رعى جلالة الملك عبدالله الثاني، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، في مركز الحسين الثقافي الثلاثاء، احتفال الكنائس بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية.

وحضر الاحتفال، الذي ينظمه مجلس رؤساء الكنائس في الأردن رؤساء كنائس القدس والأردن ،وممثلون عن الأوقاف والهيئات المقدسية، وعدد كبير من الشخصيات المسيحية الرسمية والشعبية من مختلف محافظات المملكة.

وقدم الملك، بهذه المناسبة، التهنئة لأبناء وبنات الأردن وفلسطين، وجميع المسيحيين العرب، بالأعياد المجيدة.

وألقى ممثلو كنائس وأوقاف القدس خلال الاحتفال كلمات قالوا فيها إن عيد الميلاد المجيد يجسد السلام والمحبة، ويذكر بأهمية السلام العادل لكل البشر، وترسيخِ الأخوة والعيش المشترك.

وأضافوا أن الأردن، بقيادة جلالة الملك، سيبقى الحصن المنيع في الدفاع عن القدس ومقدساتها، مؤكدين أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف التي تشكل درع حماية، وامتدادا للعهدة العمرية. 

وأكدوا أنه لا بديل عن حل الدولتينِ لتحقيق السلام ،حيث تكون القدسُ الشرقية عاصمة دولة فلسطين، مشيدين بتبرع الملك بجزء كبير من قيمة جائزة تمبلتون، التي تسلمها جلالته الشهر الماضي، لإعمار كنيسة القيامة. 

وثمنوا عاليا جهود الملك الدولية والتي نتج عنها مجموعة قرارات لليونسكو تدعم الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في المسجد الأقصى ومدينة القدس.

وفيما يلي كلمة غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين، التي ألقاها نيابة عنه سيادة المطران خريستوفورس عطاالله، مطران كنيسة الروم الأرثوذوكس في عمّان:

"حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه،

فخامة الرئيس محمود عباس،

ولي العهد المحبوب،

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والنيافة والسماحة،

السيدات والسادة،

الحضور الكريم،

يُشرفني أَن أُلقيَ في حضرةِ جلالتِكم كلمةَ غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن، وأنقلَ لكم سلام وتحياتِ أعضاءِ المجمعِ المُقدّس، وأعضاءِ أخويةِ القبر المُقدّس، وسائر الآباءِ الأجلاءِ كهنةِ بطريركيةِ الروم الأرثوذكس المقدسية، وأبنائِنا الروحيين أبناء الكنيسة الرومية الأرثوذكسية، بمناسبة هذا الاحتفالِ بعيدِ الميلادِ المجيد تحت رعايةِ جلالتِكم.

فأنتم يا صاحب الجلالة، ملكَ الأردنِ العزيز، صاحبَ الوصايةِ على المقدساتِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في القدسِ الشريفِ بما فيها القبرِ المقدسِ وبطريركيةِ الروم الأرثوذكس المقدسية، هذه الوصايةُ التي تُشكِّلُ دِرعَ حمايةٍ وامتدادٍ للعُهدةِ العُمَريةِ التي تَمت بين البطريركِ صفرونيوس والخليفةِ عمرُ بن الخطاب. ونحنُ على العهدِ معكُم وبكُم باقونَ وعلى العهدةِ العمريّةِ محافظونَ إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ.

صاحب الجلالة المعظم

إنَّ عيدَ الميلادِ المجيدِ هو عيدُ تَجسّدِ السلامِ والمحبة، المحبةُ التي هي ثَمَرَةُ التنازلِ الإلهي الممزوجُ ببذلِ الذات والتواضعِ التامِ وإخلاءِ الذاتِ مِن أجلِ مصالحةِ الإنسانِ مع اللهِ والقريب، لكي يعمَّ السلامُ الآتيَ من فوق، من السماءِ، والساكنُ في قلبِ الإنسان. فلا سلامَ على الأرضِ بدون سلامِ القلبِ ونقائهِ، ولا يمكنُ حبُّ الله بدونِ تَجسُّدِ هذا الحبِّ بمحبةِ القريب، محبةِ الإنسانِ لأخيهِ الأنسان مهما كان ومن أينَ ما كان.

فالميلادُ المجيدُ يُعلِّمُنا أن نرى اللهَ في وجهِ كلِّ إنسانٍ على الأرضِ وأن نُحبَّهُ.

