سلطت أحداث الفحيص والسلط الضوء على تحديات تواجه الأردن في محاربة الفكر المتطرف داخلياً، خاصة أن جميع المتورطين أردنيون تكفيريون يؤيدون فكرياً "تنظيم الدولة" الإرهابي، المعروف بـ "داعش"، دون أن تكون لهم ارتباطات خارجية.

ويرى مختصون أن الواقع الاقتصادي-الاجتماعي لبعض الأردنيين، خاصة الشباب، قد يكون أحد أسباب تحولهم للفكر المتطرف.

في الأردن، تتراوح أعداد المرتبطين فكرياً بالتيارات المتطرفة بين 8.000-12.000 شخص، يتمركز غالبيتهم في محافظة الزرقاء وتحديداً في لواء الرصيفة. الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، الدكتور محمد أبو رمان.

الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، الدكتور محمد أبو رمان، ومدير المركز، الدكتور موسى شتيوي، أشرفا على دراسة مختصة، "سوسيولوجيا التطرف والإرهاب في الأردن"، نشرت في 2018، أفادت أن 38% من معتنقي فكر "داعش" في الأردن تتراوح أعمارهم بين 23-29 عاماً، وأن 47.6% منهم تقل أعمارهم عن 22 عاماً.

وفقاً للدراسة، 40.7% ممن التحقوا بالمنظمات المتطرفة من محافظة الزرقاء، إربد 17.4%، البلقاء 13%، والعاصمة عمان 12%، معان 9.3%، الكرك 4.9%، وفي باقي محافظات المملكة لم تتجاوز النسبة 2.7%.

الدراسة اعتمدت في أرقامها على قضايا أمام محكمة أمن الدولة العسكرية لمروجي فكر "داعش" أو ممن انضموا لهذا التنظيم الإرهابي في سوريا.

ويقول أبو رمان إن الشباب هم الأكثر تعرضاً للتطرف في الأردن، وذلك "لرغبتهم بالتغيير وقدرتهم على المغامرة مدفوعة بعواطف جياشة، واكتوائهم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".

أحد أسباب التطرف الداخلي ناتج عما جرى في سوريا والعراق، الأمر الذي دفع بعدد من الأردنيين، خاصة في المناطق التي تتأثر بالفقر والبطالة، إلى تبني الفكر المتطرف مهند حجازي، مدير القضاء العسكري السابق في محكمة أمن الدولة.

"أينما يوجد الفقر والبطالة يوجد التطرف والإرهاب، إذ يعد الفقر عاملاً مشجعاً وبيئة خصبة تدفع للإحباط والتوجه للفكر المتطرف ويسهل غسل أدمغتهم"، يقول مدير القضاء العسكري السابق في محكمة أمن الدولة، مهند حجازي.

"أغلب من يتبعون الفكر المتطرف هم من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 40 عاماً، ويعتقدون أن الثورة على الفقر والخلاص منه تكون بالعمليات الانتحارية التي تؤدي بهم إلى الجنة"، يضيف حجازي.

"داعش الإرهابي استقطب عدداً من الأشخاص عبر الإغراء المالي"، بحسب القاضي العسكري.

البطالة واليأس والإحباط وعدم الشعور بالعدالة قد تدفع بالبعض ضمن ظروف معينة ولحظة معينة للفكر المتطرف مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور، موسى شتيوي

"الشباب المتأثرون بمخرجات التعليم يبحثون عن أفكار وقيم وشعور بالذات، الذي يوفره لهم الالتحاق بالتنظيمات المتطرفة، إضافة إلى مرور فئة منهم بظروف هشة كالبطالة التي تخلق لديهم الإحباط"، يوضح شتيوي.

"المردود المادي الذي يحصل عليه أولئك الذين يتحولون للتطرف لا يفسر كل شيء رغم أنه يعد عامل جذب للشباب، الشخص في فترة الشباب يبحث عن قيمته والانخراط بالمجتمع والاعتزاز بالذات حيث يعد ذلك أيضاً عاملاً رئيسياً"، يبين شتيوي.

وحدثت آخر عملية إرهابية، قبل أحداث الفحيص والسلط، في ديسمبر 2016 في الكرك، حيث استشهد 10 أشخاص، بما في ذلك، 7 من الأجهزة الأمنية.

وأدت عملية الفحيص والسلط إلى استشهاد 5 من القوة الأمنية المشتركة وإصابة آخرين، بينما أعلنت الحكومة عن "انتشال 3 جثث لإرهابيين واعتقال 5".

