قتل 4 متظاهرين الخميس، بالرصاص في الخرطوم، حيث تظاهر عشرات آلاف السودانيين مجددا ضد الحكم العسكري رغم الإغلاق الأمني لمناطق عدة في العاصمة.

وبعد عدة ساعات من انطلاق التظاهرات الرافضة لـ "انقلاب" قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في السلطة قبل أكثر من شهرين، أعلنت لجنة الأطباء المركزية (النقابة) في بيان، أن "أرواح ثلاثة شهداء ارتقت في مواكب منطقة أم درمان برصاص قوات الانقلاب وميليشياته". ثم قالت اللجنة بعد أقل من ساعة أن "شهيدا رابعا" فارق الحياة في أم درمان كذلك من جراء إصابته بالرصاص.

وأوضحت اللجنة أن "المطاردات (للمتظاهرين) تتواصل داخل الأحياء مع إطلاق الرصاص الحي والانتهاك السافر لحرمات المنازل".

كما وجهت وزارة الصحة السودانية (في الحكومة التي أقالها البرهان ضمن قرارات الانقلاب) نداء إلى "الأطباء والكوادر الطبية بالتوجه إلى مستشفى الأربعين بأم درمان لإسعاف المصابين جراء العنف المفرط واستخدام الرصاص الحي تجاه المتظاهرين".

استهداف الإعلام

وفضلا عن التصدي العنيف للمتظاهرين، هاجمت السلطات السودانية مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في الخرطوم، بحسب ما قالت قناة العربية على تويتر، مؤكدة أن "الأمن السوداني اقتحم مكتب العربية والحدث في الخرطوم واعتدوا على أفراد الطاقم وأطلقوا الغاز المسيل للدموع داخل المكتب".

وأكدت القناة أن "عددا من أفراد طاقمي العربية والحدث نقلوا إلى المستشفى".

كما أعلنت قناة "الشرق" السعودية أن "السلطات السودانية منعت مراسلة الشرق في الخرطوم سالي عثمان من استكمال التغطية" أثناء ظهورها في بث مباشر من العاصمة السودانية.

وعبر المدير العام للقناة نبيل الخطيب على تويتر عن "القلق الكبير على الأمن الشخصي لطاقمنا في الخرطوم" المكون من: مها عبد الله التلب وسالي عثمان إبراهيم إذ "لا يزال خمسة من ضباط الأمن بزي نظامي يلازمون الزميلتين ومن معهما من طواقم في مكتب الشرق منذ ساعات".

وأطلقت الغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين على بعد بضع مئات الأمتار من القصر الرئاسي، مقر الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش الذي "انقلب" على شركائه المدنيين في السلطة قبل أكثر من شهرين.

وقام متظاهرون بإجلاء الجرحى فيما كانت صفوفهم تتقدم وتتراجع مع كل رشقة من الغازات.

وأفاد شهود أن تظاهرات مماثلة انطلقت في مدن سودانية أخرى وخصوصا كسلا وبورسودان (شرق) وكذلك في مدني (جنوب).

ومع كل دعوة جديدة للتظاهر تحت شعار "الثورة مستمرة"، تستحدث السلطات السودانية تقنيات جديدة في محاولة لإخماد الاحتجاجات التي يبدو حتى الآن أن لا شيء يردعها.

فبالإضافة إلى قطع الإنترنت الذي اعتادت عليه السلطات منذ "انقلاب" الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر، تم الخميس قطع الاتصالات الهاتفية المحلية ولكن الجديد هذه المرة هو قطع الاتصالات الهاتفية التي ترد من الخارج أيضا، ما يشكل ضربة قوية للناشطين الذين يسعون للحصول على دعم دولي لقضيتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال السودانيين في المهجر.

ومنذ مساء الأربعاء، أغلقت السلطات الطرق المؤدية إلى الخرطوم ووضعت حاويات على الجسور التي تربط العاصمة السودانية بضواحيها.

"لا اتفاق مع العسكريين"

ولم يمنع ذلك عشرات آلاف المتظاهرين من النزول إلى الشارع مجددا الخميس، هاتفين "لا لحكم العسكر" و"العسكر إلى الثكنات".

وقالت متظاهرة في الخرطوم إنها تشارك في الاحتجاجات من أجل "إسقاط الحكم العسكري" وخصوصا "ضد الاتفاق السياسي" الذي تم أخيرا بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك والذي عاد الأخير بموجبه إلى منصبه بعدما أقاله قائد الجيش، غير أنه ضمن في الوقت ذاته تمديد بقاء البرهان على رأس السلطة الانتقالية لعامين إضافيين.

واعتبر متظاهر آخر في العاصمة أنه لم يكن على المدنيين قبول الشراكة مع العسكريين من الأساس، مؤكدا أن "التوقيع مع العسكريين كان خطأ منذ البداية" لأن قادة الجيش الذين يتولون السلطة هم بنظره "رجال البشير".

وكانت القوى المدنية السودانية اتفقت مع الجيش في آب/أغسطس 2019، بعد بضعة أشهر من إسقاط عمر البشير إثر احتجاجات عارمة استمرت 4 أشهر، على تقاسم السلطة لفترة انتقالية تعقبها انتخابات حرة تأتي بسلطة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

كاميرات لأول مرة

والخميس، عمدت قوات الأمن (الشرطة والجيش والقوات شبه العسكرية من قوات الدعم السريع) للمرة الأولى إلى نصب كاميرات على المحاور الرئيسية في الخرطوم لرصد تجمعات المتظاهرين.

وطالبت السفارة الأميركية الأربعاء، "بضبط النفس الشديد في استخدام القوة"، بينما أسفرت التظاهرات المناهضة لـ "الانقلاب العسكري" خلال شهرين عن مقتل 48 متظاهرا وإصابة المئات بالرصاص.

ودعت السفارة، السلطات، إلى "عدم اللجوء إلى الاعتقالات التعسفية" بالتوازي مع إعلان النشطاء مداهمة منازلهم ليلاً، كما يحدث عشية كل تظاهرة.

وفي 19 كانون الأول/ديسمبر الموافق للذكرى الثالثة للانتفاضة التي أسقطت عمر البشير، اتهمت الأمم المتحدة قوات الأمن باغتصاب متظاهرات لمحاولة تهشيم حركة لطالما حشدت عشرات آلاف السودانيين.

ورغم إعادة حمدوك إلى منصبه، ما زال السودان من دون حكومة وهو شرط لاستئناف المساعدات الدولية للبلد الذي يعد من أفقر دول العالم.

إضافة إلى ذلك، وعد البرهان بإجراء أول انتخابات تعددية منذ عقود في تموز/يوليو 2023 لكن الأمر لم يُرض أنصار الحكم المدني في بلد عاش تحت حكم الجيش دون انقطاع تقريبًا طيلة 65 عامًا بعد الاستقلال.

واليوم يرفض المتظاهرون سلطة البرهان، ويصفون حمدوك بأنه "خائن".

أ ف ب