ولهذا وُلِدَ المسيحُ بالجسدِ، مِن امرأةٍ عذراءَ (سيدتُنا مريمُ البتول)، واختارَ أن يُولدَ في مذودٍ للبهائمِ، في مغارةٍ متواضعة، في مدينةِ بيتَ لحمَ الصغيرة.  وأولُ مَن سَمِعَ تسابيحَ الملائكةِ مِنَ السماء، مُبشرينَ بمَولِدِه هم رُعاةُ بيتَ ساحور البسطاء، ومَن قَدموا لهُ الهدايا هم المجوسُ الغرباء، وأولُ مَن دافعَ عنهُ هم أطفالُ بيتَ لحمَ الشهداء.

فبولادةِ السيدِ المسيح في بِلادِنا المُقدسَةِ ومعموديتِه التي تَمت في نهرِ الأردن، عندنا هنا في الأردن، انبعثت ولادةٌ جديدةٌ للبشريةِ جمعاء، وأُسِّسَت مفاهيمٌ روحيةٌ كونيةٌ غيرت مجرى التاريخِ إلى الأبد.

ونحن اليومَ نحتفلُ معكم بعيدِ الميلادِ المجيد، الذي يُذكِرُنا بأهميةِ السلامِ وحاجةِ المجتمعاتِ البشريةِ الماسةِ إليه. نرفعُ نداءَنا إلى جميعِ ذوي النوايا الحسنةِ في كلِ أرجاءِ العالمِ للعملِ مِن أجلِ السلامِ العادلِ لكل البشر وترسيخِ أواصلِ الأُخُوَةِ والعيشِ معاً. فنَقبَلُ الآخرَ وخصوصاً المحتاجَ وننفَتِحُ عَليهِ بِروحِ المحبةِ فنصغيَ لهُ ونَقبَلُهُ ونَمُدُ لهُ يدَ المساعدةِ لنساهِمَ في تعزيزِ روحِ الأخوةِ والمحبةِ لا روحِ الانغلاق والانعزال. واحتفالُنا بالميلادِ المجيدِ يقاسُ بمقدرتِنا على الحبِّ واستقبالِ الآخر والتضامنِ والوحدة.

جلالةُ الملكِ المُعظّم

السيداتُ والسادة أبناءُ الأسرةِ الأردنيةِ الواحدة

إنَّ كنيستَنا الأرثوذكسيةُ المقدسيةُ أمُّ الكنائسِ هي الكنيسةُ المحليةُ في بلادِنا المقدسةِ وهيَ ممثلةٌ ببطريركيةِ الرومِ الأرثوذكسِ بموجبِ القوانينِ والأنظمةِ الكنسيةِ وحتى الدولية. ومن هنا وانطلاقاً من موقعِنا الروحيِّ والرعائيِّ في جسمِ الكنيسةِ الجامعةِ ننبهُ من خطورةِ تعاليمِ ومواقفِ البدعِ والهرطقاتِ الّتي تأتي باسمِ المسيحيةِ. فالمسيحيةُ منها براءٌ، وخصوصاً تلكَ الفئةِ التي تسمّى بالمسيحيةِ الصهيونيةِ التي تتبنى معتقداتٍ وتعاليمَ بعيدةً كلُّ البعدِ عن المسيحِ وتعاليمهِ. حيثُ تنشطُ هذهِ المجموعاتُ الزائفةُ على مِنصّاتِ حوارِ الأديانِ وتعطي صورةً مشوهةً عن إيمانِنا المسيحي. وهيَ تعكفُ على استغلالِ منتدياتِ التلاقي بينَ الأديانِ من أجلِ تزييفِ وتشويهِ التاريخِ وإعطاءِ من لا يملكُ لمن لا يستحقُّ. ونحنُ في كنيستنا الروميةِ الأرثوذكسيةِ نحذّرُ من خلطِ الأوراقِ وتشويهِ العقائدِ بما يحقّقُ مآربَ الباغضينَ والمتآمرينَ، فما تعانيهُ كنيستُنا من اعتداءاتٍ على أملاكِها وأوقافِها في القدسِ وفلسطينَ هوَ جزءٌ من هجمةٍ ممنهجةٍ على جميعِ كنائسِ القدسِ.

