يأخذك باب خشبي قديم إلى قبو صغير‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬في بلدة جبع وسط الضفة الغربية المحتلة، يعمل فيه جمال الفاخوري منذ أربعين عاما محولا قطع الصلصال إلى تحف فنية متعددة الأحجام والأشكال.

يقول الفاخوري (55 عاما)، فيما كان يجلس داخل القبو إلى جانب حجر الرحى "اشترى جدي هذا البيت القديم في العام 1936 وحوله إلى مصنع للفخار وتعلم أبي منه المهنة التي تعلمتها أنا بدوري".

وتحمل عائلة الفاخوري اسم المهنة التي عملت بها منذ ما يقارب 300 عام.

وتعتبر صناعة الفخار والخزف من أقدم الحرف الشعبية الفلسطينية واستخدمت الأواني الفخارية قديما في تخزين الأطعمة وفي الطهي وتقديم الطعام.

وبينما كانت أنامله تداعب قطع الصلصال كريشة فنان محترف يقول الفاخوري "هذا العمل ليس بسيطا كما يبدو ولكنه يأتي مع التعلم والممارسة كنت أجلس وأنظر إلى أبي كيف يعمل عندما كنت طفلا وبدأت بعد ذلك أجرب العمل حتى أتقنته".

ويبدي الفاخوري عشقا كبيرا لما يقوم به من عمل وقال "بعشق العمل مع الطينة، اللي بهوى الشي وبحبه بالنهاية بيبدع فيه وأنا استمريت فيها والحمد لله صرت معلم وبشتغل منيح".

وأوضح الفاخوري أن صنع الفخار يمر بمراحل طويلة ومرهقة ولكنه يعشق اللحظة التي يجلس فيها ويبدأ بتطويع عجينة الصلصال كما يحب.

يضيف "في البداية نحضر نوعين من التربة تكون رطبة من أرض لنا وهي تراب الزمهرير لونها مائل إلى الأبيض وتربة حمراء ويتم خلطهما مع بعضهما ووضعهما في حوض من الماء، وبعد ذلك يتم تصفية الخليط لتنقيته من الشوائب في حوض آخر وهذه عملية قد تستمر عشرين يوما".

وتبقى عجينة الصلصال في الماء لمدة عام كامل قبل أن يشرع الفاخوري في تشكيلها بأحجام وأشكال مختلفة سواء كانت للزينة أو للاستخدام اليومي كأواني الطعام والشراب.

ويستخدم الفاخوري منذ سنوات قليلة ماكينة لعجن الصلصال بعد أن كان يقوم بذلك يدويا على مدار سنوات.

(الفلسطيني جمال الفاخوري يصنع إناء في مصنع صلصال قرب جنين في الضفة الغربية المحتلة. 28/11/2021. رويترز)

وإلى جانب القبو يوجد فرن يعمل على الحطب توضع فيه الأواني الفخارية والمزهريات بعد الانتهاء من تشكيلها ليتم حرقها في درجة حرارة عالية كي تجف.

وذكر الفاخوري "يتم وضع منتجات الفخار التي تم الانتهاء منها وربما تكون (استغرقت) العمل لعدة أيام حسب الطلبيات في بيت النار ليوم كامل".

وأوضح الفاخوري، الذي يمتلئ القبو الذي يعمله فيه بمعدات مختلفة، أن الفخار قابل لجميع الاستخدامات "أول شي صحي للأكل وللشرب.. الناس في فترة استخدمت البلاستيك بس تقريبا رجعوا للفخار".

ويشاركه في هذا الرأي مصطفى بشارات صاحب محل العطارة الذي يشتري بعض أواني الفخار من الفاخوري لعرضها في دكانه ويقول إن هناك إقبالا متزايدا على اقتناء الفخار واستخدامه.

وقال بشارات "أنا جاي عند الفاخوري هذا محل معتمد تاريخي ومعروف واليوم الناس عنا بدأت ترجع للتراث القديم.. في ناس بتاخذ منه للزينة وفي ناس بتاخذه اشي عملي".

وأضاف "الإقبال ممتاز وبكثرة طبعا هذا تراث إذا لم نحافظ عليه على إيش نحافظ، لازم نشكر كل أمثال الفاخوري اللي محافظين على هذا التراث ولازم يلقى الدعم عشان يستمر".

وتواصل بعض المناطق في الضفة الغربية المحتلة العمل في صناعة الفخار ومن أهمها مدينة الخليل التي تشتهر أيضا بصناعة الزجاج وكذلك لا زالت هذه الصناعة موجودة في قطاع غزة.

ويأمل الفاخوري أن يحافظ على هذه المهنة التي ورثها عن أبيه وأن يورثها لأبنائه.

وقال "إن شاء الله هاي المهنة بتظل متوارثة وموجودة".

رويترز