تتحول منطقة باركس المنجمية الهانئة في الريف الأسترالي إلى ما يشبه دارة "غريسلاند" الشهيرة احتفالا بملك الروك آند رول مع توافد جحافل من محبي إلفيس بريسلي للمشاركة في هذا المهرجان الأكبر المخصص للنجم الأميركي في نصف الأرض الجنوبي.

يستقطب مهرجان إلفيس الممتد على 5 أيام في باركس عشرات الآلاف من المشاركين الذين يقصدون هذه المنطقة الريفية على متن قطار "إلفيس إكسبرس" أو "بلو سويد شوز إكسبرس".

وهو يدرّ عائدات طائلة على الاقتصاد المحلي، بلغت 13 مليون دولار أسترالي في النسخة الماضية التي حضرها 27 ألف شخص.

ويقول أندرو بورتر صاحب نزل "نورث باركس موتيل" في تصريحات "إنه أمر جنوني بكلّ بساطة".

وزاد الإقبال على المهرجان على مرّ السنين. و"انعكس الأمر إيجابا على الاقتصاد برمّته".

لم يقصد إلفيس بريسلي المولود في الثامن من يناير 1935 يوما أستراليا في حياته. وهو توفي في العام 1977 عن 42 عاما.

ويعقد هذا المهرجان منذ العام 1993 في شهر يناير احتفاء بمولد ملك الروك آند رول عندما تكون الحرارة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية تناهز الأربعين درجة صيفاً.

غير أن هذا الحرّ الشديد لا يؤثّر على حماسة المشاركين، فغرف الفنادق محجوزة مسبقا بالكامل وتزخر المواقع المخصصة للحدث بالفعاليات والقوافل وتحوّل الملاعب الرياضية إلى ساحات شاسعة تنصب فيها الخيم.

مبالغ طائلة

ويقول إلفيس لينوكس الذي كان يحمل في السابق اسم نيفيل ستيفن، ويملك مجموعة واسعة من التذكارات الخاصة بملك الروك آند رول يعرضها في متحفه "يأتي كثيرون وينفقون مبالغ طائلة، وأنا أعرف ذلك خير معرفة".

وكما الحال مع بلدات كثيرة في وسط أستراليا القاحل والغني بالمعادن، ازدهرت باركس وقت اكتشاف الذهب في باطن أراضيها. وساهمت الزراعة أيضا في تطوّر هذه المدينة التي تقع على بعد 300 كيلومتر من غرب سيدني.

غير أن المناطق الريفية شهدت تراجعا في التسعينيات، وتقلّصت فرص العمل في مجال الزراعة، وانخفض عدد السكان.

وفي مسعى إلى استقطاب زبائن في خضمّ الصيف وقت يهرب السكان من الحرّ الشديد متوجهين إلى المناطق الساحلية، نظّم بوب وآن ستيل اللذان يملكان مطعما، ويبلغان من العمر اليوم 77 و75 عاما على التوالي، حفلة احتفاء بعيد ميلاد إلفيس.

واستقطبت النسخة الأولى من هذا الحدث مئتي شخص، وعمّ المرح الأجواء، فقرّر الزوجان مواصلة هذه الفعاليات وحظيا بدعم من البلدية.

ولم يكن أثر هذا المهرجان كبيراً على الاقتصاد المحلي في العقد الأول من نشأته، بحسب ما يذكر رئيس البلدية كين كيث. لكن ازدياد الإقبال أدى إلى زيادة العائدات.

وينعكس هذا الحدث إيجابا أيضا على مدن أخرى، يبعد البعض منها ساعتين بالسيارة عن باركس، تعرض فيها غرف ووسائل نقل على المشاركين الذين لم يحصلوا على مرادهم في باركس.

عشق للاحتفال

ويقول لينوكس "هم يستيقظون عند الخامسة صباحا ويصلون إلى باركس عند السابعة ويعودون بعد العروض في منتصف الليل. هذا منهك لكنهم يفعلون ذلك. إلفيس بنفسه يناديهم".

وبحسب حكومة نيو ساوث ويلز، ستحصل المنطقة هذه السنة على 43 مليون دولار أسترالي (30.7 مليون دولار أميركي)، وهو دعم تحتاج إليه الولاية في ظل الجفاف الخطير الذي يضربها حاليا.

ولا يزال سكان باركس يعملون في المناجم والزراعة وخدمات النقل. غير أن المهرجان شكل عامل تحفيز لقطاع الخدمات وأيضا للسكان.

فخلال السنوات العشر الأخيرة، ارتفع عدد السكان في باركس بنسبة 4 % ليبلغ 12 ألف نسمة بحسب المكتب الأسترالي للإحصاءات. وهذا الوضع يتباين بشدة مع ما تعيشه مناطق ريفية أخرى.

وتشكل باركس نموذجا للمناطق الزراعية الساعية لإعادة تقديم نفسها بحلة جديدة، على ما يوضح أستاذ الجغرافيا في جامعة وولونغونغ كريس غيبسون.

وقد استلهمت مناطق صغيرة أخرى من تجربة باركس لاستحداث أنشطتها الخاصة، من بينها تروندل مع مهرجانها المخصص لفرقة "ابا" السويدية أو كاندوس مع مهرجانها المخصص لبوب مارلي، بحسب الباحث الذي جمع بيانات عن 2800 مهرجان في سائر أنحاء أستراليا.

وفي باركس، يمكن للزوار المشاركة في أكثر من مئتي حدث على صلة بملك الروك آند رول، غير أن المهرجان يعوّل أيضا من عشق الأستراليين للاحتفالات.

إلفيس لم يمت

ويقول رئيس البلدية "لا نأخذ الأمور كثيرا على محمل الجد".

كما أن الشغف بإلفيس يطال أيضا الفعاليات الرياضية؛ إذ يتنافس عشرات الأشخاص مرتدين ملابس شبيهة بأزياء المغني الشهير في مباريات ركبي.

ويوضح غيبسون "المهرجان يكرّم فنانا لم يزر أستراليا يوما، فكم بالحري باركس، في عزّ الصيف حين لا يكون مريحا ارتداء سترات من البوليستر".

ويضيف "حب المتعة هذا من أسباب نجاح" المهرجان.

وأكثرية المشاركين في الحدث هم فوق سن الـ 55 رغم استقطابه أعدادا أكبر من الشباب.

ويبدي محبو إلفيس بريسلي امتنانا لمدينة باركس؛ لأنها تساهم في الحفاظ على ذكرى مغنيهم المفضل حية.

ويقول لينوكس "لقد أتت نسوة بعينين دامعتين. سألتهن ما الخطب؟ فأجبن هو ليس ميتا بل لا يزال حيا، يمكننا رؤيته هنا".

أ ف ب