" الرسمي منذ الصباح أغاني وطنية.

وأعلن حزب الأمة القومي، أكبر الأحزاب السودانية، إدانته المحاولة الانقلابية واستعداده لمقاومتها.

كما أبدت لجان مقاومة الأحياء السكنية التي كانت تنظم الاحتجاجات ضد البشير، استعدادها للخروج إلى الشارع ومقاومة أي انقلاب عسكري.

انقسامات في المؤسسة العسكرية؟

وشهدت العاصمة وبعض مدن البلاد خلال الشهور الماضية تظاهرات احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية.

وتزداد المطالب داخليا وخارجيا بتوحيد الأجهزة العسكرية ووضع مؤسسات الجيش الاقتصادية تحت إشراف المدنيين.

وأشار حمدوك في حزيران/يونيو إلى وجود حالة من "التشظي" داخل المؤسسة العسكرية.

وقال في بيان حينذاك "جميع التحديات التي نواجهها، في رأيي، مظهر من مظاهر أزمة أعمق هي في الأساس وبامتياز أزمة سياسية".

وأضاف "التشظي العسكري وداخل المؤسسة العسكرية أمر مقلق جدا".

وقالت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية سامنثا باور خلال زيارة إلى الخرطوم في آب/أغسطس، "الولايات المتحدة تؤكد أن السودان يجب أن يكون لديه جيش واحد وتحت قيادة واحدة".

وأضافت: "سندعم جهود المدنيين لإصلاح المنظومة الأمنية ودمج قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة للمعارضين السابقين".

وللسودان تاريخ مع الانقلابات العسكرية منذ استقلاله في عام 1956. فقد حكمه الفريق عبود من عام 1958 إلى 1964، ثم المشير جعفر نميري من 1969 إلى 1985، والبشير من عام 1989 إلى 2019.

وأطيح بكل الحكومات العسكرية بانتفاضات شعبية في أعوام 1964 و1985 وأخيرا 2019.

والبشير موجود حاليا في سجن كوبر بالعاصمة السودانية. وأعلنت الحكومة السودانية استعدادها لتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية التي كانت أصدرت في 2009 مذكرة توقيف في حقه بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح في دارفور الذي اندلع في 2003 بين القوات الحكومية مدعومة بميليشيات، ومجموعات من المتمردين، وقتل خلاله أكثر من 300 ألف شخص.

ويحاكم البشير أمام محكمة سودانية بتهمة القيام بانقلاب العسكري على النظام في حزيران/يونيو 1989.

المملكة + أ ف ب