علّق المحقق العدلي طارق بيطار الاثنين تحقيقه في قضية انفجار مرفأ بيروت، وسط تنديد عائلات الضحايا الذين سقطوا في الانفجار، بعرقلة سياسية للتحقيق.

وهذه هي المرة الثانية التي يعلّق فيها التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وسيتعين على بيطار التوقف عن عمله في هذا الملف بانتظار أن تبت محكمة استئناف بيروت بدعوى تقدّم بها الوزير السابق نهاد المشنوق يطلب فيها نقل القضية إلى قاض آخر رداً على طلب استجوابه كمدعى عليه، وفق ما أفاد مصدر قضائي وكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته.

وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف، أعلن بيطار في تموز/ وليو أنه يعتزم استجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب كمدعى عليه، ووجّه كتاباً الى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن ثلاثة وزراء سابقين هم النواب علي حسن خليل (المال) وغازي زعيتر (الأشغال)، وهما ينتميان إلى كتلة حركة أمل المتحالفة مع حزب الله، ونهاد المشنوق (الداخلية)، وكان ينتمي إلى تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، "تمهيداً للادعاء عليهم".

وأدى الانفجار الضخم في مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، والذي عزته السلطات إلى تخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم من دون إجراءات وقاية، إلى مقتل 214 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، عدا عن دمار واسع في العاصمة. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية كانوا على دراية بمخاطر تخزين هذه المادة ولم يحركوا ساكناً.

ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق وطلبه ملاحقة نواب ووزراء سابقين ومسؤولين أمنيين، يخشى كثر أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار، على غرار ما جرى مع سلفه فادي صوان الذي تمت تنحيته في شباط/ فبراير بعد ادعائه على دياب وثلاثة وزراء سابقين.

وأثار تعليق التحقيق غضب منظمات حقوقية وذوي ضحايا الانفجار الذين اتّهموا الطبقة السياسية بتقويض التحقيقات في أسوأ كارثة شهدها لبنان في زمن السلم.

والاثنين جدد مجلس الأمن الدولي التأكيد على ضرورة إجراء تحقيق "سريع ومستقل ونزيه وشامل وشفاف" في الانفجار.

"خرق للدستور"

من جهته، أعرب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي عن أمله بأن تردّ محكمة الاستئناف الطلب "لأننا لا نستطيع أن نتحمل أن يتنحى قاض ثان".

لكن ميقاتي اتّهم بيطار بـ"خرق الدستور" الذي "ينص على أصول لمحاكمة الرؤساء والوزراء".

وتابع "ثمة أشخاص وجّه (بيطار) لهم اتهاما من دون أن يستجوبهم".

في المقابل، قالت الباحثة المتخصصة في شؤون لبنان في منظمة هيومن رايتس ووتش آية مجذوب إن ما يحصل "يظهر بوضوح أن الطبقة السياسية اللبنانية ستفعل ما بوسعها لتقويض وعرقلة التحقيق ... وللإفلات من العدالة مجدداً في أحد أكبر الجرائم في تاريخ لبنان الحديث".

وتابعت "هذه العراقيل السافرة للعدالة يجب أن تشكل جرس إنذار للمجتمع الدولي لتفويض بعثة دولية لتقصي الحقائق".

بدورها اعتبرت مسؤولة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية لين معلوف أن قرار تعليق التحقيق يشكل "دليلا إضافيا على أن الهدف الأوحد للطبقة السياسية الحاكمة منذ أن بدأ هذا التحقيق هو توقيفه"، واصفة الأمر بأنه "تجاهل صارخ لحقوق الضحايا والناجين وعائلاتهم".

واعتبرت أن تعليق التحقيق يؤكد ضرورة إنشاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "آلية لتقصّي الحقائق".

من جهته اتّهم إبراهيم حطيط الذي قضى شقيقه في الانفجار، الطبقة السياسية بتعمّد "إضاعة الوقت" لتجنّب المساءلة.

وشدد حطيط على أنه في حال تمت تنحية بيطار "رح نولع الدنيا كلها ... رح نروح للعنف".

عرقلة

ولطالما حذّرت منظّمات غير حكومية من تدخّلات في الشؤون القضائية ومن ضغوط تمارسها الطبقة السياسية على القضاة في إطار التحقيق اللبناني في الانفجار، علما بأن أي نتائج ملموسة لم تعلن بعد على الرغم من مرور نحو عام على وقوع الكارثة.

ونجمت الكارثة المروّعة التي شهدتها بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020، عن تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم بلا إجراءات وقاية، وفق السلطات. إلا أن ملابسات اشتعال هذه المادة لم تتّضح بعد.

وكانت تحقيقات إعلامية، بينها تحقيق لوكالة فرانس برس، أظهرت أن مسؤولين، بينهم رئيس الجمهورية وقادة أمنيون وعسكريون، كانوا على علم بمخاطر تخزين تلك المادة في المرفأ، من دون أن يحركوا ساكناً.

وفي تقرير أصدرته الشهر الماضي اتّهمت "هيومن رايتس ووتش" السلطات اللبنانية بالإهمال "جنائياً" وانتهاك الحق بالحياة، وأوصت المنظمة بفرض عقوبات على المسؤولين.

وفي مطلع تموز/ يوليو طلب بيطار من البرلمان رفع الحصانة عن خليل وزعيتر والمشنوق "تمهيداً للادعاء عليهم والشروع بملاحقتهم"، كما طلب استجواب مدير عام الأمن العام عباس ابراهيم والقائد السابق للجيش جان قهوجي.

لكن البرلمان رفض طلبه، واتّهم مسؤولون كبار لا سيما في حزب الله بيطار بتسييس القضية.

ومؤخرا سرّب إعلاميون رسالة على لسان مسؤول في حزب الله الى القاضي بيطار تتضمن امتعاض الحزب الذي يعتبر القوة السياسية والعسكرية الأبرز على الساحة اللبنانية، من مسار التحقيق وتهديده بإزاحته.

ومنذ أشهر تطالب عائلات ضحايا انفجار المرفأ بمحاسبة المسؤولين ومعاقبتهم.

وكان أُعلن عن تظاهرة ستنظّم الأربعاء أمام قصر العدل في بيروت قبل أن ترد الأنباء عن تعليق التحقيق.

وقال حطيط إن تحرّك الأربعاء "ممكن يروح لشي أكبر"، مضيفا "بيوتهم هدف لنا".

وقال بول نجار الذي قضت طفلته ألكسندرا (ثلاثة أعوام) في الانفجار إن تعليق التحقيق مجددا "أمر مقرف".

وأضاف "سوف نصعّد تحرّكنا"، موضحا "إلى الآن بقينا نوعا ما سلميين. أعتقد أن هذا الأمر سيتغيّر".

أ ف ب