قدّمت الحكومة، الاستعراض الطوعي الوطني الثاني للأردن للعام 2022، ضمن المساعي الوطنية لتحقيق أهداف أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، في المنتدى السياسي رفيع المستوى للتنمية المستدامة، الذي أقيم مؤخرا في الأمم المتحدة في نيويورك.

ومن خلال الاستعراض الطوعي الوطني، يواصل الأردن مواءمة استراتيجياته وخططه وسياساته الإنمائية الوطنية مع أجندة التنمية المستدامة وأهدافها وغاياتها، حيث قُدّم الاستعراض مع العنوان الرئيس للمنتدى رفيع المستوى، وهو "إعادة البناء بشكل أفضل بعد جائحة كورونا مع المضي قدما في التنفيذ الشامل لخطة التنمية المستدامة لعام 2030".

وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة، قال، في افتتاحية الاستعراض الطوعي، إن الأردن يواصل – مع العبور نحو المئوية الثانية لتأسيس الدولة – إعطاء الأولوية لتنفيذ الإصلاحات السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية، التي شهدت زخما غير مسبوق في الأشهر الأخيرة، وتشجيع الاستثمار ومحاربة الفقر والبطالة، وتحقيق الأمن الغذائي للجميع في كل الأوقات، وتقديم خدمات اجتماعية جيدة، وبناء قدرات الموارد البشرية، وتعزيز المهارات المهنية والتقنية والرقمية، فضلا عن توسيع نطاق برامج البحث والتطوير المحلية.

وأضاف الشريدة أن الأردن يسعى جاهدا للاستفادة من الفرص التي أبرزتها جائحة كورونا لإعادة بناء القطاعات المتضررة على أسس أكثر صلابة، مع القيام في الوقت نفسه بتدعيم الصناعات الواعدة التي من شأنها خلق فرص عمل مستدامة، موضحا أنه "سيجري العمل على ذلك، ونحن على دراسة كاملة بضرورة الحد من تبعات التغير المناخي وحماية الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة".

وجاء إعداد الاستعراض الطوعي في وقت يواجه فيه الأردن مجموعة "تحديات غير مسبوقة"، يشكل التعامل معها واستثمار الفرص التي تواكبها أساساً للتحول إلى المستقبل والعبور بالأردن إلى المئوية الثانية بقوة وثقة.

ويشهد الأردن تحولات تشريعية وسياسية واقتصادية جذرية لتوفير البيئة اللازمة وتذليل العقبات أمام العودة بالأردن إلى الريادة في الإقليم، وتشكل مبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان أسسا راسخة ونبراسا هادئا خلال مسيرة التحول.

الاستعراض، الذي أعدته الوزارة، أشار إلى أن التبعات التي يتحملها الأردن نتيجة الأزمة السورية واستضافة أكثر من 1.3 مليون من اللاجئين السوريين فاقمت الأعباء على الموازنة العامة والمجتمعات المستضيفة والخدمات العامة، في وقت دأب الأردن فيه على توفير الحماية والرعاية لموجات اللاجئين التي أدت بدورها إلى امتصاص نسبة كبيرة من منجزات ومكتسبات التنمية.

وتعرّضَ اقتصاد الأردن لأزمة جديدة نتيجة تداعيات جائحة كورونا تركت أثاراً سلبية على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي في عام 2020، مُسببة انكماشاً في الاقتصاد بنسبة 1.6%، إضافة إلى آثار الأزمة الروسية الأوكرانية التي تجلّت مؤخراً في تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة أسعار النفط والسلع الأساسية، مما سينعكس على جهود التعافي من الجائحة.

الأردن، أطلق برنامجه التنموي التنفيذي التأشيري (2021-2024) وبرنامج أولويات عمل الحكومة (2021-2023) ليؤسسا لمرحلة التعافي من الجائحة، آخذين بعين الاعتبار أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستدامة، وضرورة إرساء سيادة القانون ومكافحة الفساد، وتعزيز العمل على مبدأ عدم ترك أحد خلف الركب، من خلال المشاريع التي تخص المرأة والشباب والمجتمعات الفقيرة والريفية والأشخاص ذوي الإعاقة واللاجئين.

وشرع الأردن ومنذ عام 2018 على تنفيذ مصفوفة إصلاح تضمنت إجراءاتٍ على صعيد السياسات والإصلاحات الهيكلية لتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد، وتسريع وتيرة النمو، وخلق فرص العمل.م

وطوّر الأردن استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة الدين العام، بهدف ضمان تلبية الاحتياجات التمويلية للحكومة والتزاماتها المتعلقة بالسداد مع اتباع تدابير ضبط المالية العامة.

