وصل جلالة الملك عبدالله الثاني، الاثنين، إلى دولة فلسطين، حيث يلتقي خلال الزيارة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ لبحث العلاقات المتينة التي تربط البلدين والشعبين، إضافة إلى المستجدات الإقليمية والدولية.

العلاقات بين البلدين تشهد تطورا دائما ونموا ملحوظاً في المجالات كافة، بما يخدم قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة.

وتأتي الزيارة الملكية في إطار التشاور المستمر بين القيادتين، وفي ظل الجهود الأردنية المستهدفة دائما في دعم الشعب الفلسطيني عبر إيجاد أفق سياسي لتلبية جميع حقوقهم المشروعة على أساس حل الدولتين الذي يجب أن يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

والتقى جلالة الملك الرئيس عباس في 15 آب/أغسطس 2021 في آخر لقاء بينهما في عمّان؛ جدد جلالته خلال اللقاء التأكيد على موقف الأردن الداعم والمساند لحقوق الفلسطينيين العادلة والمشروعة.

وزار جلالة الملك دولة فلسطين أول مرة عام 2000، وآخرها في تموز/يوليو 2017.

ويصل مستوى التمثيل بين البلدين إلى بعثات دبلوماسية معتمدة ومقيمة في عمّان ورام الله.

في الآونة الأخيرة، شهد البلدان زيارات رسمية متبادلة لكبار المسؤولين الأردنيين والفلسطينيين، ووقعت اتفاقيات ثنائية عدة، كان آخرها في 9 كانون الأول/ديسمبر 2021، حيث وقع البلدين 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم؛ اقتصادية ولوجستية وقضايا متعلقة بالبنية التحتية والمواصلات والزراعة وتكنولوجيا المعلومات؛ لتعزيز التعاون بين البلدين.

جلالة الملك، يؤكد في جميع المحافل العربية والدولية مواقف الأردن الثابتة والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة، خاصة حقه في تقرير مصيره ونيل تطلعاته بإقامة دولته المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس، وفقا لحل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية.

كما يشدد جلالته على أن الأردن سيواصل، من منطلق الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، بذل كل الجهود لحماية هذه المقدسات ورعايتها والعمل على تثبيت صمود المقدسيين، والحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة المقدسة.

ويعتبر الأردن، القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى، وموقفه ثابت إزاء القضية، ويطالب دائما بضرورة إيجاد أفق سياسي حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يُنهي الاحتلال، ويُجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، وفق القانون الدولي والمرجعيات المعتمدة.

الوصاية الهاشمية

في اتفاق تاريخي وقّع جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمّان 31 آذار/مارس 2013، أُعيد التأكيدُ أن جلالته الوصي على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وأن له الحقَّ في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصاً المسجد الأقصى، المعرَّف في هذه الاتفاقية على أنه "كامل الحرم القدسي الشريف".

وللقدس عند الهاشميين مكانة كبيرة؛ نظرا لاشتمالها على أهم المقدسات الإسلامية وأَجلّها قدراً.

اهتمام ملكي

وحظيت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة باهتمام بالغ في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من برامج عمل الحكومات في عهد جلالته.

فقد أشار جلالته إلى ضرورة الاهتمام بها والعناية بمرافقها والتعهد بحمايتها، في كتب التكليف السامي للحكومات التي تشكلت حتى الآن في عهد جلالته.

وكان آخرها التوجيهات الملكية، في 26 شباط/فبراير 2022، ببدء العمل بتجديد فرش مسجد قبة الصخرة المشرفة والمسجد القبلي في المسجد الأقصى المبارك، على نفقة جلالته الخاصة.

الاهتمام الكبير بالمقدسات في القدس من جلالة الملك، شكّل استمرارية للنهج الهاشمي في رعاية هذه المقدسات منذ أمد بعيد، وأخذت تلك الرعاية إطارا مؤسسيا تمثل في إنشاء الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، بموجب قانون صدر عام 2007 بعد تعديل قانون إعمار المسجد الأقصى رقم 32 لسنة 1954.

وأولت لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، المشكلة بموجب القانون الأردني رقم 32 لسنة 1954، جُلّ عنايتها بالمسجد الأقصى المبارك، وما يشتمل عليه من مساجد وقباب ومحاريب وغيرها من المعالم الحضارية، وقامت بشكل متواصل وعمل دؤوب بصيانة وترميم هذه المعالم، وأزالت آثار الحريق الذي جاوز أكثر من ثلث مساحة المسجد، بالإضافة إلى إعمار مسجد قبة الصخرة المشرفة الأول.