إذ تتّخذُ هذهِ الهجمةُ عدةَ أشكالٍ: من فرضٍ للضرائبِ، إلى محاولةِ مصادرةٍ للممتلكاتِ، وإرغامِ أبنائِنا على دراسةِ المناهجِ الإسرائيليةِ. كما تعرّضت أكثرُ من خمسينَ كنيسةٍ لحرقٍ وتكسيرٍ بشعٍ على يدِ ما يُدعى جماعاتِ تدفيعِ الثّمنِ اليهوديةِ منذُ عامِ ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعٍ وستين. وللأسفِ، تبقى حملةُ الاستهدافِ مستمرةً، الأمرُ الذي يستدعي جهداً مضاعفاً من جميعِ كنائسِ العالمِ كي تلتفَّ حولَ وصايةِ جلالتِكُم لحمايةِ القبرِ المقدّسِ وحمايةِ الأماكن المقدسة وكنائسِنا التاريخيةِ في الأراضي المقدسة. وقد عبّرنا نحنُ وجميعُ كنائسِ الشرقِ الأوسطِ عن موقفِنا الثابتِ بأنَّ أساسَ السلامِ في القدسِ هوَ أن تبقى كنيسةُ القيامةِ للمسيحيينَ وحدَهُم كما هوَ المسجدُ الأقصى للمسلمينَ وحدَهم.

كما نودُّ أن نؤكّدَ، وباسمِ جميعِ كنائسِ الأراضي المُقدّسةِ بأنَّهُ لا بديلَ عن حلِّ الدولتينِ وأن تكونَ القدسُ الشرقية عاصمةَ دولةِ فلسطين. وهذا هوَ أبسطُ حقوقُ الشعبِ الفلسطينيِّ المظلوم، والتي إن استمرَّ العالمُ بتجاهُلِها سنشهدُ المزيدَ منَ الصراعِ الدينيِّ والتطرفِ والاعتداءِ على حقوقِ الآخرين.

مليكنا المحبوب

في هذا الزمنِ الصعبِ والحروبِ والمآسيَ التي تحدثُ في الدولِ المجاورةِ، وفي خضمِّ معاناةِ الإنسانِ اليوميةِ والخوفِ المتزايدِ في قلوبِ الناسِ من المجهولِ الآتي. كم كانَ الإحساسُ جميلاً والمشاعرُ جياشةً مليئةً بالثقةِ والحبِّ والأملِ عندما حصلتُم على جائزةِ تمبلتون للوئامِ والسلامِ، فهذا زادَنا فخراً واعتزازاً وحبّاً لجلالتكم، فقابلتُم العطاءَ بكرمٍ هاشميٍّ أصيلٍ ينمُّ على حرصِكُمِ المعهودِ على المقدساتِ حينَ تبرّعتُم بجزءٍ كبيرٍ من هذهِ الجائزةِ لإعمارِ كنيسةِ القيامةِ وأنتم تبرزونَ للعالمِ أجمع الصورةَ الحقيقيةَ للإسلامِ ونموذجاً فريداً للعيشِ المشتركِ وإصرارِ زعيمٍ عظيمٍ على حفاظه على النسيجِ الوطنيّ السليمِ والحقيقيِّ في مملكتِهِ.

فعملُكم هذا يا صاحبَ الجلالةِ، وأداؤُكم لمهامِّكم في وصايتِكم ورعايتِكم لمقدساتِنا الإسلاميةِ والمسيحيةِ لهو خيرُ مثالٍ للعالمِ على الجهادِ الحقيقي، ودرسٌ للجميعِ بأن يؤديَ كلٌّ عملَهُ على أحسنِ وجهٍ.

جلالةُ الملكِ المعظمِ،

ونحنُ إذ نعايدُ جلالتَكم وأبناءَ الاسرةِ الهاشميةِ والأردنيةِ بمناسبةِ عيدِ الميلادِ المجيدِ ورأسِ السنةِ الميلاديةِ نرفعُ أدعيتَنا وصلواتِنا الى الربِّ الإلهِ من أجلِ الصحةِ والتوفيقِ لجلالتِكُم لتواصلوا مسيرتَكم المباركةَ وأن يديمَ علينا نعمةَ الأمنِ والاستقرارِ ويحفظَ أردننا الغاليَ وجيشنا العربيَّ الباسلَ وكلَّ الساهرينَ على أمنِ واستقرارِ الوطنِ متمنّينَ لكلِّ أبناءِ وبناتِ الوطنِ العزيزِ كلُّ نعمةٍ وبركةٍ.