المدير العام لقوات الدرك اللواء الركن حسين الحواتمة صرّح بأن "المعلومات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية تشير إلى أن الخلية الإرهابية نشأت حديثاً وأنهم من الأشخاص الذين انتسبوا للفكر التكفيري مؤخراً".

حجازي دعا إلى "خطاب ديني عقلاني موحد يتحدث عن حقيقة الإسلام ورفض الفكر التكفيري، لأن من يصل إلى مرحلة التكفير يسهل عليه القتل".

لكن شتيوي يرى أن التركيز على جانب واحد غير كاف، فإضافة للتركيز على الجانب الديني، "يجب التركيز أيضاً على التعليم والإعلام وغيره".

وبحسب شتيوي فإن "الاستراتيجية الأمنية في الأردن تعد الأنجح، إلا أن هناك نوعاً من الفشل، إذ تحتاج الحكومة للعمل أكثر في الجوانب المتعلقة بالحياة المدنية".

تصل نسبة الملتحقين بالتنظيمات المتطرفة من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة إلى 42.5%، في حين بلغت النسبة للحاصلين على شهادة البكالوريوس إلى 21.6%.دراسة "سوسيولوجيا التطرف والإرهاب في الأردن"، 2018

ويقول حجازي إن الدولة "بدأت منذ نحو 5 سنوات في مكافحة التطرف بشكل منهجي".

المستشار الأسبق في وزارة التنمية السياسية، محمد ملكاوي، الذي أجرى دراسات حول الإرهاب، يعتبر أن "التحدي الكبير الذي يواجه الأردن هو عدم وجود استراتيجية وطنية حقيقية وفعّالة على أرض الواقع لمكافحة الإرهاب رغم وجود هذه الاستراتيجية على الورق".

وطالب ملكاوي بضرورة "أن يكون المواطن شريكاً في مكافحة الإرهاب"، فيما دعا شتيوي إلى أن يكون "للإعلام دور أعمق وأكثر جرأة لمعالجة القضايا والابتعاد عن الخطاب المحافظ".

"تعديل المناهج والتركيز في المناهج على بناء الهوية الوطنية والمبادئ الرئيسية في الدستور الأردني التي تحدد حقوق الأردنيين وارتباطهم في الأردن وإدخال التربية المدنية الحديثة كلها تساهم في مواجهة الفكر المتطرف"، يقول شتيوي.

ولفت إلى وجود ما سماه "المنهاج الخفي" حيث يعمل بعض المعلمين على تدريس أفكارهم ومعتقداتهم الشخصية للطلبة، مطالباً بمزيد من المراقبة والتدريب للمعلمين.

وبلغت نسبة المعلمين المنتمين للفكر المتطرف سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة 8.2%، حسب الدراسة.

الحكومة وضعت استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب على الصعيد الأيديولوجي وزير الداخلية، سمير مبيضين

وأقرّ الأردن قانون منع الإرهاب في عام 2006 وعدّل عليه في عام 2014، كما يشمل قانون العقوبات الأردني عدداً من المواد المتعلقة بالإرهاب ومعاقبة مرتكبيه.

وأصدر جلالة الملك عبد الله الثاني في 2004 "رسالة عمان" وغايتها "أن تعلن على الملأ حقيقة الإسلام وما هو الإسلام الحقيقي، وتنقية ما علق بالإسلام مما ليس فيه، والأعمال التي تمثّله وتلك التي لا تمثّله"، بهدف أن توضح للعالم الحديث "الطبيعة الحقيقية للإسلام وطبيعة الإسلام الحقيقي".

"أبرز التحديات التي تواجه الأردن تكمن في التصدي للفكر المنحرف الذي شوه حقيقة الإسلام، وتحصين الجبهة الداخلية عبر مزيد من التماسك والوعي"، وفق وزير الإعلام الأسبق نبيل الشريف، الذي لفت أن "الجهد المبذول غير كافٍ".

المطلوب من الأردن "مقارعة الفكر المنحرف من خلال المؤسسات الدينية والإعلامية والتربوية والتعامل مع الواقع الإعلامي الجديد بقدر أكبر من الجدية، بما يضمن تدفق المعلومات بشكل جيد للمواطنين والحد من خطر الإشاعة".

مواجهة الفكر المتطرف تشمل تثقيفاً للمتعاطفين مع هذا الفكر وعدم الاكتفاء بالرقابة الأمنية وزير الداخلية الأسبق، سمير حباشنة

المملكة