الإعمار الهاشمي

وتصدّى الهاشميون لمزاعم اليهود في القدس المحتلة، التي مثّلت تهديداً مباشراً للمدينة العربية وتراثها الحضاري.

وحين قام وفد من المجلس برئاسة الحاج أمين الحسيني، بزيارةٍ لشريف مكّة الحسين بن علي في الحجاز عام 1924، وأطلعه على المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى، لبّى الشريف الحسين نداء أهل القدس، وتبرّع بنحو 50 ألف ليرة ذهبية لإعمار المسجد الأقصى ومساجد أخرى في فلسطين، ليشكّل هذا المبلغُ أساسَ المال الإسلامي لإعمار المقدسات.

وأسهمت عمليةُ الترميم التي باركها الشريف الحسين بن علي، بصمود مرافق المسجد الأقصى حين ضرب المنطقةَ زلزال عنيف في عام 1927.

وما إن تولّى جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال، سلطاته الدستورية في 2 أيار/مايو 1953، حتى صدرت توجيهاته إلى الحكومة بترميم قبة الصخرة التي أخذت في فقدان بريقها بفعل عوامل الطقس والزمن، وبعد أن أخذت المياهُ تتسرب إلى الداخل.

وفي عام 1954 أمر جلالته بتشكيل لجنة بموجب قانون خاص لإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف تحت الرعاية الهاشمية، من منطلق المسؤولية التاريخية للهاشميين تجاه المقدسات.

وتَتابع الاهتمام بالقدس ومقدساتها في عام 1956، ثم في عام 1959 الذي بدأ فيه الترميم الثاني الذي موّله الأردن إلى جانب دعمٍ قدمته بعض الدول الإسلامية، واستمر الترميم الثاني حتى 6 آب/أغسطس 1964.

كما تعرّض المسجد الأقصى في 21 آب/أغسطس 1969 إلى حادثة أليمة عندما اقتحمه أحدُ اليهود المتديّنين المتطرفين، وأشعل النار فيه، وأدّى إلى تدمير معظم أجزائه.

وإثر ذلك، أصدر جلالة الملك الحسين، أوامره بإعادة إعمار المسجد الأقصى، فأعيد المسجد الأقصى إلى حالته السابقة قبل الحريق، وتم استبدال ألواح نحاسية مذهَّبة محْكمة الإغلاق بألواح الألمنيوم القديمة لقبة الصخرة المشرفة، كما شمل الإعمارُ مناطقَ أخرى في الحرم الشريف والقدس.

جلالة الملك والقدس

حظيت مدينة القدس برعاية الهاشميين، الذين كرّسوا جهودهم للحفاظ على مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وجسّد اهتمامُ جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بالمسجد الأقصى/ الحرم القدسي الشريف، استمرارية ملوك بني هاشم في هذه الرعاية لما للقدس من مكانة ومنزلة في الإسلام.

شهدت عمّان في آذار/مارس 2013، توقيع اتفاقية أردنية فلسطينية لحماية القدس والأماكن المقدسة، تضع مدينة القدس المحتلة والمقدسات الإسلامية تحت وصاية جلالة الملك عبدالله الثاني، استمراراً لدور الهاشميين في رعاية القدس ومقدساتها، وللتأكيد على الوصاية والدور الهاشمي المستمر منذ بيعة أهالي القدس للشريف الحسين بن علي.

وتُمكّن الاتفاقية، التي وقّعها جلالةُ الملك والرئيس عباس، الأردنَّ وفلسطينَ من بذل جميع الجهود بشكل مشترك لحماية القدس والأماكن المقدسة من محاولات التهويد الإسرائيلية. كما تهدف إلى حماية مئات الممتلكات الوقفية التابعة للمسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف.

وتعيد الاتفاقية التأكيد المطْلق على الجهود الأردنية في الدفاع عن القدس التي تحظى بمكانة تاريخية بوصفها مدينة مقدسة ومباركة لأتباع الديانات السماوية، التي تتعرّض إلى محاولات متكررة لتغيير معالمها وهويتها العربية الإسلامية-المسيحية.

وتؤكد هذه الاتفاقية أن القدس الشرقية هي أراضٍ عربية محتلة، وأن السيادة عليها هي لدولة فلسطين، وأن جميع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي فيها منذ عام 1967 هي ممارسات باطلة، ولا تعترف فيها أيُّ جهة دولية أو قانونية.

المملكة