مرّ عام على اتفاق الهدنة بين القوات الحكومية والحوثيين في محافظة الحديدة اليمنية، لكن المنطقة الحيوية التي تشكّل شريان حياة لمئات ملايين السكان، لا تزال تبدو بعيدة عن السلام، وإن كانت تشهد تراجعا في وتيرة العنف.

على مدى الأشهر الـ12 الماضية، أخمدت الاشتباكات المتقطّعة والغارات الجوية وبطء تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه في السويد في 13 كانون الأول/ديسمبر 2018، آمال سكان المحافظة الغربية الساحلية.

وكانت القوات الحكومية المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية، شنّت في منتصف عام 2018 حملة كبرى على الساحل الغربي لليمن في محاولة لدخول مدينة الحديدة، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، وتمكنت من استعادة جزء كبير من المدينة من أيدي الحوثيين المدعومين من إيران.

وسيطر الحوثيون على الحديدة في 2014 في خضم حملة عسكرية بدأت بوضع اليد على العاصمة صنعاء ثم التوسّع نحو مناطق أخرى، ما دفع بالسعودية إلى التدخل على رأس التحالف العسكري في آذار/مارس 2015.

وتسبّبت معارك الحديدة التي تضم ميناء رئيسيا تمرّ عبره المواد التجارية والمساعدات المتجهة الى ملايين السكان، بمقتل المئات، وبنزوح مئات آلاف الأشخاص، قبل أن ترعى الأمم المتحدة اتفاق هدنة في السويد نصّ على وقف للنار وانسحابات للطرفين وتبادل نحو 16 ألف أسير ونشر نقاط مراقبة.

دى توقيع الاتفاق، عادت الموظفة ريما (33 عاما) إلى مدينة الحديدة بعدما كانت غادرتها إثر اندلاع المعارك في محيطها، لكنها لا تزال تخشى عودة العنف على نطاق واسع.

وتقول لوكالة فرانس برس "هدأت الاشتباكات لكنها لم تختف"، مضيفة "لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه قبل عام، والوضع قابل للانفجار في أي لحظة".

- خروق مستمرة -

وشهدت الحديدة خرقا مستمرا للهدنة منذ توقيع الاتفاق الذي أحيا آمالا بسلام قريب في بلد قتل فيه الآلاف منذ بداية الحرب التي تسبّبت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.

ووقعت آخر أعمال العنف قبل أقل من شهر حين قتل 8 من اليمنيين في 25 تشرين الثاني/نوفمبر في غارات شنّتها طائرات تابعة للتحالف ضد مواقع للحوثيين شمال مدينة الحديدة.

بعد ساعات قليلة من الغارات، اندلعت اشتباكات عنيفة عند الأطراف الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة.

ولم يتبادل الطرفان سوى مئات الأسرى، رغم أنّ الاتفاق ينص على الإفراج عن نحو 16 ألف أسير من الجانبين. 

ويقول مستشار رئيس الوزراء اليمني علي الصراري لوكالة فرانس برس "بعد عام كامل على الاتفاق، لم تتمّ الانسحابات من الحديدة، ولا ثبّتت الهدنة ووقف النار، ولا تمّ فتح ممرات إنسانية، ولا إطلاق سراح الأسرى".

في أيار/مايو الماضي، رفضت الحكومة إعلان الحوثيين انسحابهم من موانئ الحديدة الثلاث وبينها الميناء الرئيسي في مركز المدينة المطلة على البحر الاحمر، متّهمة إياهم بتسليمها لعناصر تابعة لهم.

والبند الوحيد الذي تم تنفيذه هو نشر نقاط مراقبة مشتركة بعد نحو عشرة أشهر من ولادة الاتفاق.

ويرى المسؤول السياسي في صفوف الحوثيين حميد عاصم أن "مسائل قليلة جدا جدا في الاتفاق تم تطبيقها، بما في ذلك نشر نقاط المراقبة (...) لكن لم يحدث أي شيء غير ذلك"، ملقيا باللوم على الحكومة. 

- أخطر منطقة -

ونشرت مجموعة مؤلّفة من 15 منظمة إنسانية بينها أوكسفام والمجلس النرويجي للاجئين، الخميس تقريرا اعتبرت فيه أنّ محافظة الحديدة هي حاليا أخطر مناطق اليمن على الرغم من اتفاق الهدنة.

وذكرت المنظمات أنّ ربع الضحايا المدنيين في اليمن سنة 2019 سقطوا في محافظة الحديدة، متحدثة عن مقتل 799 مدنيا في المنطقة منذ توقيع الاتفاق، من بين 1008 مدنيين قتلوا في اليمن، وهي "أعلى حصيلة على مستوى البلاد".

وقالت "بعد مرور عام على اتفاق استوكهلوم، لا تزال الحديدة أخطر منطقة في اليمن بالنسبة الى المدنيين".

وشهد اليمن في الأشهر الماضية مؤشّرات على إمكانية تحقيق تقدّم في عملية السلام لإنهاء الحرب في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، إذ أوقف الحوثيون هجماتهم ضد السعودية، وتراجعت ضربات التحالف الجوية، بينما سحبت الإمارات، الشريك الرئيسي في قيادة التحالف والتي قادت الحملة في الحديدة، قوّات لها من مناطق عدة.

لكن في الحديدة، يظلّل التشاؤم مواقف طرفي النزاع.

بالنسبة لعمر محمد (31 عاما)، فإن تحذيرات المبعوث الدولي مارتن غريفيث المستمرة من تدهور الأزمة في اليمن، يدفعه إلى التشكيك في سلام قريب.

ويقول لفرانس برس "غريفيث (...) لا يشعر بالتفاؤل حين يخاطب المجتمع الدولي، فكيف نشعر نحن بالتفاؤل؟".

أ ف ب