تترقب أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون الأربعاء، بشك، "خفض الأنشطة العسكرية" في محيط كييف ومدينة كبيرة أخرى الذي أعلنته موسكو في ختام مفاوضات السلام التي رأى فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤشرات "إيجابية".

وقال زيلينسكي في تسجيل فيديو بثّ في وقت متأخر من مساء الثلاثاء على تطبيق تلغرام، "يمكننا القول إنّ الإشارات التي نسمعها في المفاوضات إيجابية، لكنّها لا تنسينا الانفجارات أو القذائف الروسية".

وبعد حوالي 5 أسابيع من الحرب وسقوط آلاف الضحايا ونزوح ملايين الأشخاص، تلقت قيادة الأركان الأوكرانية أيضا الإعلان الروسي بحذر.

وقالت في بيان مساء الثلاثاء، "ما يسمى ‘انسحاب قوات‘ هو على الأرجح تناوب بين وحدات فردية يهدف إلى خداع القيادة العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية".

وسمعت صفارات الإنذار عدة مرات ليل الثلاثاء الأربعاء في كييف، لكن أيضا في محيط المدينة، ما يدل على القلق الذي لا يزال سائدا في العاصمة الأوكرانية بعد إعلان القوات الروسية.

في ختام محادثات في إسطنبول، أعلن نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فورمين الثلاثاء، أن موسكو "ستقلص بشكل جذري أنشطتها العسكرية في اتجاه كييف وتشرنيهيف" في شمال البلاد عقب تحقيق تقدم في محادثات السلام.

لكن المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي اعتبر أن هذا الأمر هو "إعادة تموضع" وليس "انسحابا فعليا".

من جهتها، اعتبرت وزارة الدفاع البريطانية على حسابها على تويتر، "من المرجح جدا أن روسيا تسعى إلى نقل قوتها الضاربة من الشمال نحو المناطق (الانفصالية) في دونيتسك ولوغانسك في الشرق".

وهو ما أكده وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قائلا إن روسيا حققت "هدفها، وهو خفض القدرة العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية بشكل كبير ما يتيح تركيز الانتباه والجهود على الهدف الرئيسي: تحرير دونباس".

الحكم على الأفعال

وبالنسبة للحلفاء الغربيين لكييف فإن الحكم سيكون على الأفعال.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء، "سنرى ما إذا كانوا سيلتزمون بكلمتهم" وذلك بعد اتصال هاتفي مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. وأضاف "يبدو أنه هناك توافق على أنه يجب رؤية ما لديهم لتقديمه".

في لندن، جاء تصريح الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في الاتجاه نفسه. وقال إن لندن ستحكم "على بوتين ونظامه على أساس أفعاله وليس كلماته". ستنظم بريطانيا الخميس مؤتمرا للمانحين لحشد المزيد من الأسلحة لأوكرانيا.

في وقت سابق، حذر الغربيون من أي "تهاون" أمام الاجتياح الروسي وعبروا عن "تصميمهم على مواصلة زيادة الكلفة التي تدفعها روسيا بسبب هجومها الوحشي على أوكرانيا".

حذّرت الولايات المتحدة رعاياها في روسيا الثلاثاء، من خطر تعرّضهم "للاعتقال" على أيدي السلطات الروسية، مجدّدة مناشدتها المواطنين الأميركيين عدم السفر إلى هذا البلد وأولئك الموجودين فيه مغادرته في الحال.

لكن البورصات العالمية انتعشت بسبب الآمال بإمكانية حلحلة الوضع، وأغلقت على ارتفاع كبير الثلاثاء بعد الإعلان الروسي الذي أدى أيضا إلى تراجع أسعار النفط وتحسين سعر الروبل.

بعد ثلاث ساعات من المفاوضات في إسطنبول، وصف رئيس الوفد الروسي وممثّل الكرملين فلاديمير ميدينسكي ما دار بين الطرفين بـ "محادثات جوهرية"، مؤكداً أنّ المقترحات "الواضحة" التي قدّمتها كييف للتوصّل إلى اتفاق "ستتمّ دراستها في القريب العاجل وتقديمها إلى الرئيس" فلاديمير بوتين.

