قال خبراء في إدارة صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن أسعار السلع الأساسية، التي ارتفعت بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها، سيكون لها "تأثير اقتصادي كبير على دول المنطقة، لا سيما المستوردة للنفط".

مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور، والاقتصاديان في الصندوق للمنطقة غيتـا مينكوالسـي، ورودريغو غارسيا-فيردو، توقعوا في مدونة ترجمتها " المملكة "، ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 14٪ إضافية في عام 2022، بعد أن وصلت إلى مستويات قياسية في عام 2021، ويأتي هذا الارتفاع في الأسعار في وقت غير مستقر للتعافي في المنطقة.

وتوقعوا أيضا، استقرار أسعار النفط عند متوسط ​​سنوي يبلغ حوالي 107 دولارات للبرميل في عام 2022، بزيادة 38 دولارًا عن عام 2021، وذلك بعد أن بلغت ذروته 130 دولارا بعد الحرب الروسية في أوكرانيا.

في البلدان المستوردة للنفط، قال الخبراء، إن ارتفاع أسعار السلع الأساسية يضيف إلى التحديات الناشئة عن ارتفاع التضخم والديون، إذ إن ارتفاع التضخم أحد أكثر الآثار المباشرة لارتفاع أسعار السلع الأساسية في المنطقة.

"شكلت أسعار المواد الغذائية نحو 60% من الزيادة في معدل التضخم العام الماضي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي"، وفق الخبراء، متوقعين بقاء التضخم مرتفعًا في المنطقة في العام الحالي عند 13.9%.

وأشاروا إلى أن الحرب زادت من المخاوف بشأن انعدام الأمن الغذائي نظرًا لاعتماد المنطقة على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا وارتفاع الأسعار، مما يجعل من الصعب على الناس تحمل تكاليف الغذاء، والوضع مقلق بشكل خاص بالنسبة للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، حيث تغطي الاحتياطيات الاستراتيجية لديها أقل من 2.5 شهر من صافي الاستهلاك المحلي.

وبين الخبراء أن تأثير ارتفاع أسعار الغذاء والنقص المحتمل في القمح، سيكون على الفقراء أكثر لأنهم يخصصون حصة أكبر من إنفاقهم على الغذاء، مما سيؤدي إلى زيادة الفقر وعدم المساواة ومن مخاطر الاضطرابات الاجتماعية.

"سيكون للزيادات في أسعار السلع الأساسية تأثير سلبي كبير على الحسابات الخارجية لمستوردي النفط، ومن المتوقع أن تتدهور أرصدة الحساب الجاري لهذه البلدان بمقدار نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط"، وفق الخبراء.

وبالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، أشاروا إلى أن ارتفاع أسعار القمح وحده سيكون "ضربة كبيرة"، مما يؤدي إلى تدهور الحسابات الجارية بنحو 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط.

كيف تستجيب الدول؟

قال خبراء صندوق النقد إن البعض يستخدمون تدابير هادفة لتخفيف العبء عن كاهل شعوبهم، بينما لجأ البعض الآخر إلى المزيد من تقديم المعونات وضوابط الأسعار للحد من آثار التضخم لارتفاع الأسعار الدولية - لكن هذا سيؤدي إلى تفاقم الأرصدة المالية في غياب تدابير الموازنة.

وأضافوا "يمكن أن يزيد دعم الطاقة وحده بما يصل إلى 22 مليار دولار للبلدان المستوردة للنفط في عام 2022، وهذا يمثل الأموال التي كان من الممكن إنفاقها على المزيد من الدعم المستهدف أو تدابير أخرى ذات أولوية".

وأشاروا إلى أن بعض البلدان أدخلت تدابير لتخفيف أثر ارتفاع الأسعار إضافة إلى المعونات الحالية، مثل التحويلات المباشرة وخفض الرسوم الجمركية على المواد الغذائية، "مما سيزيد من تكاليف المالية العامة".

ما الذي يجب أن يفعله صانعو السياسات؟

بين خبراء صندوق النقد ان المقايضات المتعلقة بالسياسات على المدى القريب أصبحت معقدة بشكل متزايد بالنسبة للبلدان المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأشاروا الى أن احتواء التضخم هو أولوية رئيسية، على الرغم من التعافي الهش، حيث إن البلدان التي توجد فيها مخاطر ارتفاع توقعات التضخم أو اتساع ضغوط الأسعار، تحتاج إلى زيادة في معدلات سياسة الاحتواء، وسيكون التواصل الواضح والشفاف أمرًا بالغ الأهمية لتوجيه الأسواق.

وشدد الخبراء على ضرورة تصدي دول المنطقة لمخاطر الأمن الغذائي والتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار الدولية على الفقراء، فالطريقة الأكثر فعالية هي ضمان حماية الأسر الضعيفة من خلال التحويلات الهادفة والمؤقتة.

وأضاف الخبراء أنه بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، فإن الدعم المالي المستمر من المجتمع الدولي أمر بالغ الأهمية، أما بالنسبة للبلدان ذات الديون المرتفعة، يجب أن تكون هذه التدابير مصحوبة بتدابير موازنة، مثل خفض الإنفاق غير الضروري، وتعزيز العدالة الضريبية الإضافية، أو مزيج من الاثنين لحماية القدرة على تحمل الديون في ظل الحيز المالي المحدود.

وبين الخبراء أن تنسيق السياسات المالية والنقدية وترسيخها في أطر سياسية متوسطة المدى موثوقة سيساعد على تسهيل هذه المقايضات، إذ تؤكد هذه التحديات على أهمية المضي قدماً في الإصلاحات الهيكلية، والتي ستساعد البلدان على تحمل صدمات الاقتصاد الكلي في المستقبل وتسريع التعافي.

وأوضحوا أن التدابير التي تعزز كفاءة الإنفاق الحكومي وتحصيل الإيرادات، بما في ذلك من خلال الرقمنة، وتعزيز نشاط القطاع الخاص، وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي، ستكون كلها أولويات مهمة.

وأكد الخبراء على أن صندوق النقد الدولي سيواصل تقديم المساعدة من خلال تقديم المشورة بشأن السياسات والتمويل وتنمية القدرات، بينما تعمل البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تكييف سياسات الاقتصاد الكلي مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة.

المملكة