جهود جلالة الملك عبد الله الثاني الإقليمية والدولية في التشديد على موقف الأردن الثابت تجاه القدس وحل الدولتين، خاصة مع الولايات المتحدة، تهدف إلى منع تصفية القضية الفلسطينية ولإحباط ما يعرف بـ "صفقة القرن،" التي تدعمها واشنطن، وفقا لمختصين.

الملك عبد الله الثاني، الذي يجري مباحثات اليوم مع قيادات الكونجرس في واشنطن، اجتمع أمس الاثنين بالرئيس دونالد ترامب بعد لقائه كبار مسؤولي الإدارة الأميركية الجمعة.

ورفض ترامب خلال لقائه بالملك الإفصاح عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأمر الذي دفع بسياسيين للإشارة إلى عدم رغبة الولايات المتحدة بالكشف عن نواياها صراحة ورغبتها بإقرار "صفقة القرن".

ورغم عدم تطرق أي من المسؤولين المعنيين لمصطلح "صفقة القرن" صراحة، إلا أن تقارير إعلامية لخصتها بشكل عام بأنها " تدعو إلى الاعتراف بكامل القدس عاصمة لإسرائيل، إضافة إلى ضم المستوطنات في الضفة الغربية رسمياً إلى دولة الاحتلال".

وبموجب ما يتداول حول الصفقة فإنه "لن يكون هناك دولة فلسطينية، إنما حكم ذاتي على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وأجزاء من شمال سيناء المصرية".

حل الدولتين

يقول رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري إن القضية الفلسطينية “هي الأبرز للأردن، وما يقوم به جلالة الملك عبر لقائه مسؤولين أميركيين وزيارته لواشنطن يدل على تحفظ الأردن على خطة لم يتم تبنيها عربياً ويوشك ترامب على إعلانها."

ويوضح المصري بأن "الأردن يسعى بقيادة الملك إلى التخفيف من الاعوجاج وحدة الانحياز الأميركي تجاه القضية الفلسطينية لأنها تمس الأردن مباشرة".

والتقى الملك مؤخراً في العاصمة عمان بصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، إضافة لمبعوث الرئيس الخاص لعملية السلام في المنطقة جيسون جرينبلات.

كما اجتمع الملك قبل أكثر من اسبوع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عمّان، إذ أكد الملك خلال لقائه على موقف الأردن الثابت تجاه القضية الفلسطينية وحل الدولتين.

بشر الخصاونة، وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً، يلفت إلى أن "موقف جلالة الملك كان واضحاً بإعادة التأكيد مرة أخرى على أن أي حل سياسي مستدام يجب ان يرتكز على حل الدولتين (...)".

ويرتكز حل الدولتين على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، استنادا على القرارات الدولية.

"موقف جلالة الملك والأردن يرتكز على قناعته في حل يقبل به الشعب الفلسطيني ويحقق الأمن والأمان لشعوب المنطقة، ويعد نقلة نوعية للمنطقة من حالة الصراع الممتد على نحو 6 عقود مضت،" حسب الخصاونة.

وذلك الموقف أسس بناء "على فهم عميق لطبيعة المنطقة والصراع فيها وجذور المشاكل التي سببها غياب حل سياسي للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي"، كما يفيد الخصاونة.

ويشرح الخصاونة ان قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة لأمم المتحدة ترفض تكريس وقوننة الاحتلال، وتعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية أراضٍ محتلة.

ويضيف "الأردن يشبّك مع أي جهود سياسية للوصول إلى حلول، مستنداً إلى مواقف ثابتة، وقابضاً على جمر المبادئ المرتكزة على فكرة العدالة التي يجب أن تتحقق للشعب الفلسطيني والقضايا العربية".

مهمة صعبة

لا يتوقع الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي "أن يكون هناك عملية سلام في ظل ما حظي به الجانب الإسرائيلي من التزام أميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وموقف الإدارة الأميركية الذي لا يقر حق العودة."

وأعلن ترامب عن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية العام الماضي، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى المدينة المقدسة في 14 مايو 2018 بالتزامن مع إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.

الأردن صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس بموجب اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل في عام 1994 وبموجب اتفاقية وقعها الملك عبد الله الثاني مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2013.

ويقول الرنتاوي إن الجانب الإسرائيلي "يسعى للحصول على دعم أميركي بضم المستوطنات في الضفة الغربية والجولان المحتل رسمياً إليه وتصفية القضية الفلسطينية، بينما يكون المطلوب من الولايات المتحدة هو احتواء الغضب الفلسطيني."

وبحسب الرنتاوي "تبدي الولايات المتحدة اهتماما بالوضع الإنساني في غزة لأنها تعد نقطة احتكاك مع إسرائيل وهناك محاولة لنزع فتيل الانفجار، لكن على المدى البعيد فإن واشنطن تتوجه لإقامة حكم ذاتي غير كامل للفلسطينيين على قطاع غزة وبقايا الضفة الغربية".

"صفعة"

في حين يرى المصري "أن قرارات ترامب فيما يتعلق بالقدس حكمت على المفاوضات سلفاً. أي حل سيأتي دون القدس وعودة اللاجئين سيكون حلاً ناقصاً."

لا تكشف الولايات المتحدة عن نواياها صراحة، يقول الرنتاوي، الذي يرى أيضاً أن الإدارة الأميركية "لن تجد فلسطينياً واحداً يقبل بالتفاوض على ما يعرف بصفقة القرن."

ويتفق الرنتاوي مع رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري "بأن المهمة أمام الأردن صعبة."

ويقول المصري "إنه لا غنى عن الأردن في المشاركة بحل القضية الفلسطينية، لكنه في موقف صعب بوجود حل أميركي غير مناسب، ولن يكون الأردن قادراً لوحده على مساعدة الفلسطنييين."

"المهمة كبيرة ولا اعتقد أن الأردن وحده سيكون قادراً على تغيير السياسة الأميركية، وهناك حاجة لموقف عربي صلب ومتكامل في مواجهة الصفقة"، يقول الرنتاوي.

لكن الرنتاوي أوضح "ان تأكيد الملك الدائم على موقف الأردن من القضية الفلسطينية، وثبات هذا الموقف يشكل صفعة للإدارة الأميركية التي راهنت على أنه في حال عدم رضى الفلسطينيين عن الصفقة فسيكون الأردن والدول العربية جزءاً من هذا الحل".

مطلوب من الأردن "أن يلعب دوراً في صفقة القرن، لكن عدم تجاوبه يحبط المسعى الأميركي"، بحسب الرنتاوي.

"رغم أن الولايات المتحدة داعم للأردن، إلا أن المعادلة صعبة وهناك مواقف لا تشترى بالمال خاصة وأن الهاشميين أصحاب الوصاية على المقدسات في القدس"، وفقا للرنتاوي.