ويستضيف الأردن ما يقارب الـ 4 ملايين لاجئ يتلقون الرعاية والخدمات الأساسية، والتي من ضمنها الرعاية الصحية والتعليم، حيث يحتضن ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنة مع عدد المواطنين، وبالرغم من موارده المحدودة إلا أنه ما زال يقدم مختلف الخدمات للاجئين كالرعاية الصحية الشاملة والعلاج في المستشفيات الحكومية، وخدمات التعليم والرعاية الاجتماعيةِ وغيرها، كما كان من أول دول العالم التي بدأت بإعطاء اللقاح للاجئين مجانًا.

وللحد من ظواهر التغير المناخي، أقر الأردن وثيقة المساهمات المحددة وطنياً التي تعتبر من أكثر الوثائق طموحاً ضمن الإمكانات الوطنية.

وفي إطار مكافحة الفقر، أعدّ الأردن الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية للأعوام 2019-2025، التي تتضمن محاور العمل اللائق والضمان الاجتماعي، والمساعدات الاجتماعية، وتمكين الخدمات الاجتماعية، ويجري العمل على تضمينها محورا شاملاً يتعلق بالاستجابة للأزمات والصدمات كجائحة كورونا مثلاً.

ونجحت الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي 2018-2020 في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بزيادة وصول المؤسسات الصغيرة وغيرها من المؤسسات إلى الخدمات المالية ورفع مستوى الشمول المالي في المملكة من 33.1% إلى حوالي 50%، وكذلك تقليص الفجوة الجندرية من 53% إلى 29%.

ويحظى الأمن الغذائي باهتمام وأولوية خاصة في الأردن، حيث تمت صياغة أول استراتيجية وطنية للأمن الغذائي للأعوام 2021-2030، تهدف إلى تحقيق رؤيتها "حماية سكان الأردن من انعدام الأمن الغذائي وضمان الحصول على إمدادات غذائية آمنة ومستقرة ومغذية وبأسعار معقولة في جميع الأوقات" بنهاية عام 2030.

ويعتبر الأردن الهدف الخامس في قلب عملية التنمية الشاملة والمستدامة بكافة أبعادها، بدون أن يستثنى أحد عن الركب.

ويستمر الأردن باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتمكين المرأة وتفعيل مشاركتها في الحياة الاقتصاديّة والسياسيّة، من خلال تنفيذ الاستراتيجيّة الوطنيّة للمرأة للأعوام 2020- 2025، وإدماجها ضمن البرنامج التنفيذي التأشيري للحكومة، وتوجيه التمويل اللازم لتنفيذها.

وفي إطار السعي لتسريع الجهود للتعافي الاقتصادي، يجري العمل لتطوير رؤية وطنية وخطة شاملة للأعوام المقبلة للانتقال نحو المستقبل بهدف تحرير الإمكانيات لتحديث الاقتصاد، والتي ستسهم في الجهود الوطنية في الوصول لأهداف التنمية المستدامة، من خلال ترجمتها إلى خطط عمل عابرة للحكومات، بما يضمن تحقيق النمو الشامل، وما يرتبط به من استحداث فرص العمل وزيادة الإيرادات التي تنعكس بالتالي على مستوى معيشة المواطنين.

وزارة التخطيط، قالت في الاستعراض الطوعي، إنه في الوقت الذي يعمل الأردن فيه جاهداً لتوفير سبل النجاح والاستدامة لمتطلبات ومنجزات خارطة الطريق لأجندة التنمية المستدامة، لا بد من مساندة المجتمع الدولي للأردن للتعامل مع التحديات الناجمة عن الصراعات في المنطقة والتغير المناخي لتمكينه من الاستمرار في أداء دوره كعامل أمن واستقرار في الإقليم، خاصة فيما يتعلق بتعزيز التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي.

ويأتي ذلك بهدف الاستفادة من فرص تطوير وتسهيل التجارة البينية، وربط خدمات البنى التحتية في قطاعات الطاقة والنقل والسكك الحديدية والتجارة، وتطوير إمكانات الأردن لجعله مركزاً إقليمياً في العديد من المجالات بما في ذلك الأمن الغذائي، ومكافحة الأمراض والأوبئة، وقطاع اللوجستيات، وتبادل الطاقة.