من جهته، دعا رئيس الوفد الأوكراني ديفيد أراخميا إلى "آلية دولية من الضمانات الأمنية تعمل من خلالها دول ضامنة بطريقة شبيهة للفصل الخامس من ميثاق حلف شمال الأطلسي، بل حتى بشكل أكثر صرامة".

وينص البند الخامس من ميثاق الحلف على الدفاع المشترك في حال تعرض إحدى الدول الحليفة لهجوم.

"استبعاد مؤقت"

وأكد أراخميا أنه من بين الدول التي تود أوكرانيا أن تكون ضامنة الولايات المتحدة والصين وفرنسا والمملكة المتحدة - أعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - إضافة إلى تركيا وألمانيا وبولندا وإسرائيل.

تطالب كييف أيضا بألا تحظر هذه الاتفاقية الدولية بأي حال انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأن تتعهد الدول الضامنة بالمساهمة في هذه العملية.

وأشار أراخميا إلى أنه لدخول هذه الضمانات حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن، فإن أراضي القرم ودونباس الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا "ستستبعد مؤقتًا" من الاتفاقية.

ميدانيا، استمر القصف. واستهدفت ضربة روسية صباح الثلاثاء، مقر الإدارة الإقليمية في ميكولاييف، وهي مدينة قريبة من أوديسا شهدت فترة هدوء في الأيام الأخيرة.

وقُتل 12 شخصا وأصيب 33 آخرون في هذه الضربة بحسب حصيلة جديدة أوردها الرئيس الأوكراني عبر الفيديو أثناء حديثه أمام البرلمان الدنماركي.

كما لا يزال الوضع صعبا جدا بشأن كييف، حيث يفر السكان من القرى الواقعة شرق العاصمة، إذ أكد السكان أن القوات الروسية تواصل سيطرتها هناك.

وقال فاليري كورياتشينكو (50 عاما)، "جاء الجنود الروس وسألوا عما إذا كان بإمكانهم ‘إيواء‘ خمسة أو ستة أشخاص ليلا".

وأضاف "لقد طلبوا ‘بتهذيب‘ منا الرحيل قائلين انهم يعيشون هناك الآن".

ممرات إنسانية

جنوبا، أقيمت ثلاثة ممرات إنسانية الثلاثاء، لا سيما من مدينة ماريوبول المحاصرة بعد تعليق عمليات إجلاء المدنيين الاثنين، كما أعلنت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيرشتشوك على تلغرام.

اتهم زيلينسكي الثلاثاء، الروس، بارتكاب "جريمة ضد الإنسانية" في ماريوبول، المدينة الساحلية الاستراتيجية الواقعة على بحر آزوف والتي يحاول الجيش الروسي الاستيلاء عليها منذ نهاية شباط/ فبراير حيث لا يزال هناك حوالي 160 ألف شخص.

وقالت ماريا تسيمرمان (38 عاما) إنها فرت من ماريوبول مع عائلتها قبل أسبوعين، مضيفة "لقد دفنا جيراننا ورأينا الموت في كل مكان، حتى أطفالي رأوه".

بحسب تيتيانا لوماكينا مستشارة الرئاسة الأوكرانية، فإن حوالي "خمسة آلاف شخص" دفنوا هناك لكن بالواقع قد يكون سقط "عشرة آلاف قتيل".

بعد اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اشترط بوتين استسلام القوات الأوكرانية التي تدافع عن المدينة، من أجل إجلاء المدنيين.

ويثير وضع المحطات النووية الأوكرانية القلق أيضا. أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مديرها العام موجود في أوكرانيا "لإجراء محادثات مع مسؤولين حكوميين" بهدف تقديم "مساعدة تقنية" تضمن سلامة هذه المنشآت.

في مجلس الأمن الدولي، اتُّهمت روسيا الثلاثاء بالتسبب بـ"أزمة غذاء عالمية" وتعريض الناس لخطر "المجاعة" عبر إطلاق حرب أوكرانيا، التي تعد "سلة الخبز" لأوروبا.

أ ف ب