تحوّلت شقة صغيرة في مدينة هراري جدرانها وسخة وفرشها متداع وأرضيتها مليئة، بالغبار إلى عيادة لتوليد الأطفال في الوقت الذي تعاني فيه زيمبابوي من قطاع صحي مترنح.

وتتخبط زيمبابوي منذ عقدين في أزمة اقتصادية خانقة من دون أن يلوح أي حل لها في الأفق، ما يلقي بثقله على النظام الصحي الذي ينازع على شاكلة البلاد برمتها.

وتفاقم الوضع أخيرا للسكان مع إضراب الأطباء في القطاع العام منذ مطلع أيلول/سبتمبر. ويطالب هؤلاء بإعادة النظر في رواتبهم في ظل انهيار قيمتها خلال العام المنصرم بفعل التضخم المفرط وتراجع سعر صرف العملة المحلية.

وحين انضم قطاع التمريض إلى هذه الحركة الشهر الماضي بات الوضع لا يُحتمل خصوصا للنساء في أيام الحمل الأخيرة، وهو ما دفع بإستير غوينا وهي ربة منزل من زيمبابوي في التاسعة والستين من العمر إلى تقديم المساعدة لهؤلاء.

وهي تروي لوكالة فرانس برس أن "رجلا أتى إلي ليقول إن امرأتين شارفتا على الإنجاب" قرب دار توليد مغلقة بسبب الإضراب.

وقد هبت لنجدتهما إستير غوينا التي لم تتلق أي تدريب طبي.

لكن لدى وصولها، كان أحد الطفلين قد فارق الحياة. وهي تقول من منزلها المؤلف من غرفتين في حي مباري الفقير في هراري "لقد نقلت المرأة الثانية إلى منزلي حيث قدمت لها المساعدة وقد نجا الطفل".

وتضيف هذه الجدّة المؤمنة "اعتبارا من هذه اللحظة، كنت أعلم أن لدي أمرا ما لأفعله".

خيمة

وفي غرفة الجلوس التي تتكدس فيها أجهزة تلفزيون قديمة، غطت إستير غوينا الأرضية الإسمنتية بأكياس بلاستيك كبيرة لاستقبال النساء اللواتي يشرفن على وضع أطفالهن.

وانتشر الخبر بسرعة البرق. وخلال أسبوعين، بدأت النسوة بالتهافت على شقتها الصغيرة للإنجاب أرضا.

ومن بين هؤلاء ويني دينهيري (35 عاما) التي تقول حاملة رضيعها البالغ يومين بين ذراعيها "كل شيء حصل بشكل جيد. هي لم تطلب منا المال".

وقد وضعت شركة في تصرف المريضات المياه وخيمة نصبت في الباحة لاستخدامها كقاعة انتظار.

حتى أن السيدة الأولى في زيمبابوي أوكسيليا مناغاغوا زارت الموقع حاملة معها مواد غذائية ومنظفات وأغطية.

وتقول إستير "لقد ساعدت في ولادة 250 طفلا"، لكن لا يمكن التحقق من دقة هذا الرقم.

وقد أعادت دار توليد مجاورة أخيرا فتح أبوابها وطلبت السلطات من هذه القابلة القانونية غير المرخصة أن توقف أنشطتها، وهو ما فعلته ما أثار ضيق نساء حوامل يقلن إنهن يثقن بـ "الجدة" إستير أكثر من المؤسسات الاستشفائية.

نقص بشري وتقني

فقد أصبحت المستشفيات "فخا قاتلا" بحسب أطباء في القطاع العام.

ويؤكد رافاييل ماغوتا نائب رئيس اتحاد أطباء المستشفيات "الناس الذين يموتون أصبحوا هم القاعدة في المستشفى".

وتتفاقم الحركة الاجتماعية التي انطلقت في أيلول/سبتمبر، إذ سرّحت الحكومة 448 طبيبا مضربا.

ويوضح طبيب طالبا عدم كشف اسمه "قطاع الصحة العامة غائب في زيمبابوي راهنا. كل شيء متوقف".

وقد استأنف ممرضون العمل لكنهم لا يداومون إلا يومين أسبوعيا بسبب عدم امتلاكهم أموالا كافية للتنقل.

ويلفت الطبيب إلى أن "لا حاجة للمجيء يومين على التوالي لذا فإن الممرضين لا يتبادلون المعلومات" المطلوبة لمتابعة أوضاع المرضى.

وبالإضافة إلى نقص الطواقم البشرية، تفتقر المستشفيات إلى المعدات حتى البدائية منها، مثل القفازات. وعندما تكون متوافرة، لا يكون مقاسها مناسبا.

وقد تحدث المقرر الخاص في الأمم المتحدة بشأن الحق في الغذاء عن "معلومات مقلقة" عن افتقار مستشفيات في زيمبابوي للطعام و"المعدات التشغيلية".

ويقر وزير الصحة أوباديا مويو بتعقيدات الوضع لكنه يؤكد أن الحكومة ستعلن عن وظائف شاغرة لملء الفراغ الذي خلفه الأطباء المصروفون.

أ ف ب