يلتقي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في قمة تعقد في هلسنكي الإثنين تتجه إليها كل الأنظار كونها تشكل اختباراً لرغبة الرئيس الأميركي في إقامة علاقة شخصية مع سيد الكرملين وتجاوز التوتر الدبلوماسي بين البلدين.

وإذا صدق حدس ترامب وتمكن من إيجاد أرضية حوار مشتركة مع نظيره الروسي فإن الرئيسين يمكن أن ينزعا فتيل العديد من النزاعات التي يشهدها العالم.

يتولى ترامب قطب الأعمال منصبه منذ 18 شهراً بينما بوتين (65 عاما) عميل الاستخبارات السابق يدير روسيا منذ 18 عاماً.

ورغم ذلك، يقول ترامب (72 عاما) إنه على ثقة بقدرته على استمالة خصومه على غرار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الذي عقد معه قمة في يونيو الماضي.

من الصعب التكهن باللهجة التي سيعتمدها ترامب المعروف بميله إلى الاستفزاز، إلا أن العديد من الدبلوماسيين يخشون أن يقوم بسلسلة من التنازلات لبوتين في ما يتعلق بالقضايا الخلافية العديدة بين البلدين من سوريا وأوكرانيا إلى القرم والتدخل في الانتخابات الأميركية.

وقبل بضع ساعات على انطلاق القمة باشر ترامب بتغريدة تثير الاستغراب من قبل رئيس أميركي فقد برر توتر العلاقات بين بلاده وروسيا بـ "سنوات من التهور والحماقة الأميركية والآن الحملة السياسية"، في إشارة إلى التحقيق الذي يجريه المدعي الخاص روبرت مولر.

وشدد ترامب خلال مقابلة مع "سي بي إس نيوز" قبل وصوله إلى هلسنكي "أعتقد أنه من الجيد أن نلتقي فأنا أؤمن باللقاءات"، مع أنه أكد "لست ذاهبا بآمال عالية".

وبدأ ترامب وزوجته ميلانيا نهارهما بفطور مع الرئيس الفنلندي سولي نينستو وزوجته جيني هوكيو.

يصل بوتين الذي حضر في موسكو الأحد فوز فرنسا بكأس العالم لكرة القدم للعام 2018، إلى هلسنكي بعيد الظهر إلا أنه التزم الصمت حول توقعاته أو أهداف استراتيجيته.

واكتفى مستشاره يوري أوشاكوف بالقول إن "وضع العلاقات الثنائية سيء جدا"، مضيفاً "علينا البدء بترميمها".

- سوريا والقرم -

سيكون لسوريا حصة كبيرة في المحادثات بين الرئيسين. فترامب يسعى للنأي من هذا النزاع بأسرع ما يمكن وسحب القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة.

في المقابل، لروسيا وجود عسكري في هذا البلد منذ العام 2015 دعماً للحكومة السورية وهي تعتزم أكثر من أي وقت مضى أن تلعب دوراً أساسيا فيه.

كما يلتزم ترامب منذ أسابيع عدة موقفاً ملتبساً حول شبه جزيرة القرم إذ يرفض أن يستبعد بوضوح الاعتراف بضمها من قبل روسيا.

تُعقد القمة بعيد الظهر في القصر الرئاسي في قلب هذه المدينة الساحلية ذات التاريخ الطويل في استضافة قمم بين الشرق والغرب.

على جدول أعمال القمة لقاء على انفراد يحضره فقط المترجمان وغداء عمل مع فريقي الرئيسين ومؤتمر صحافي مشترك.

وسبق لترامب على غرار أسلافه الجمهوريين والديموقراطيين لقاء بوتين.

لكن نمط اللقاء وتوقيته يجعلان من قمة هلسنكي حدثاً فريداً فهي المرحلة الأخيرة من جولة يقوم بها ترامب منذ أسبوع في أوروبا وشن خلالها هجوماً على حلفائه في مقدمتهم ألمانيا لكن مع تفادي توجيه أي انتقاد إلى نظيره الروسي.

إلا أن ترامب ورغم التوتر الأخير مع حلفائه أكد الإثنين أن "الحلف الأطلسي لم يكن يوماً موحداً كما هو الآن".

وتابع معلقاً على قمة الحلف الأطلسي في بروكسل "كان الأمر صعباً بعض الشيء في البداية، لكنه تحول في نهاية الأمر إلى مودة".

من جهته، دعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أوروبا والصين والولايات المتحدة وروسيا إلى "تفادي فوضى" حرب تجارية و"عدم تدمير" النظام العالمي.

- "مستعد تماما" -

المسألة الثانية التي تلقي بظلالها إلى حد كبير على اللقاء هي التحقيق الذي يقوده المحقق المستقل روبرت مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016 لصالح حملة ترامب.

وعاد التحقيق إلى قلب الحدث قبل ثلاثة أيام فقط على القمة مع توجيه مولر الاتهام إلى 12 عميل استخبارات روسي بقرصنة أجهزة كمبيوتر للحزب الديموقراطي.

وتعهد ترامب إثارة المسألة مع نظيره الروسي لكن أحدا لا يتوقع أن يطالبه بتقديم توضيحات بشكل رسمي.

فعلاوة على تنديد ترامب ب"حملة سياسية" ضده، بدا مراراً وكأنه يقف في صف بوتين الذي ينفي أي تدخل رغم إجماع وكالات الاستخبارات الأميركية على أن العكس صحيح.

هل يخاطر ترامب بأن يجد نفسه في موقع ضعف أمام بوتين المدرب على رصد نقاط الضعف لدى خصومه؟.

وحضه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين على عدم التفاوض على انفراد وكتبوا في رسالة مفتوحة "لا بد من وجود أميركيين آخرين في الغرفة".

لكن ترامب يقول منذ أسابيع "هل سأكون مستعداً؟ أنا مستعد تماماً!"، مضيفاً قبل بضعة أيام أمام أنصار له في مونتانا "لقد استعديت طيلة حياتي لمثل هذا الأمر".

لكن العديد من المحللين يخشون ألا يكون ترامب حازماً بما فيه الكفاية. وشدد ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الأجنبية قبل القمة "علينا التعامل مع روسيا في عهد بوتين كما هي: دولة مارقة".

وهذه المرة الرابعة التي يلتقي فيها رؤساء من البلدين في العاصمة الفنلندية. وعلى هذا الأساس فقط ستندرج القمة في سياق القمم السابقة بين جيرالد فورد وليونيد بريجنيف (1975) وجورج بوش الأب وميخائيل غورباتشيوف (1990) وبيل كلينتون وبوريس يلتسين (1997).

 

أ ف ب