جاء أرشد علي من مدينة لاهور الباكستانية إلى الأردن عام 1977 بناء على نصيحة قريب كان يعمل في قطاع الغزل والنسيج في المملكة.

قريبه كان في الأصل يريد دعوة أخواله للعمل في مصنع غزل ونسيج، عندما اتصل بـ علي وأخبره عن حاجة هذا المصنع لعمال.

لم يكن علي يملك الخبرة اللازمة، بعكس أخوال علي، لكنه تلقى تدريبا، وقدم إلى الأردن.

الثورة النفطية أثرت على الأردن بشكل كبير، فالارتفاع المفاجئ في أسعار النفط عام 1973 دفع كثيرين للتفكير في الهجرة، تحديداً إلى دول الخليج، التي كانت بحاجة إلى عمّال.

نحو نصف الأردنيين القادرين على العمل هاجروا في تلك الفترة؛ مما استلزم سن قوانين صارمة ضد الهجرة للحفاظ على القوى العاملة الأردنية.

ارتفع معدل الإضرابات العمالية في الأردن بحلول عام 1975، إذ حاولت القوى العاملة استغلال نقص العمالة للضغط على أصحاب العمل من أجل الحصول على مزيد من الامتيازات.

عمل محمد أبو زينة، وفتح الله العمراني حينها في قطاع الغزل والنسيج في الأردن، وشهدا تلك المرحلة وشاركا في إضراب دعت إليه نقابة عمال الغزل والنسيج أواخر عام 1975، وانتهى في كانون ثاني/ يناير1976.

حقق العمال حينها بعض مطالبهم، لكن استقدام شركات لعمال باكستانيين لم يكن متوقعا، وتطور اعتبره أبو زينة "فاتحة قدوم العمالة الوافدة" إلى الأردن.

استفزاز

استقدام 19 عاملا باكستانيا في تلك المرحلة استفز العمّال الأردنيين، واعتبر مخالفة لقانون العمل بحسب جريدة الرأي الصادرة بتاريخ 7/1/1976.

ويرى هاني الحوراني، باحث، ومؤلف كتاب "الاقتصاد الأردني"، أن تلك الخطوة "كانت وسيلة من أصحاب العمل لكسر القدرة العالية للمساومة لدى العمال".

سُجن فتح الله العمراني، الذي يشغل حاليا منصب رئيس نقابة عمال الغزل والنسيج، إثر إضراب عام 1976، وأفرج عنه في العام نفسه، في عيد العمال، أو يوم العمال العالمي.

في عام 1977، وصل إلى الأردن نحو 100 باكستاني للعمل في مصانع الغزل والنسيج المحلية كان علي من بينهم.

أنشئت وزارة العمل عام 1977، في وقت لم يتجاوز عدد العمال الوافدين في الأردن 5 آلاف عامل.

بعد عام من وصول علي إلى الأردن، أي في 1978، وقعت أول اتفاقية لتبادل القوى العاملة بين الأردن وباكستان.

تزامن وصول علي مع إطلاق مشروع "الإخضرار الكبير" في الأردن، الذي وزعت ضمنه سلطة وادي الأردن أراض زراعية؛ مما خلق حاجة إلى عدد أكبر من المزارعين.

مع الثورة النفطية، بدأت القوى العاملة في الميل إلى العمل في القطاع الحكومي؛ إذ انخفضت نسبة القوى العاملة في الزراعة من 37% إلى 7% فقط.

 عمال من مصر

شهدت تلك الفترة قدوم عمال مصريين للعمل في الأردن، مستفيدين من التسهيلات والعلاقات بين البلدين، في ظل المقاطعة العربية لمصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في عام 1978.

سيد محمد، الذي كان يعمل جزارا في مصر، وصل إلى الأردن عام 1982، وعمل بداية في الزراعة، ثم في البناء.

آلاف المصريين خرجوا من بلادهم في تلك الفترة بعدما كانت هجرتهم للعمل ممنوعة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.

تزايد حجم العمالة الوافدة في الأردن، الأمر الذي دفع الحكومة لإصدار أول قانون يخص العمالة الوافدة عام 1984، وفرض رسوم على العامل الوافد.

ازداد الطلب على المنتوجات الأردنية أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، ومن بينها صناعة الملابس؛ مما زاد حاجة السوق المحلية إلى العمالة الوافدة.

في ذلك الوقت، كان يعمل في قطاع الغزل والنسيج الأردني 40 ألف عامل مصري.

ما إن انتهت الحرب العراقية الإيرانية، حتى بدأت حرب الخليج الثانية (1990-1991). في تلك الفترة، ذكرت تقديرات أن نحو مليوني مصري عادوا إلى بلادهم من العراق عبر الأردن، حيث استقر بعضهم.

تزايد الشعور بنمو حجم العمالة الوافدة في عام 1989، خاصة مع ارتفاع البطالة إلى 20%، وتعالي أصوات المطالبين بضبط سوق العمالة الوافدة.

شرق آسيا

يتذكر علي أن العمال المصريين الذين عملوا معه في المصنع نفسه استمروا فيه حتى عام 1990، ثم تركوا القطاع بسبب تراجع الطلب على الملابس، وتنفيذ مشاريع حكومية لإحلال عمالة محلية بدل الوافدة.

ارتفع عدد العمال الوافدين من 5 آلاف في عام 1976 إلى 255 ألفا عام 1996، وهو العام الذي شهد تأسيس المناطق الصناعية المؤهلة، التي تحولت إلى مناطق حرة بفعل اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.

في ذلك الوقت، دخل سوق الأردن عمّال من جنسيات مختلفة، من دول في شرق آسيا، إضافة إلى أصحاب شركات من مختلف الجنسيات.

البحث عن الأيدي العاملة الرخيصة جعل الأردنيين يعزفون عن العمل في الغزل والنسيج؛ إذ كانت تشكل نسبة العمالة المحلية في تسعينيات القرن الماضي نحو 70% من حجم العمالة في مصانع المناطق الصناعية المؤهلة، لكنها انخفضت تدريجا إلى 25%.

تقاعد علي من المصنع الذي كان يعمل فيه عام 2004، وقرر العودة إلى باكستان مع زوجته الأردنية، التي تعرف عليها في مصنع في الزرقاء.

لكن علي عدل عن قراره بعد أن أبلغه العمراني برغبة النقابة في تعيينه مترجما للتواصل مع العمالة الجديدة المتزايدة في قطاع الغزل والنسيج، كونه يتقن الأوردو، وهي لغة تتقنها غالبية من عمال شرق آسيا القادمين إلى الأردن.

علي الآن واحد من 900 ألف عامل وافد في الأردن، بحسب أرقام وزارة العمل. 

المملكة