حدّدت محكمة في الخرطوم السبت، يوم 14 كانون الأول/ديسمبر المقبل، موعداً للنطق بالحكم في قضية الفساد المالي، التي يحاكم فيها الرئيس المعزول عمر البشير، في حين احتشد عشرات من أنصاره خارج مقر المحكمة رفضاً لتسليمه للقضاء الدولي الذي يلاحقه بجرائم حرب وإبادة وضدّ الإنسانية.

والبشير ملاحق بموجب مذكّرة توقيف دولية، بتُهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضدّ الإنسانيّة خلال النزاع في إقليم دارفور في 2003.

وقال رئيس المحكمة القاضي الصادق عبد الرحمن، في ختام جلسة خصّصت للاستماع لشهود الدفاع وجرت بحضور الرئيس السابق إنه "تم تحديد 14 من ديسمبر القادم موعداً لجلسة النطق بالحكم".

وأفاد مراسل وكالة فرانس برس الذي حضر الجلسة أنّ مرافعات طرفي الاتهام والدفاع ستقدّم إلى المحكمة كتابة ولن تعقد بالتالي أي جلسة بعد الآن إلا جلسة النطق بالحكم.

والبشير (75 عاماً) الذي أطاح به الجيش في نيسان/أبريل، عقب أشهر من الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة ضدّ حكمه الذي استمر 3 عقود، موقوف مذاك ويحاكم حالياً بتهمة حيازة واستخدام أموال أجنبية بشكل غير قانوني، وهي جريمة تصل عقوبتها إلى السجن لمدة 10 سنوات.

 "الثراء الحرام" 

وفي 31 آب/أغسطس، خلال جلسة المحاكمة الثالثة، أكّد القاضي عبد الرحمن أنّه تمّ العثور في منزل الرئيس السابق على أموال من عملات مختلفة.

وقال يومها القاضي مخاطباً البشير "أتهمك بأنّه ضبط في (16 نيسان/أبريل 2019) في داخل منزلك مبالغ 6.9 مليون يورو ونحو 351 الف دولار و5.7 مليون جنيه سوداني (110 آلاف يورو) حزت عليها من مصدر غير مشروع وتصرّفت فيها بطريقة غير مشروعة وقمت باستلامها بطريقة غير مشروعة".

وأضاف "لقد ارتكبت فعلاً مخالفاً (للمواد ذات الصلة في) قانون الثراء الحرام وقانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي".

وردّاً على سؤال القاضي عن مصدر الأموال، قال البشير إنّه تلقّى 25 مليون دولار نقداً من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإن هذه الأموال لم تودع في المصرف المركزي السوداني أو وزارة المالية "لأن الأمير لا يريد لاسمه أن يظهر".

وأكّد البشير يومها أنّه لم يستخدم مبلغ الـ25 مليون دولار "لمصلحة خاصة، وإنما تبرعات لجهات وأفراد ودعم لشركات تستورد القمح".

وعلى غرار الجلسات السابقة جلس البشير السبت، داخل قفص الاتهام في قاعة المحكمة مرتدياً الجلباب السوداني التقليدي الأبيض.

ولدى دخوله إلى قاعة المحكمة وخروجه منها هتف عشرات من أقاربه "الله أكبر"، كما اندفعوا عند انتهاء الجلسة إلى القفص حيث حاولوا أن يسلّموا عليه.

وبدأت محاكمة البشير في 19 آب/أغسطس، بعد يومين من توقيع اتفاق تاريخي بين المجلس العسكري وقادة الحركة الاحتجاجية لتقاسم السلطة خلال فترة انتقالية.

وبعد إطاحته، نقل البشير إلى سجن كوبر الشديد الحراسة في الخرطوم، حيث كان يحتجز في عهده آلاف السجناء السياسيين.

وفي أواخر نيسان/أبريل، أعلن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الحاكم آنذاك، وضع اليد على ما يزيد عن 113 مليون دولار في مقر إقامة الرئيس السابق في الخرطوم.

وتجري محاكمة البشير بتهمة الفساد المالي في وقت تعالت فيه أصوات تطالب بتسليم الرئيس السابق إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعد إعلان "قوى الحرّية والتغيير"، رأس حربة الحركة الاحتجاجيّة، أنّ لا تحفّظات لديها على تسليمه للاهاي.

 تظاهرة مؤيّدة 

وبينما كانت الجلسة ملتئمة داخل مقرّ المحكمة كان عشرات من أنصار الرئيس المعزول يتظاهرون خارجها تعبيراً عن رفضهم لتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ورفع المتظاهرون صوراً للرئيس السابق ورددوا هتافات مؤيّدة له ومندّدة بالمحكمة الجنائية الدولية، من بينها "عاهدناك ونحنا معاك" و"عاهدناك وما منخونك" و"لا للمحكمة الجنائية الدولية".

وقال محمد علي دقلاي (27 عاماً) أحد المتظاهرين لوكالة فرانس برس "جئت للقول إنّ سيادة الرئيس عمر حسن البشير هو رئيس كل السودان ويعتبر رمزاً للسودان وللتاريخ الوطني السوداني".

وأضاف "لدينا في السودان قضاء مستقلّ وإذا كان لا بدّ من محاكمات فليحاكَم أمام القضاء السوداني"، متّهماً الجنائية الدولية ومقرّها لاهاي بأنّها "محكمة سياسية تستخدمها الدول الغربية للضغط على الشعوب الضعيفة".

وأصدرت المحكمة الجنائيّة الدوليّة مذكّرات توقيف بحقّ البشير بتُهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضدّ الإنسانيّة خلال النزاع الذي اندلع في إقليم دارفور في 2003، وهي تهم ينفيها الرئيس السابق.

واندلعت الاحتجاجات ضد البشير في كانون الأوّل/ديسمبر 2018 بسبب زيادة أسعار الخبز. واتّسعت رقعة التظاهرات ضدّ نظامه، حتّى أطاحه الجيش في 11 نيسان/أبريل الماضي.

ويتولّى الحكم في السودان حالياً مجلس سيادة من المدنيّين والعسكريّين لفترة انتقاليّة تنتهي بإجراء انتخابات تنقل السلطة إلى المدنيّين بالكامل.

واندلع النزاع في دارفور في 2003 عندما تمرّد مسلّحون ينتمون إلى أقليات إثنية أفريقية على حكومة البشير، متهمين إياها بتهميش الإقليم اقتصادياً وسياسياً وبممارسات عنصرية، فردّت الخرطوم على التمرّد بحملة عسكرية تخللتها فظائع.

وتفيد الأمم المتحدة أنّ النزاع في الإقليم أوقع 300 ألف قتيل، وتسبّب في تهجير 2.5 مليون شخص من منازلهم.

المملكة + أ ف ب