استعاد رواد وسكان منطقة راس بيروت في وسط العاصمة اللبنانية والحاضنة للجامعة الأميركية وشارع الحمرا التاريخي واحدة من ليالي البهجة والفن والموسيقى مساء السبت باحتفال كبير بعيد الميلاد متغاضين عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضاغطة.

وشهدت المنطقة منذ الرابعة بعد ظهر السبت وحتى ساعات الليل المتأخرة مسيرة عيد الميلاد وعروضا موسيقية انتشرت في مختلف الشوارع وصولا إلى حفل كبير أقيم بمسرح المدينة العريق الذي أسسته الممثلة والمخرجة اللبنانية نضال الأشقر قبل 26 عاما.

وهناك قدمت فرقة الموسيقى العربية لبرنامج زكي ناصيف في الجامعة الأميركية أمسية موسيقية بعنوان (سوا مهما تجرحنا).

الاحتفال جاء ضمن (مبادرة حسن الجوار) في الجامعة الأميركية التي تعمل على تعزيز دور منطقة راس بيروت وجعلها أكثر نظافة وجمالا كما تعزز دور المنتجين البيروتيين من خلال أسواق مؤقتة تفتتحها في أكثر من شارع في المنطقة تحت شعار "الجار للجار" برئاسة منى الحلاق.

جاءت الانطلاقة في تمام الرابعة من أمام المدخل الرئيسي للجامعة الأميركية مع مسيرة عيد الميلاد بعروض موسيقية لجمعية (أحلى فوضى) التي تعنى بتجميل العاصمة وتعزيز دور الفنانين فيها ودفعهم إلى تزيين المباني والجدران بإبداعاتهم الفنية.

كما أدت عشر عاملات أجنبيات، نصفهن من إثيوبيا والنصف الآخر من سيريلانكا، الترانيم الميلادية وسط تصفيق قوي للحضور. وكانت وقفات موسيقية طويلة في مختلف الأماكن المحورية في المنطقة وشارع الحمرا منها درج تقلا ودرج مبنى عساف ودرج كنيسة الكبوشية.

وقدم الحفلات الموسيقية المؤثرة عشرات الموسيقيين من المخيمات الفلسطينية واللاجئين السوريين.

* مراعاة ضوابط كورونا

وقدمت مؤسسة جمعية (أحلى فوضى) الهدايا للأطفال الذين يلتحفون عادة سماء العاصمة الجريحة منها الثياب والأحذية والقبعات المصنوعة من الصوف والمعاطف التي تبعد عنهم غضب الشتاء.

ولأن المسرح لا يستقبل أكثر من 200 شخص في كل حفلة مراعاة لضوابط التباعد الاجتماعي بفعل جائحة كورونا وضعت شاشة كبيرة في أعلى الرصيف المقابل ليتمكن رواد شارع الحمرا العريق من متابعة الاحتفالات والاستمتاع بالأجواء الميلادية رغم الظروف الصعبة التي يعيشها البلد بحسب ما قالت الأشقر لرويترز.

وقدمت فرقة الموسيقى العربية لبرنامج زكي ناصيف في الجامعة الأميركية بقيادة المايسترو فادي يعقوب ومدربة الكورال منال بو ملهب 17 أغنية للموسيقي الراحل الذي يعتبر رمزا للوطنية زكي ناصيف.

وحلت السوبرانو اللبنانية غادة غانم ضيفة في الأمسية التي تخللها الكثير من التصفيق وآهات الفرح النابعة من الحزن والأسى.

ومن الأعمال التي أدتها الفرقة للراحل ناصيف (رمشة عينك) (لو كان قلبي معي – يا من حوى) ((بالمجد معمرها) (تعلا وتتعمر) وكانت النهاية بطبيعة الحال مع أغنية ميلادية بامتياز (جنغل بيلز) الكلاسيكية.

وفي نهاية الأمسية قالت نضال الأشقر لرويترز "حقيقة هو عيد لراس بيروت. ليس فقط لراس بيروت، لكل بيروت، للبنان، لأن الناس شعروا بأنهم بألف خير، وأن الفرح عاد إلى المدينة وأن الثقافة عادت. صحيح ليس لدينا دواء، مياه، كهرباء، عمل، حكومة، ربما لدينا حكومة ولكنها لا تعمل لمصلحتنا. كل شيء ناقص في البلد، كل شي باهظ الثمن، لكن بالرغم من كل هذه التحديات عادت روح بيروت. روح راس بيروت. روح العلم والمعرفة".

موسيقى

وتتواصل الاحتفالات حتى 29 ديسمبر/ كانون الأول تحت مظلة أكبر بعنوان (أمسيات موسيقى وغناء) تشمل تسع أمسيات متنوعة تضم فرقا جديدة ولد البعض منها من راس بيروت والبعض الآخر اتخذ المنطقة الملاذ الفني الآمن لجنونه الإبداعي.

من هذه الفرق (فرقة جيلان) و(فرقة رند) على أن تنتهي الأمسيات مع كورال الفيحاء الذي انطلق من المدينة الشمالية طرابلس التي تعد عاصمة لبنان الثانية.

وقالت منى الحلاق مديرة مبادرة (حسن الجوار) لرويترز "مبادرة حسن الجوار في الجامعة الأميركية في بيروت ومسرح المدينة اجتمعا معا في هذه الأيام الميلادية وعلى أبواب السنة الجديدة لتقديم تسع أمسيات".

وأضافت أن المبادرة التي تعمل تحت شعار "الجار للجار" ولدت في مارس/ آذار "عندما اجتاح الوباء القاتل الذي يهددنا يوميا حياتنا وكرد للأزمة الاقتصادية والحجر الصحي. وقررت عندئذ مبادرة حسن الجوار أن تطلق حملة ‘الجار للجار‘ لدعم العائلات المحتاجة في راس بيروت بمساعدة الأساتذة والعاملين في الجامعة الأميركية".

الاحتفالات كان لها أثر معنوي كبير على رواد وسكان راس بيروت؛ إذ قالت ليلى الزاخم لرويترز "أبكي يوميا على راس بيروت وما آلت إليه من إهمال لكنني اليوم عشت الفرح مجددا. لست من سكان المنطقة ولكن راس بيروت هي حبيبة كل عشاق بيروت. والعاشق لا يستطيع أن يرى محبوبته تموت وتنهزم وإن تقدم في السن واقترب من الموت".

أما الروائي والمحلل السياسي السابق في صحيفة النهار إلياس الديري فقال "راس بيروت هي بيروت الأساسية. هي من أسست كل شيء في العاصمة. العلم والمعرفة والإبداع. هي الأم الحنون التي لا تنسى أولادها".

رويترز