وسط ساحة المهد في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، تجمهر تلاميذ الصفوف الأساسية العائدون من مدارسهم، قبالة لوحتين من الزجاج، عرضت عليهما رسائل ورقية أرسلها أسرى فلسطينيون وعرب من محافظات مختلفة ودول عربية عدة، كالعراق وسوريا، إلى ذويهم وأصدقائهم تحمل شعار واسم الصليب الأحمر الدولي، وتعود إلى فترة السبعينيات والثمانينيات، على مدخل واحد من أكشاك سوق العاصمة الثقافي في المدينة.

التلاميذ الصغار بعضهم سأل عن معنى "سجن عسقلان" قبل أن يتدخل أسير فلسطيني محرر كان على مقربة بالشرح للتلاميذ عن الرسائل وسجون الاحتلال الإسرائيلي.

ويعد الكشك الصغير واحدا من بين 20 كشكا افتتحتها وزارة الثقافة الفلسطينية السبت الماضي (في الفترة ما بين 9-12 تشرين الأول الحالي)، ضمن فعاليات سوق العاصمة الثقافي في بيت لحم.

الرسائل  الورقية وعددها 18 رسالة، أرسلها أسرى فلسطينيون وعرب من محافظات مختلفة ودول عربية عدة، كالعراق وسوريا، إلى ذويهم وأصدقائهم.

إلى جانب رسائل السجون، التي تعد نافذة الأسرى إلى العالم الخارجي، توصلهم مع الأحبة والقضايا الشخصية والعامة، الاجتماعية والإنسانية والثقافية، حاملة هما وشوقا وقصصا ومَطالبا، امتلأ الكشك بمقتنيات أسرى محررين، من تحف وهدايا طرزوها على مدار أشهر طويلة، كمجسم لسفينة، وقبة الصخرة المشرفة، والمسجد الأقصى، وآلات موسيقية كالعود، وأشكال أخرى مختلفة من الأعمال اليدوية.

من مقتنيات أسرى محررين،مجسم قبة الصخرة المشرفة. (وفا)

كما وضع في مدخل الكشك، مجسمان لأسيرين يلبسان اللباس البني الخاص بإدارة سجون الاحتلال "الشاباص"، بينما يلتف حولهما سياج شائك، وجرى تعصيب عينيهما بأقمشة خاصة مشابهة لما يتعرض له الأسرى لحظة اعتقالهم، مع إضافة ألواح من الصبر، نقشت عليها عبارات الحرية والدعوات بالفرج القريب للأسرى.

ما بدا لافتا للنظر، هو تلك الحقائب التي صنعها الأسرى لزوجاتهم وأمهاتهم، التي طرزت بأيدٍ طوعت كل الإمكانيات المتواضعة التي توافرت، من حب الزيتون، والكرتون، واللاصق، وحبات المسابح، وأقمشة الملابس المهترئة، والأوراق والأقلام، لتصنع من المستحيل "ذكرى".

وعلى طاولة منفردة، رصفت عشرات الكتب المهتمة بقضايا الأسرى، وفي معظمها لأسرى محررين أو أسرى ما زالوا خلف القضبان، تناولوا فيها عدة مواضيع وطنية وسياسية وثقافية واجتماعية وتاريخية، والتي صنفت ضمن "أدب السجون"، حيث لوحظ في السنوات الأخيرة ازدياد المطبوعات المتعلقة بالاعتقال وآثاره والأدب الذي ينتجه.

إلى جانب 3 دفاتر يعود أحدها لزمن انتفاضة الحجارة، وهو عبارة عن مذكرات يومية لأحداث من داخل السجن وخارجه، كتب على صفحته الأولى: إهداء من باسل إلى أمي، ويوثق في صفحاته العديد من أحداث الانتفاضة خاصة أحداث بيتا في نيسان 1988.

مذكرات يومية لأحداث من داخل السجن وخارجه.(وفا)

واشتمل الدفتران الآخران كتابات ورسومات وأشعارا من وحي الطبيعة والحياة، والعلاقات الإنسانية والمواقف.

الكشك الذي حمل اسم "زاوية الأسرى"، يحمل مقاسات مقاربة لزنازين العزل الانفرادي، وتلك الخاصة بالتحقيق بطول 2 متر، وعرض 3 أمتار.

صورة كثيفة لعشرات الأسرى من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، والأسرى المرضى، والأسيرات، امتلأت بها جدران الكشك، والأعمدة الملاصقة للأكشاك القريبة وللمنصة الرئيسية للفعاليات، كما شهدت لافتات أخرى حملت صور وأسماء الأسرى الستة الذين انتزعوا حريتهم من سجن جلبوع الشهر الفائت حضورا مميزا.

ويشتمل السوق على عشرين كشكا من أعمال قش وخزف ورسم بالرمل والخطوط العربية والمصنوعات الغذائية والثوب التقليدي، إلى جانب أنشطة موسيقية، وأكشاك للقضايا الوطنية للتركيز عليها مثل زاوية التعريف بالأسرى، وزاوية مدينة القدس بعنوان "لون القدس"، ليساهم الأطفال بتلوين صورة المدينة والتعرف عليها، وتعزيز ارتباطهم بها.

كما عملت بلدية بيت لحم على تعميم وترويج فكرة بيت لحم عاصمة للثقافة العربية من خلال العديد من الأنشطة، وأبرزها مؤتمر مغتربي بيت لحم الذي تمت استضافته العام الحالي عبر "الفيديو كونفرنس" بعنوان أثر الثقافة في بيت لحم على المجتمعات الغربية من خلال المغتربين بالمحافظة، وتم التركيز على عدد من الشخصيات المهاجرة.

ويعد السوق حلقة من سلسلة أسواق أطلقتها الوزارة في جميع محافظات الوطن، أقامته في ساحة المهد تجسيدا للارتباط الروحي بالأرض.

وفا