دُمتُم ودامَ الأردنُّ مباركاً إلى الأبدِ، آمين".

وتاليا كلمة نيافة المطران بيير باتيستا بتسابالا المدبِّر الرسولي لبطريرك اللاتين في القدس:

"صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله وأدامه،

فخامة الرئيس محمود عباس،

سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد،

كل عام وجلالتكم، وجميع العائلة الهاشمية، والعائلة الأردنية الواحدة، بالخير والاستقرار والطمأنينة.

يقول الإنجيل المقدس، إنه لما ولد يسوع المسيح في بيت لحم، ظهر الملاك لبعض الرعاة، الساهرين في الجوار على ماشيتهم، ومجد الله أشرق حولهم، وقال لهم الملاك: إني أبشركم بفرح عظيم: ولد لكم اليوم مخلص" (لوقا 2: 10). وقال الرعاة بعضهم لبعض: "لنذهب إلى بيت لحم ونرى هذا الأمر العظيم الذي أعلمنا به الرب".  ونحن اليوم أيضًا نذهب إلى بيت لحم، لنرى كما في كل سنة، الحدث العظيم الذي حدث فيها، وتتمة وعد الله فيها، إذ أصبح (يسوع) واحدًا منا، وسنلتقي قريبا في بيت لحم.

نذهب كل عام إلى بيت لحم حاملين آمالنا وآلامنا نضعها أمام كلمة الله، ونسأله أن يتحنن علينا ويرحمنا، وأن يملأ بفرح العيد قلوبنا ونفوسنا. بالرغم من كل الصعاب التي تتعرض لها منطقتنا والعالم، نحن عازمون على ألا نترك الفرح يهجرنا في هذه الأيام. لا نريد أن نطفئ أضواء الميلاد التي تزين شوارعنا ومسارحنا وتضيء نفوسنا، ولا أن نُسكِت ألحان العيد ورسالته. بل نريد، مثل الرعاة، أن نعبّر عن فرحنا. 

في الأردن كانت في هذا العام نعم الله علينا عديدة. أولها نعمة العيش المشترك والحوار الذي يقرب بين المؤمنين في دياناتهم المختلفة. والنعمة الثانية، روح رسالة عمان، التي ما زالت تغذي روح الاعتدال وقبول الآخر والاحترام المتبادل. وهي نعمة كبيرة أخيرا أننا في الأردن، في ظل جلالتكم، نكوِّن عائلة واحدة. إن الأردن ولو كان صغيرا في حجمه إنما هو حجر الزاوية لاستقرار المنطقة كلها.

ولكن، في المنطقة، هناك ما يدعو إلى القلق والخوف على أنفسنا وعلى كنائسنا. في الواقع، كان علينا في هذه السنة الماضية أن نواجه صعابًا كثيرة هدَّدت استقرار جماعاتنا ولا سيما في القدس.

جماعاتنا المسيحية صغيرة من حيث العدد، ولكنها نشطة وفاعلة وخادمة في مؤسساتها الكثيرة ومدارسها ومستشفياتها. هكذا تسهم في بناء المجتمع يدًا بيد مع جميع المواطنين، وذلك لبناء الأمة، وللمحافظة على هوية القدس وطابعها الشمولي، مدينةً مقدسةً للديانات الموحدة، لجميع أبناء ابراهيم، كما يؤكد على ذلك مرارًا البابا فرنسيس في كل المناسبات.

كان علينا في الأشهر الأخيرة، مع الأسف، أن نرفع صوتنا مرات كثيرة لتثبيت حريتنا واحترام مؤسَّساتنا. ولإسماع صوتنا في العالم كله، أُجبِرنا على اللجوء إلى إغلاق كنيسة القيامة، إذ وجدنا أنفسنا أكثر من مرة في وسط الصراعات السياسية، وتعرضنا للقرار أحادي الجانب لفرض الضرائب على مؤسساتنا الدينية، والذي كان تهديدا مباشرًا لبقائنا، وبقاء نشاطاتنا الاجتماعية والخيرية.

وعليه، فإن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، خاصةً في سوريا والعراق، إضافةً الى التوازن المتغير اقليمياً وعالمياً، والذي يرافقه ركود اقتصادي، يخلق ارتباكا ويثير مخاوف لدى الناس. وفي بعض المرات، تولد أزمة داخل مجتمعنا بسبب رسم ديني تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، فيسبب احتقانا وتوترا نحن في غنى عنه. لذا بات لزاما علينا العمل معا- وهذا ما حدث- للمحافظة على صلابة وثبات التوازن المجتمعي والديني.

