قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إن الواقع الثقافي في الأردن يعاني في مجالات الأدب والفنون والفكر من التناقض والازدواجية، موضحا أن ثمة ثراء في المواهب والمبادرات الفردية، إلا أن مظاهر الوهن في العمل المؤسسي والجماعي يظهر جليا.

وأضاف، في تقرير حالة البلاد 2021، الذي اطلعت عليه "المملكة"، أن القطاع الثقافي "يتصف في جوانب عدة بالحيوية والأصالة، لكنه ضعيف التأثير والانتشار، ويعجز عن توليد حالة تراكمية قابلة للبناء عليها".

وكشف التقرير، عن "تراجع دور وزارة الثقافة في رعاية منتجي الأدب والفنون والفكر من كتاب وفنانين ومفكرين وعلماء، وفي دعم عروضهم، ما يؤكد استمرار أزمة الثقافة التي ما زالت شبه غائبة عن الأجندة الوطنية، ولا تمثل رصيدا يعزز رأس المال المعنوي للفرد والمجتمع، وركناً أساسياً من أركان النهوض والارتقاء".

التقرير، شدد على ضرورة دعم المشاريع الثقافية الإنتاجية وتطويرها، وإنشاء مجلس أعلى للثقافة، وتوسيع قواعد البيانات الثقافية المتوافرة وتطويرها، وتفعيل صندوق دعم الثقافة، وإيجاد حلول لتعظيم موارده وإدامتها.

وأشار المجلس إلى أن مختلف المؤشرات التاريخية والواقعية تدل على أن الحقل الثقافي لم يكن يتمتع بأولوية على الأجندات الرسمية، وما زال هذا الوضع قائما حتى الآن.

"المطلوب توفير البنى التحتية مثل المسارح الصغيرة، ودور النشر الوطنية، والمراكز الثقافية، ودعم اقتصادات المنتج الثقافي مثل الكتب والمجلات والمادة السينمائية، وتيسير وصول المنتجات الثقافية إلى المناطق المهمشة والنائية، وسن تشريعات تحمي حرية المبدعين، وتركز على خصوصية الإبداع"، وفق التقرير.

وأكّد التقرير تزايد أهمية الثقافة مع ثورة المعلومات والاتصالات، التي ارتفعت إلى مستوى الضرورة الحياتية والوطنية لتمكين المجتمع من التقدم والنهوض في سائر المجالات.

- قطاع الثقافة خلال كورونا -

كشف التقرير أن وزارة الثقافة استطاعت تكييف برامجها خلال عام 2020 على ضوء الإجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا، فقطاع الصناعات الثقافية من القطاعات التي تضررت بهذه الجائحة، إذ كان ضعيفاً بالأساس، وتضرر إلى حد التعطل.

وأوضح أن المطابع ودور النشر توقفت عن العمل، وألغيت معارض الكتب المحلية والخارجية التي تمثل المورد الرئيس لدور النشر أو أنها أجلت، وقد شمل ذلك أيضاً المهرجانات الثقافية، والحفلات الموسيقية والغنائية، وأعمال الإنتاج السينمائي- على ضآلتها-، وكذلك أعمال الإنتاج المسرحي، ومعارض الفنون التشكيلية، والندوات والمؤتمرات الثقافية المخطط لها.

وأشار تقرير حالة البلاد لعام 2020، إلى أن الوزارة نجحت في مواصلة نشاطها عن بعد، من خلال مجموعة من الأنشطة، إذ أطلقت الوزارة مع بداية الجائحة حزمة من المشاريع الثقافية، وكانت هنالك منصة تدريب الفنون والصناعات الثقافية (شغفي)، والتي تسعى إلى بناء قدرات الشباب في مجالات الكتابة الإبداعية، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والتصوير، وصناعة الأفلام والإنتاج، والصناعات الثقافية والإبداعية، وفنون التصميم.

وعملت المنصة على توفير نحو 100 برنامج تدريبي مجاني في المرحلة الأولى.

كما أطلقت الوزارة منصة الكتب والمجلات (الكتبا)، ومسابقة "موهبتي من بيتي"، ومن المشاريع التي أطلقتها الوزارة أثناء الجائحة، جائزة التوثيق الإبداعي لزمن وباء كورونا (يوميات "كل مر سيمر").

فدلت التجربة التي مر بها الأردن أثناء جائحة كورونا على أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه الثقافة في مساعدة المجتمع على مواجهة الظروف الطارئة، واستثمار الوقت لتطوير القدرات، وتقديم قيمة مضافة في أحلك الظروف.

