أحيا آلاف من مناصري الحشد الشعبي خلال مسيرة في بغداد السبت، الذكرى الثانية لاغتيال القائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، بضربة أميركية قرب مطار بغداد، كرر قياديون في الحشد خلالها المطالبات بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد.

في طهران، استقبل المرشد الأعلى الإيراني عائلة سليماني بحضور قائد الحرس الثوري حسين سلامي وقائد فيلق القدس إسماعيل قآني، وفق بيان صادر عن مكتبه.

وقال خامنئي إن "الشهيد سليماني حقيقة خالدة وحيّ إلى الأبد، وقاتلوه مثل ترامب وأمثاله يُدفنون في مزبلة التاريخ؛ طبعا بعد أن ينالوا قصاصهم الدنيوي"، كما ورد في تغريدة على حسابه الرسمي.

وقضى سليماني، القائد السابق لفيلق القدس الموكل بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وأحد أبرز مهندسي السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، بضربة نفذتها طائرة أميركية مسيّرة بعيد خروجه من مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني/يناير 2020.

وردت طهران بعد أيام بقصف صاروخي على قاعدة عين الأسد في غرب العراق حيث يوجد جنود أميركيون.

وشهد عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تصاعدا في التوتر بين العدوين اللدودين الولايات المتحدة وإيران. وبلغ البلدان مرتين شفير مواجهة عسكرية مباشرة، أولهما في حزيران/يونيو 2019 بعد إسقاط إيران طائرة أميركية من دون طيار قالت إنها اخترقت مجالها الجوي، وثانيهما بعد اغتيال سليماني.

وتوالت مذّاك مطالبات إيران والفصائل الشيعية الموالية لها في العراق بالانسحاب الكامل للقوات الأجنبية المنتشرة في البلاد في إطار التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش "الإرهابي".

ووسط إجراءات أمنية مشددة حول موقع التظاهرة، احتشد الآلاف للمناسبة رافعين صور سليماني والمهندس ورايات العلم العراقي وأعلام الحشد الشعبي، تحالف فصائل موالية لإيران باتت منضوية في الدولة.

ورددوا شعارات "كلا كلا أميركا" و"لبيك يا عراق"، على ما شاهد صحفي في فرانس برس، ورفعوا لافتات كتب على إحداها باللغتين العربية والإنجليزية "الإرهاب الأميركي يجب أن ينتهي".

وقال إياد محمد جواد، أحد شيوخ العشائر المشاركين في المسيرة، لوكالة فرانس برس "قوات التحالف الأميركي حينما اغتالت هؤلاء الرجال العظماء القادة الأحرار، أرادت أن تكبح صوت الأحرار في العراق وأن تثبت وجودها وبقاءها في العراق".

"الثأر"

وفي إطار الفعاليات الخاصة بإحياء الذكرى، من المقرر إضاءة الشموع في مطار بغداد ليلة الأحد. وفي إيران، ستقام حتى السابع من كانون الثاني/يناير نشاطات من أبرزها احتفال مركزي الاثنين، وعرض لـ"قدرات إيران الصاروخية" الجمعة المقبل، للمناسبة.

وكرر قياديون في الحشد المطالبة بخروج القوات الأجنبية من البلاد خلال التظاهرة السبت. ووصف رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض اغتيال سليماني والمهندس بأنه "جريمة نكراء" ارتكبت "بحق سيادة العراق وشعب العراق وبحق الحشد الشعبي".

وأضاف "إذا أردنا أن نثأر لدماء الشهداء فالثأر هو إخراج القوات الأجنبية بالكامل وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة".

وقال القيادي في الحشد الشعبي والأمين العام لعصائب أهل الحق، إحدى فصائل الحشد الأكثر نفوذا، قيس الخزعلي في كلمة "أما الاحتلال الأميركي كان عليكم أن تفهموا جيدا أن هذا الشعب العظيم لا يمكن أن يرضى بالاحتلال".

"وكان عليكم أن تفهموا ... الرسائل التي أرسلها إليكم أبطال المقاومة في العراق الذين وصلوا بأسلحتهم وبطائراتهم المسيرة وبصواريخهم الذكية ... إليكم في أي مكان على أرض العراق".

وقال "لكن يبدو أنكم لم تفهموا ذلك حتى الآن وتحتاجون إلى دروس أخرى، فأبناء المقاومة وأبناء الحشد ... سيجبرونكم على الخروج صاغرين مذلولين خاسئين خائبين كما خرجتم في العام 2012".

ومنذ اغتيال سليماني والمهندس، تكثفت الهجمات ضدّ المصالح الأميركية في العراق، بصواريخ أو طائرات مسيرة أحيانا، تستهدف محيط السفارة الأميركية في العراق، أو قواعد عسكرية عراقية تضمّ قوات من التحالف الدولي، مثل عين الأسد، أو مطار أربيل.

"ضغط"

وتراجعت وتيرة هذه الهجمات في الفترة الأخيرة. وغالبا ما لا تسفر عن ضحايا أو أضرار تذكر، ولا تتبناها أي جهة، لكن واشنطن تنسبها إلى الفصائل الموالية لإيران.

رسميا، أعلن العراق أن وجود قوات "قتالية" في البلاد انتهى مع نهاية العام 2021 وأن المهمة الجديدة للتحالف استشارية وتدريبية فقط، تطبيقا لاتفاق أعلن للمرة الأولى في تموز/يوليو في واشنطن على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

وسيبقى نحو 2500 جندي أميركي وألف جندي من قوات التحالف في العراق. هذه القوات لا تقاتل وتقوم بدور استشارة وتدريب منذ صيف 2020، فيما غادرت غالبية القوات الأميركية التي أرسلت إلى العراق في العام 2014 كجزء من التحالف الدولي في عهد الرئيس دونالد ترامب.

يترافق ذلك مع أزمة سياسية تمر بها البلاد إثر الانتخابات التشريعية، سجلت فيها القوى الممثلة للحشد الشعبي تراجعا.

يرى الباحث حمدي من معهد واشنطن للدراسات أنه "يبدو أن للتطورات الداخلية في العراق أثر أكبر على استراتيجية الفصائل اتجاه الوجود الأميركي في العراق لا سيما بعد تراجعهم في الانتخابات".

ومن غير المحتمل أن تخلي واشنطن الساحة في البلاد لصالح النفوذ الإيراني، في الوقت الذي تخوض فيه طهران والولايات المتحدة مفاوضات لإحياء اتفاق دولي أبرم العام 2015 بشأن الملف النووي الإيراني.

ويشرح مالك أن "إيران لن تترد في استخدام الفصائل العراقية من أجل الضغط على الولايات المتحدة في حال لم تفضِ المفاوضات إلى اتفاق ملموس".

أ ف ب