صاحب الجلالة،

في هذه المناسبة، إننا نجد في جلالتكم ملجأ في الشدائد، فقد كنتم وكانت العائلة الهاشمية دائمًا ليس فقط حارسا للأماكن المقدسة، بل أيضًا ضامنا للسلام الاجتماعي والديني في الأردن وفلسطين.

إننا ندعم جهودكم ومساعيكم لضمان إسماع صوت شعبكم، مسيحيين ومسلمين، في جميع الهيئات الإقليمية والدولية، وحتى يتم الحفاظ على التوازن الدقيق في المدينة المقدسة، ويُسمَع صوات فقراء الأرض المقدسة، فيجدون مكانهم فيها ويُعامَلون بحسب العدل والحقيقة.

في هذه المناسبة، أود أن أهنئ جلالتكم بحصولكم على جائزة تمبلتون التي قدمت لكم مؤخراً، تقديرًا لما تقومون به في تعزيز الحوار والاحترام المتبادل في بلدكم وفي المجتمع الدولي. بصفتي راعياً دينياً، أشيد أيضاً بقراركم بالتوجيه بإصدار عفو عام، وهي علامة على التسامح والرحمة. في هذه المناسبة أيضا أود أن أشكر العائلة الهاشمية على الدعم المستمر للكنائس في احتياجاتها المختلفة، من خلال سمو الأمير غازي، ومكتبه.

ليبارك الرب جهودنا جميعًا في بناء مجتمع أفضل، وكلمة الله الذي قرر أن يولد في بيت لحم وأن يسكن بيننا، فليرافقنا في مجتمعاتنا، وليحلَّ في بيوتنا وفي قلوبنا.

كل عام وأنتم جميعا بخير".

وفيما يلي كلمة رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية سماحة الشيخ عبد العظيم سلهب:

" بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي الأمين الذي أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث صلى بأنبياء الله ورسله إماماً ومن حيث عرج به إلى السموات العلى،

قال تعالى: "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" صدق الله العظيم (البقرة 136)

سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.

فخامة الرئيس محمود عباس،

صاحب السمو الملكي ولي العهد المحبوب الأمير الحسين بن عبدالله الثاني،

قبل أيام احتفلنا واحتفل المسلمون في شتى بقاع الأرض بمولد خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الأيام يحتفل المسيحيون بمولد سيدنا عيسى عليه السلام، فأنتهز هذه الفرصة وأقول لأهلنا المسيحيين: كل عام وأنتم بخير.

نحن وإياكم أهل وعشيرة  تقاسمنا  لقمة العيش سويا في الأرض المباركة نواجه ظروف الحياة حلوها ومرها مستندين بعيشنا المشترك إلى العهدة العمرية منذ ألف وأربعمائة عام، عهدة أساسها وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي توجب علينا كمسلمين الدفاع عن كنيسة القيامة والحفاظ عليها للمسيحيين وحدهم كما نحافظ ويحافظ المسيحيون على المسجد الأقصى المبارك للمسلمين وحدهم، وهذه القاعدة هي أساس العدل والسلام، وما عداه من محاولات الادعاء بالشراكة أو التقسيم أو الاحتلال فهي اعتداءات مرفوضة لن تجلب إلا الكراهية والحرب الدينية. 

قدمنا، يا جلالة الملك، من بيت المقدس من رحاب المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف إلى الأردن أرض الحشد والرباط، نحمل معاناة وهموم أهل القدس الذين صبروا ورابطوا وتصدوا وقاوموا الاحتلال أكثر من خمسين عاما ولا زالوا يدافعون عن مقدساتهم، فما لانت لهم قناة ولم تنكسر لهم إرادة.

