ركزت قوات الحكومة السورية وحليفتها روسيا الإثنين قصفها على مدينة درعا ما أرغم عشرات العائلات على الفرار، في تصعيد عسكري مستمر ضد الفصائل المعارضة في جنوب سوريا.

وتسعى قوات الحكومة لعزل مناطق سيطرة المعارضة وتقسيمها الى جيوب عدة، ما يسهل عليها عملياتها العسكرية لاستعادة السيطرة على جنوب البلاد.

وتشكل محافظة درعا منذ أسبوع هدفاً لقصف سوري عنيف انضمت اليه روسيا قبل يومين، يطال خصوصاً ريفها الشرقي، وتسبب بمقتل 29 مدنياً على الأقل وبنزوح اكثر من عشرين الف شخص وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.

وتكتسب المنطقة الجنوبية خصوصيتها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع اسرائيل والأردن، عدا عن قربها من دمشق، وتسيطر الفصائل على سبعين في المئة من محافظتي درعا والقنيطرة الحدودية مع اسرائيل، ويقتصر وجودها في محافظة السويداء على أطرافها الغربية.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس الاثنين "استهدفت قوات الحكومة بعد منتصف الليل أحياء سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة درعا بأكثر من 55 صاروخا من نوع أرض-أرض قصيرة المدى"، قبل أن يتدخل الطيران المروحي في قصف المدينة بالبراميل المتفجرة.

وشاركت الطائرات الروسية في قصف أحياء المعارضة في المدينة وقاعدة عسكرية جنوب غربها.

وتركز القصف الروسي والسوري لاحقاً على ريف المحافظة الشرقي حيث تحاول قوات الحكومة مواصلة تقدمها، بعد سيطرتها منذ الثلاثاء على سبع قرى، وفق المرصد.

وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن وحدات الجيش تواصل "عملياتها العسكرية على أوكار الإرهابيين في ريفي درعا الشرقي والشمالي الشرقي".

ودفع القصف على مدينة درعا الكثير من المدنيين الى الفرار.

وتوجهت عشرات العائلات وفق مراسل فرانس برس، من أحياء طالها القصف الى حقول الزيتون المحيطة بالمدينة سيراً على الأقدام أو على دراجات نارية، ولجأت الى خيم أو غرف صغيرة مبنية في تلك الحقول.

وقال أحمد المسالمة (31 عاماً) بعدما فر مع عائلته ليلاً لفرانس برس "لم نعرف ماذا حدث، كنا نائمين ولم نشعر الا والقصف بدأ بشدة والاطفال يرتجفون من الخوف"، مضيفاً "خرجنا من منازلنا ولم نعلم الى أين نذهب".

وتابع جالسا في ظل شجرة زيتون "لا نعرف لماذا يضربنا النظام، للمرة الأولى يكون القصف بهذا العنف".

-"فصل" مناطق الفصائل -

وترد الفصائل على التصعيد باستهداف مناطق سيطرة قوات الحكومة. وأفادت سانا الاثنين عن استهداف الفصائل "الأحياء السكنية" لمدينة السويداء بالقذائف الصاروخية.

في محافظة درعا، تحاول قوات الحكومة وفق المرصد التقدم على محورين "لفصل مناطق سيطرة الفصائل المعارضة الى ثلاثة جيوب تمهيداً لتسهيل السيطرة عليها"، وهي الاستراتيجية العسكرية التي لطالما اتبعتها دمشق لاضعاف الفصائل وتشتيت جهودها قبل السيطرة على مناطقها.

وتقسم مناطق سيطرة قوات الحكومة المحافظة تقريباً الى قسمين تسيطر عليهما الفصائل، وتربطهما حالياً قاعدة عسكرية خسرتها القوات الحكومية عام 2014.

وأوضح عبد الرحمن "تسعى قوات الحكومة بدعم جوي روسي الى السيطرة على هذه القاعدة القريبة من الأردن، لتفصل مناطق سيطرة المعارضة بالكامل الى قسمين شرقي وغربي".

وتحاول قوات الحكومة كذلك التقدم على محور ثان في ريف درعا الشرقي عبر السيطرة على بلدة بصر الحرير التي تتعرض لغارات روسية وسورية ودارت فيها الاثنين معارك عنيفة. وفي حال سيطرتها عليها، يصبح بإمكان قوات الحكومة أن تقسم الجزء الشرقي حيث الفصائل الى جيبين.

وتعرضت بصر الحرير لقصف سوري بأكثر من 20 برميلاً متفجراً خلال الساعات الأخيرة، تزامناً مع قصف مدفعي وصاروخي على منطقة اللجاة المحاذية ما أدى الى خروج مركز للدفاع المدني من الخدمة.

وأعلن الدفاع المدني في محافظة درعا أن كوادره "لم تتمكن من الوصول الى المناطق المستهدفة من شدة وتيرة القصف".

- مفاوضات او هجوم أوسع -

وحذرت الأمم المتحدة من تداعيات التصعيد على نحو 750 الف شخص في مناطق سيطرة الفصائل في الجنوب في وقت أعلن الأردن عدم قدرته على استيعاب موجة لجوء جديدة.

وقال المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا علي الزعتري في تغريدة على موقع تويتر الأحد "يجب تفادي أي أزمة إنسانية في جنوب سوريا، عبر تجنيب المدنيين آلام القتال أولاً والاستجابة لها بسرعة من داخل سوريا وخارجها ثانياً".

ويأتي هذا التصعيد برغم وقف لاطلاق النار تم التوصل اليه قبل عام في المنطقة الجنوبية برعاية روسية أردنية اميركية. وتشكل المنطقة محور محادثات تتولاها روسيا مع الاميركيين والاسرائيليين والاردنيين.

وأوضح المحلل المتخصص في الشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر في تصريحات لفرانس برس أن قوات الحكومة تهدف من خلال قصفها إلى "الضغط من أجل مفاوضات دولية او محلية، كما التمهيد لهجوم أوسع في حال لم تحرز المفاوضات تقدماً".

وتلقت الفصائل المعارضة رسالة من واشنطن، أبلغتها فيها أنها لا تنوي التدخل عسكرياً إلى جانبها في الجنوب، وفق ما أكد قيادي معارض لفرانس برس الاحد، من دون أن تعلق واشنطن عليها.

ورأى هيلر أن "الاميركيين لم ينخرطوا بشكل جدي في مفاوضات بشأن الجنوب، ومن غير المتوقع أن يتدخلوا عسكرياً"، مضيفاً "تدعم واشنطن جهوداً أردنية، لكنها لم تضع وزنها السياسي أو العسكري في حل للجنوب".

وفي جنيف، عقد مبعوث الامم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا لقاء مع ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وبريطانيا والاردن والسعودية لبحث الملف السوري.

وجرى خلال الاجتماع، وفق مكتب دي ميستورا، التعبير عن القلق ازاء التصعيد العسكري في الجنوب والدعوة إلى "وقف فوري" للعنف.

ا ف ب