تشهد الفترة الحالية متغيرات وتحولات في نهج استمر عقودا طويلة، أهمها انهيار اتفاقيات تجارية جمعت دولا كبرى حول العالم ونظمت حرية انتقال البضائع بينها.

الرسوم المتبادلة على صادرات الدول، أو ما يسمى بـ "الحمائية التجارية"، تزداد بشكل كبير بقيادة الولايات المتحدة في حرب اقتصادية لا تزال مستمرة وبدأت تؤثر فعليا على المؤشرات كافة في دول كبرى، كالصين، أو تكتلات كالاتحاد الاوروبي.

وعلى الرغم أن مستثمرين في الأسواق المالية العالمية ينتظرون حلولا لمثل هذه التحولات، إلا أن الأحداث على أرض الواقع تظهر أن آمالهم قد تتلاشى، الأمر الذي قد يجعل ردود أفعال أسواق سلبية، ومتسمة بتذبذب الأسعار، والأداء في الفترة القادمة.

أهم محركات الأسواق العالمية:

الحرب التجارية

تصاعدت خلال الفترة الماضية حرب تجارية بدأها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في محاولة لتطبيق سياسة حمائية لتشجيع الصناعة الأميركية، وتقليص العجز التجاري الأميركي مع دول العالم، خاصة الصين، التي رفعت الرسوم والتعرفة الجمركية على وارداتها بقيمة 200 مليار دولار. جاء الرد الصيني سريعا بفرض 60 مليار دولار على واردات أميركية، بدء من حزيران/ يونيو المقبل.

أدى ذلك إلى انخفاض حاد في الأسواق المالية العالمية، خاصة المؤشرات الأميركية والآسيوية والأوروبية، حيث سجل مؤشر داو جونز الجمعة رابع أسبوع من الخسائر، مما زاد حالة عدم اليقين في الأسواق المالية.

بعد أن تمكنت الأسواق من امتصاص صدمة التعرفة الجمركية بين الصين والولايات المتحدة، أعلن ترامب حالة طوارئ وطنية ضد تهديدات التكنولوجيا والاتصالات، موقعا أمراً تنفيذياً يحظر استخدام معدات اتصالات من مصادر تعتبرها واشنطن تهديداً لأمنها القومي، خاصة "هواوي" الصينية، وشركات تابعة لها.

بكين حذرت من أن قرار الولايات المتحدة ضد شركة "هواوي" قد يضر بالمحادثات التجارية بين الطرفين، مما كان له أثرا سلبي على الأسواق المالية.

أسعار النفط

خام برنت سجل ارتفاعات متتالية بفعل تهديد باضطرابات في إمدادات الشرق الأوسط والعالم، واتجه صوب الصعود لأطول سلسلة ارتفاعات أسبوعية منذ بداية نيسان/إبريل الماضي.

وتسببت العقوبات الأميركية على إيران في زيادة انخفاض صادراتها، وشكل حالة من الضبابية من نقص محتمل لإمدادات النفط في الأسواق.

تصريحات وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، حول أمن الطاقة والتزويد، كبحت جماح الأسعار جزئيا، لكنها لم توقف الاتجاه التصاعدي للنفط على الرغم من الأنباء عن ارتفاع مخزون الولايات المتحدة من الخام أيضا.

بريكسيت

لا تزال رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، تحاول تمرير صفقة للخروج من الاتحاد الأوروبي، مع مواجهتها لأعضاء برلمان من حزب المحافظين الذين يطالبونها بوضع خارطة طريق للاستقالة، وهو ما يستمر حاليا بالضغط على الجنيه الاسترليني.

رئيس لجنة حزب المحافظين في البرلمان البريطاني، غراهام برادي، قال إن ماي ستحدد جدولاً زمنياً لاستقالتها من منصبها في أوائل حزيران/يونيو المقبل بعد طرح اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي مرة أخرى على البرلمان للتصديق عليه.

وكانت ماي وعدت بالاستقالة بعد موافقة النواب على اتفاق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لكنها تعرضت لضغوط متزايدة من كثيرين في حزبها لتحديد موعد واضح لاستقالتها حتى في حالة رفض البرلمان للاتفاق للمرة الرابعة.

انخفاض حيازة الصين من السندات الأميركية

أظهرت بيانات أميركية أن استثمارات الصين في سندات الخزانة الأميركية انخفضت إلى أدنى مستوى منذ فوز ترامب في انتخابات الرئاسة. وأظهرت البيانات أن الصين باعت خلال شهر آذار/مارس الماضي سندات حكومية أميركية بقيمة 10.4 مليارات دولار، وهي أسرع وتيرة على أساس شهري منذ تشرين الأول 2016.

وتمتلك الصين حاليا حوالي 1.120 تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية، ما يشكل 17.7% من قيمة سندات الخزانة الأميركية التي تملكها حكومات أجنبية.

ووفقا للبيانات، فقد قلصت الصين استثماراتها في هذه السندات بنحو 4% على مدار العام الماضي، لكنها لا تزال تحتل الصدارة بين مالكي هذه السندات عالميا.

السلطات الصينية ذكرت أن انخفاض الاستثمار في سندات الحكومة الأميركية يرجع إلى الحاجة لمنع الضعف المفرط للعملة الصينية، يوان.

تلك العوامل تعتبر حاليا أهم محركات الأسواق العالمية في الفترة الحالية، إضافة الى عوامل أخرى تتعلق بنسب النمو والتضخم في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، مما يعطي دلائل عن احتمالية تخفيض الفائدة الأميركية هذا العام، وهذا ما أشار إليه انعكاس منحنى العائد للسندات الأميركية أكثر من مرة في الآونة الأخيرة.

* محلل مالي

المملكة