إننا في بيت المقدس مسلمين ومسيحيين في حالة اشتباك يومي حياتي مع ما تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من ادعاء سيادة على جميع أنحاء المدينة المقدسة بقوة السلاح، فهي تحاصر المدينة  بسور عنصري يحاول عبثا أن يفصلها عن فلسطين، وتطوقها  بالمستوطنات داخل المدينة وخارجها وتستولي على العقارات بطرق الغش والتزوير، وتفرض المناهج التهويدية على أبناء القدس العرب، وتهود المدينة بتغيير أسماء الشوارع والأحياء فيها، وتنفذ الحفريات أسفل المدينة وتحت جدران المسجد الأقصى المبارك، ناهيك عن  الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك التي  تقوم بها أذرع الأمن الإسرائيلية ومن توظفهم من غلاة المتطرفين اليهود وأعضاء التنظيمات الإرهابية، وكان آخرها اقتحام مسجد قبة الصخرة المشرفة، ومحاولة المتطرفين اليهود إقامة صلوات تلمودية على الجدار الشرقي للمسجد الأقصى في مقبرة باب الرحمة التاريخية التي تضم رفاة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء والصالحين ومن بينهم شهداء جيشكم العربي الأردني الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى القدس وجدران الأقصى الطاهرة.

إن هذه الاعتداءات تضع المسجد الأقصى في مخاطر غير مسبوقة وهي تعبير واضح عن سياسة عدوانية ممنهجة لحكومة يمينية متطرفة مدعومة من قبل الصهيونية العالمية والحركة الإنجيلية المتصهينة. إن اسرائيل تريد تحويل قضية الاحتلال إلى صراع ديني من أجل فرض حوار ديني تروج له بعض الجهات الصهيونية وغيرها، وموقفنا واضح من أن أي حوار ديني مع المحتل حول القدس وفلسطين خط أحمر لا يقبل به إلا من يقبل بالاحتلال. 

يا صاحب الجلالة، إن ما تحاول إسرائيل فرضه على المسجد الأقصى المبارك من أوامر وقوانين صادرة عن محاكمها وبرلمانها لن يكسبها أي حق في المسجد الأقصى وهي قرارات باطلة مرفوضة. ونؤكد على أن الأوقاف الإسلامية الأردنية تحت وصاية جلالتكم الهاشمية هي صاحبة الحق والمسؤولية في إدارة المسجد والقيام بواجب إعماره وصيانته وترميمه.

صاحب الجلالة

ثقوا أننا على العهد باقون، نلتف حول المسجد الأقصى ما دام فينا عرق ينبض ونتمسك بالرعاية الهاشمية على المسجد الأقصى والمقدسات، نثمن عاليا جهود جلالتكم الدولية المخلصة بالتنسيق مع دولة فلسطين ومن نتائجها مجموعة قرارات اليونسكو الداعمة لحقوقنا الثابتة في المسجد الأقصى ومدينة القدس. ولإن إسرائيل تضرب بهذه القرارات عرض الحائط، فهذا يتطلب منا تكثيف الجهود محليا ودوليا للتصدي لهذا العدوان والالتفاف حول المسجد الأقصى المبارك والصلاة والرباط فيه في كل الأوقات، وتشجيع المسلمين من كل أقطار الدنيا لزيارة الأقصى وتكثير سواد المسلمين فيه، والأمل معقود على جلالتكم بأن تقودوا جهداً عربيا إسلاميا لحماية المسجد الأقصى ونصرة قضيته التي هي أنبل وأقدس قضية، نصرة حقيقية تتجاوز بيانات الشجب، وتترجم دعم صمود أهل القدس إلى واقع حياتي قبل فوات الأوان.  

إننا ندعوكم يا صاحب الجلالة إلى استمرار العمل والدعوة للتواصل مع أهل القدس واستمرار الحث على زيارة المدينة المقدسة والتعبد في المسجد الأقصى المبارك وزيارة كنيسة القيامة لمجابهة التهديد والتزييف والتزوير الإسرائيلي لتاريخ القدس وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس، وسيبقى الأردن الحصن المنيع للدفاع عن القدس ومقدساتها، أسأل الله العلي القدير أن يحفظ جلالتكم ويحفظ الأردن واحة أمن واستقرار.  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

وتضمن الاحتفال، الذي ينظمه مجلس رؤساء الكنائس في الأردن يومي 18 و19 كانون الأول في مركز الحسين، فقرات فنية وثقافية من أداء جوقة ينبوع المحبة، وأوركسترا المعهد الوطني للموسيقى، وعدد من الفنانين.

وحضر الاحتفال رئيس الديوان الملكي الهاشمي، ومستشار جلالة الملك، مدير مكتب جلالته، وقاضي القضاة، ومفتي المملكة، وعدد من كبار المسؤولين وقيادات وشخصيات مسيحية وإسلامية في الأردن وفلسطين.

المملكة