واستعرض الوزير، خلال لقاءات أجراها مع المسؤولين الأمميين على هامش المنتدى، مجمل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، والناجمة عن تداعيات جائحة كورونا وأثر ذلك في الأداء الاقتصادي، وكذلك تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على أسعار الطاقة وإمدادات الغذاء وأسعار السلع الأساسية، وأهمية مساندة ودعم الشركاء التنمويين للأردن وأولوياته لتمكينه من التعامل مع هذه التداعيات للانتقال نحو التعافي الاقتصادي، واستعرض كذلك تبعات أزمة اللجوء السوري وأهمية تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه هذه القضية.

وجرى اطلاعهم على آخر المستجدات على الصعيد الوطني، وخاصة ما يتعلق برؤية التحديث الاقتصادي 2033، والتي جاءت خارطة طريق لعشر سنوات مقبلة لتمكين الأردن من الاستفادة من مختلف الإمكانات القائمة في الاقتصاد، بهدف خلق فرص عمل مستدامة للشباب الأردني، كما استعرض الجهود الحكومية في إطار زيادة مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية، وأشار إلى جهود وزارة التخطيط والتعاون الدولي في إعداد الخطة التنفيذية الأولى لهذه الرؤية.

وأوضح الشريدة أن الاقتصاد الوطني لا يزال يواجه مجموعة من التحديات منذ المراجعة الأولى وعرض التقرير الأول في عام 2017 نتيجة تبعات عدم الاستقرار الإقليمي، واستمرار استضافة أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري، وتبعات جائحة كورونا، وكذلك ارتدادات الأزمة الروسية الأوكرانية وأنه كان لهذه التحديات التأثير الكبير على مستويات التنمية والنمو في الأردن، انعكس في ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر ومستويات التجارة، وانقطاع سلاسل التوريد، وزيادة الأعباء على الموارد الوطنية المحدودة فعلا، فضلا عن زيادة تكاليف الطاقة والغذاء، والسلع الأساسية الأخرى.

وبين الشريدة أن الأردن قام بتنفيذ تقييم لمدى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة رغم هذه التحديات، وأن هذا التقييم قد أظهر إحراز تقدم كبير في تحقيق 6 أهداف للتنمية المستدامة وهي القضاء على الجوع، والتعلم الجيد، والمياه النظيفة، والصناعة والابتكار، والاستهلاك والإنتاج، والحياة تحت الماء، وبما يوازي ثلثي الطريق نحو تحقيق أهداف عام 2030، مع التأكيد على الحاجة للمزيد من العمل الذي يتعين القيام به وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالأمن الغذائي، والتعليم، والمساواة بين الجنسين، وتحسين سُبل العيش للأسر والمجتمعات المحلية.

وسلط الشريدة الضوء على الدور المتوقع من النظام المالي العالمي في معالجة مشاكل الديون وأعباء خدمة الدين، حيث أشار بهذا الصدد إلى أرقام إجمالي الدين العالمي لعام 2020 الذي ارتفع من 30%، إلى أكثر من 260% من الناتج المحلي الإجمالي - وهي أكبر زيادة لسنة واحدة منذ عام 1970.

وشدد على حاجة البلدان النامية إلى تحسين الوصول إلى الأسواق وإزالة الحواجز التجارية وفتح الأسواق للخدمات، وكذلك الحصول على المزيد من الدعم لتسهيل التكامل الإقليمي والتعاون البيني الاقتصادي والتجاري.

وأكد مضي الأردن بجهوده في تحقيق الأهداف لعام 2030 وفي مسار التحديث السياسي والإداري والاقتصادي، مختتما ذلك اقتباسا من رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني المتضمنة الدعوة للعمل على رؤية الأردن الجديدة: "نريده مستقبلاً مشرقاً نعزز فيه أمننا واستقرارنا، ونمضي خلاله في مسيرة البناء إلى آفاق أوسع من التميز والإنجاز والإبداع، نريده مستقبلاً نستعيد فيه صدارتنا في التعليم، وننهض فيه باقتصادنا، وتزداد فيه قدرات قطاعنا العام وفاعليته، ويزدهر فيه قطاعنا الخاص، فتزداد الفرص على مستوى متكافئ، ونواجه الفقر والبطالة بكل عزم، ونحد من عدم المساواة، وينطلق شبابنا في آفاق الريادة والابتكار."

المملكة