تقول أليسيا فيلاسكيز ،التي تدير مطبخا للحساء في جنوب بوينس آيرس :"لا يمر علينا يوم دون أن تأتي أسرة لتناول الطعام معنا. وعندما أقول أسرة، فإنني أعني، على سبيل المثال، أما مع 6 أطفال".

المطبخ هو واحد من اثنين في المدينة وفرتهما جمعية "إلكونفينتو" الخيرية الكاثوليكية. وتأتي الأسر عادة في المساء، بعضها يحصل على المبيت وتناول الطعام في المبنى، بينما يأتي آخرون بالصحون لأخذ الطعام معهم إلى المنزل.

وتقول ديانا ،وهي واحدة من الطهاة، :"نعطيهم ما يكفي لإطعام ما يصل إلى 13 شخصا".

يقع المطبخان في حي إيسلا ماشيل ،على بعد 20 دقيقة تقريبا بالسيارة من وسط العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس.

وقال القس الكاثوليكي فرانسيسكو "باكو" أولفيرا ،منسق إلكونفينتو وهو مولود في إسبانيا ووصل إلى الأرجنتين في تسعينيات القرن الماضي، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، "حتى منتصف عام 2018 ، كان لدينا نحو 500 شخص يتناولون الطعام في المطبخين ، ولكن ... اليوم لدينا 678 شخصا".

وتعكس الزيادة في عدد المنتفعين بالمطبخين تدهور مستويات المعيشة في الأرجنتين، حيث ارتفع معدل الفقر إلى 3ر27% من السكان، بزيادة 6ر1% عن أواخر عام 2017، وفقا للإحصاءات الرسمية الصادرة في سبتمبر.

وتردد أن نحو 4.9% من سكان البلاد، البالغ عددهم 44 مليون نسمة، يعيشون في "فقر تام"، ومن بين الأسباب وراء ذلك استمرار الأزمة الاقتصادية في البلد الواقع في أميركا الجنوبية.

وخسر البيزو (العملة الأرجنتينية)، أكثر من نصف قيمته في عام 2018 ، مما ساعد على وصول الاقتصاد إلى حالة من الركود وزيادة التضخم الذي من المتوقع أن يصل إلى أكثر من 40% بحلول نهاية 2018.

وأدت تدابير خفض الميزانية إلى زيادة البطالة، التي تبلغ نسبتها 10% تقريبا.

"في أفقر أحياء بوينس آيرس، لا توجد وظائف أخرى"، يقول الناشط الاجتماعي ليوناردو سانتيلان، مضيفاً أن نقص العمل يجبر العديد من الأسر على الاعتماد على مطابخ الحساء.

يعيش سانتيلان في حي معروف باسم "لا في" في مقاطعة لانوس، على بعد 15 كيلومترا تقريبا جنوب غرب وسط المدينة، وتم بناء الحي على أرض مهملة، وذلك من قبل باحثين عن عمل من خارج المدينة في أواخر التسعينات.

وقتل شقيقه داريو سانتيلان، الذي ساعد في احتلال الأرض وبناء المساكن عليها، برصاص الشرطة خلال احتجاج ضد الفقر والبطالة في يونيو 2002.

الآن ، يترأس ليوناردو منظمة "فرينتي بوبولار داريو سانتيلان"، التي تدير مطابخ الحساء وجمعيات تعاونية في أفقر مقاطعات بوينس آيرس.

ويعتمد واحد من كل ثلاثة أطفال في الأرجنتين على مقاصف المدارس ومطابخ الحساء لتناول الوجبات، وفقا لتقرير نشرته الجامعة البابوية الكاثوليكية بالأرجنتين في يونيو.

ووفقا للتقرير ، فإن 20% من هؤلاء الأطفال ،والذين يعيش الكثيرون منهم في أحياء فقيرة في ضواحي بوينس آيرس، "يأكلون أقل مما كانوا يأكلون قبل عام".

ويقول خوان، وهو أحد منسقي مطابخ الحساء الثلاثة الموجودة في "لا في": "في الأسابيع الأخيرة، رأينا الناس يأتون إلى مطابخ الحساء لدينا من أحياء أخرى، بعضهم يمرون بنحو 20 إلى 30 مجمعا سكنيا للوصول إلى هنا". 

فالأطفال الذي يأتون إلى مطابخ الحساء في جزيرة ماسيل و في "لا في" لا يحصلون فقط على الطعام، بل على المساعدة في أداء واجباتهم المدرسية، كما أنهم يلعبون معا.

وتقول جيني ،إحدى الطهاة :"يلاحظ المرء أن الأطفال يكونون أكثر جوعا يوم الإثنين، وهو ما يعني أنهم لا يتناولون طعامهم يوم الأحد".

ويتم تغذية بعض الأطفال من قبل مدارسهم، فيما يتم تغذية آخرين في الأندية الرياضية المحلية، وهي حجر زاوية في الثقافة الوطنية التي استمرت في العمل على الرغم من الأزمة الاقتصادية.

ويقول دييجو إنديكي، وهو رئيس رابطة للأندية الرياضية لأحياء مدينة كيلميس بالقرب من لانوس :"نحن في موقف حرج ... نحتاج إلى إطعام الأطفال ليكونوا قادرين على ممارسة الرياضة".

وصنعت مثل هذه الأندية عددا من أشهر الرياضيين الأرجنتينيين، مثل نجمي كرة القدم دييجو مارادونا وليونيل ميسي ولاعب كرة السلة إيمانويل جينوبيلي.

وتأمل الأندية في أن يؤدي تشريع وشيك يهدف لمنحها إعانات للمساعدة على تحمل الزيادة في تكلفة الكهرباء والغاز والمياه إلى تحسين وضعها المالي.

وفي هذه الأثناء ، ما زال فقراء الأرجنتين يعانون، واستقطبت تعليقات لامرأة تدعى مايرا أرينا، التي وصفت طفولتها في حي فقير في بوينس آيرس، أكثر من مليوني مشاهد لمقطع فيديو نشرته المنظمة الأميركية غير الربحية "تيد" في أغسطس الماضي.

وقالت أرينا : "إن أفقر الناس يعرفون كيفية النجاة من الأزمة ، لأنهم قضوا سنوات عديدة من العيش بهذه الطريقة. إنهم يعرفون كيف يطهون طعاما ألقى به آخرون".

وتضيف: "لكن الفقراء الجدد ، أولئك الذين يأتون من الطبقة العاملة لأنهم أصبحوا بدون عمل، يعانون أكثر، ليس لديهم موارد للمعركة اليومية التي يواجهونها".

وفي "لا في" ، تدخل طفلة لا يمكن أن يكون عمرها أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام وترتدي ملابس رقيقة على الرغم من الطقس البارد إلى أحد مطابخ الحساء، وتطلب قطعة من الخبز ثم تغادر مرة أخرى.

وفي وقت لاحق من المساء، تعود من أجل الحصول على المزيد، لمرتين، وتقول ماريا، إحدى الطهاة :"إنها تأخذ الخبز إلى المنزل لأشقائها، ليس لها". 

المملكة + د ب أ