ويمكن القول إن الوباء أوجد تحدياً جديداً على الصعيد الثقافي، يتمثل في كيفية إعادة تأطير الفئات الموهوبة المكتشفة من خلال مسابقة "موهبتي من بيتي"، ودمجها في المشهد الثقافي والإبداعي الوطني، بمعنى أن الوزارة لم تتنح جانبا، بل قدمت ما تستطيعه، وابتكرت أشكالاً جديدة من التواصل الثقافي مع الجمهور، مثل المسابقات ومنصات الكتب والتدريب الفني عن بعد والندوات، ولم تتوقف مشاريع النشر والعروض المسرحية عبر الإنترنت، وكذلك مهرجان الفيلم وغيرها من الأنشطة.

- مجلس أعلى للثقافة -

أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بإنشاء المجلس الأعلى للثقافة، ليكون بمثابة هيئة مستقلة تضم في عضويتها ممثلين للقطاع الثقافي الرسمي والخاص.

ودعا إلى توسيع قواعد البيانات الثقافية المتوافرة وتطويرها، وتفعيل صندوق دعم الثقافة، وإيجاد حلول لتعظيم موارده وإدامتها.

وأوضح التقرير ضرورة إيجاد آليات لدعم المشاريع الثقافية الإنتاجية وتطويرها، حتى تأخذ صفة الديمومة، وإحياء مشاريع التفرغ الإبداعي، ومخيم الإبداع الثقافة، والمتحف الرقمي، وتطويرها.

وأوصى المجلس بتطوير التشبيك والشراكات مع الأطراف الفاعلة في القطاع الثقافي، من خلال التواصل مع المواهب الشابة التي اكتشفت في مسابقات الوزارة، إعادة النظر في سياسة النشرة الوزارة من خلال اقتصار الدعم على تغطية تكلفة البحوث والتأليف.

وأكّد التقرير ضرورة دعم معرض عمان الدولي للكتاب الذي يعد أحد أهم الإنجازات الثقافية الأردنية منذ 20 عاما وذلك من خلال الدعم اللوجستي المكان والترويج للمعرض، وأهمية تشجيع القطاع الخاص والبنوك على الاستثمار في الصناعات الثقافية، وزيادة مساهمتها في دعم الثقافة في إطار مسؤوليتها المجتمعية.

متابعة توصيات تقرير حالة البلاد 2020 

قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إنه على ما يبدو أن عملية مراجعة قطاع الثقافة تراوح في المكان ذاته، فالملاحظات على أداء وزارة الثقافة هي ذاتها تقريباً كل عام، والتوصيات تتكرر ولا يؤخذ بها.

وأضاف: "كان تقرير حالة البلاد حول قطاع الثقافة لسنة 2020 يأمل بأن تصدر وثيقة الإطار الاستراتيجي للعمل الثقافة، ولكنه لم ير النور حتى مع اقتراب السنة من نهايتها، ولم يؤخذ بأغلب التوصيات التي وردت في التقرير".

وبحسب التقرير، فإن الوزارة سارت أحياناً عكس هذه التوصيات، فقد أوقفت مشاريع مثل التفرغ الإبداعي، ومخيمات الإبداع الثقافة، ونزعت أي صفة مستقلة للمركز الثقافي الملكي، ولم يعمل على تحويله إلى مركز لعروض مسرحية دائمة، كما لم يتحقق المتحف الرقمي المنشود.

" موازنة متواضعة "

سلط التقرير الضوء على موازنة وزارة الثقافة التي بقيت "متواضعة" بحدود 7 ملايين دينار ما بين نفقات رأسمالية وجارية.

وذكر التقرير، أن موازنة الوزارة لا تتطور كثيراً، فما أنفق عام 2020 أقل مما أنفق عام 2019 بحوالي مليوني دينار، وقدرت موازنة 2021 بحوالي 9,5 مليون دينار، لكن الإنفاق الفعلي ربما ينخفض إلى النصف كما حدث في موازنة 2020، وفي كل السنوات السابقة.

وأوضح التقرير، أن الإنفاق الفعلي يقل عن الموازنة المقدرة بسبب التخفيضات الطارئة على الموازنة التي تحدث سنويا من خلال مجلس الوزراء، وأحيانا بسبب التأخر في تنفيذ بعض المشاريع الرأسمالية لأسباب غالباً ما تكون "بيروقراطية"، بالرغم من اعتراف قانون الموازنة العامة بوجود "تحديات كبيرة" تواجه عمل الوزارة.

وأشار التقرير إلى ضرورة إعادة هيكلة موازنة الثقافة ليتم رصد مخصصات مالية كافية تستثمر في تفعيل برامج التراث الثقافية، والبرامج والمشاريع لتأهيل المبدعين وتدريبهم في المناطق المهمشة، وكذلك من هم من ذوي الاحتياجات الخاصة ونزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل.

المملكة