لم تستسلم براءة، 23 عاما، لخُبث مرض السرطان، الذي تسبب بفقدانها شبه الكلي لبصرها، ولم تسمح لتحديات تعليمية أن تثنيها عن عزيمتها للنجاح في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي).

"حلمي أن أدرس في الجامعة ... نجاحي في التوجيهي ليس سوى جسر للعبور نحو ما هو أبعد،" تقول براءة لـ"المملكة".

شُخصت براءة عام 2011 بمرض سرطان الدماغ إثر ضعف في بصرها، وخمول ملموس، وخضعت لعمليتين جراحيتين في الدماغ لاستئصال الورم الخبيث الذي لا تزال بقاياه موجودة.

الورم متمركز فوق الغدة النخامية والعصب البصري لدى براءة؛ مما جعلها تفقد النظر تماماً في عينها اليمنى، وتُبصر بنسبة 10% فقط في عينها اليسرى.

معركة براءة مع السرطان كانت شرسة، خضعت خلالها لعلاج كيميائي وإشعاعي على فترات.

"كانت سنتي الأولى في التوجيهي في دورة 2014/2015 خضعت خلالها لعلاج إشعاعي أرهقني بشدة،" تقول براءة.

اختارت براءة في الثانوية العامة مسار الإدارة المعلوماتية، لكنها اكتشفت متأخرة أنه لم يكن ملائما لوضعها الصحي، نظراً لمحتوى مواده، خاصة الرياضيات والحاسوب، ملقية اللوم في ذلك على قلة الإرشاد والتوعية من قبل مدرسيها وإدارة مدرستها.

لم تستطع الفتاة أن تنتقل إلى المسار الأدبي؛ لعدم قبول معادلة مواد نجحت فيها.

"كان الوضع في غاية الصعوبة، وعجزت عن رؤية ما يكتب على لوح الصف" تشرح براءة، مبينة أن أهم مساعدة قدمتها لها المدرسة كانت إيجاد مكان لها في مقدمة الصف الدراسي.

طالبت براءة بتوفير كتاب مُكبّر للمكفوفين، لكن دون استجابة، بحجة أن هذا الكتاب متوفر بحجم موحد، الأمر الذي اضطر عائلتها إلى تكبير صفحات كتبها المدرسية.         

طموح عال

لم تتمكن براءة من اجتياز امتحاني الحاسوب والرياضيات في سنة التوجيهي الأولى، ثم نجحت لاحقا في المادة الأولى، لكن الثانية استغرقتها 5 سنوات من المحاولة.

"اعتمدت على شقيقاتي في دراسة مادة الرياضيات، لكن إثر عدم تمكني من اجتياز امتحانها، أجبرت على الاستعانة بمدرسين على نفقة أهلي بالرغم من صعوباتهم المادية" تقول براءة.

في مركز الحسين للسرطان، حيث تتلقى براءة علاج، وفر لها برنامج "العودة إلى المدرسة" بيئة مختلفة عن قاعات الامتحانات المعتادة، إذ صادف أنها كانت في المركز قبل موعد أحد الامتحانات نتيجة تعرضها لوعكة صحية.

"وفر المركز لي قاعة هادئة بعيدة عن بقية المرضى، وبوجود ممرض تحسباً لأي طارئ. كانت لجنة الامتحان هادئة ومتفهمة، ولم أشعر بضغط نفسي أو توتر،" حسبما تقول براءة.

ويمنح برنامج "العودة إلى المدرسة" المرضى الصغار فرصة استكمال تعليمهم خلال فترات علاجهم، إذ يقوم معلمان منتدبان من وزارة التربية والتعليم بالإشراف على برنامج المرضى والعمل كحلقة وصل بينهم وبين مدارسهم.

وتمكن 4 طلاب من أصل 5 مرضى في مركز الحسين للسرطان من اجتياز امتحان التوجيهي في الدورة الشتوية 2018-2019.

مدير المركز، عاصم منصور، قال لـ "المملكة" إن 430 طالباً من المرضى المقيمين في المركز، والمرضى المراجعين يدرسون في البرنامج للعام الحالي.

تطمح براءة في إكمال دراستها الجامعية، مثل شقيقاتها، واختيار تخصص يتواءم مع حالتها الصحية، ويمكنها من العمل به بعد التخرج، وتضيف أنها تقوم باستشارة مركز الحسين في ذلك.

سوء أحوال عائلتها المادية قد يعيق مشوارها التعليمي في الجامعة، لكنها مستعدة للعمل والدراسة في آن واحد.

"طموحي أعلى بكثير من التوجيهي، أريد أن أعمل وأدرس، وأريد أيضا أن أحافظ على ما تبقى من نظري"، تقول براءة.

المملكة