أطلقت قوات الأمن في بيروت، الأحد، الغاز المسيل للدموع واستخدمت خراطيم المياه لتفريق متظاهرين ضد السلطة، غداة مواجهات غير مسبوقة أسفرت عن إصابة المئات بجروح في لبنان الذي يشهد أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية.

وأرسلت تعزيزات من الجيش وشرطة مكافحة الشغب إلى وسط بيروت حيث تجمع المتظاهرون على مدخل جادة مؤدية إلى مقر البرلمان قرب ساحة الشهداء التي كانت مركز الحراك الاحتجاجي غير المسبوق منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر ضد طبقة سياسية يعتبرها المحتجون فاسدة وعاجزة.

ولليلة الثانية على التوالي وعلى وقع هتافات "ثورة، ثورة"، رمى متظاهرون الحجارة والمفرقعات النارية على حاجز لقوات الأمن يمنع العبور عبر هذه الطريق. وردت الشرطة برش المياه عبر خراطيم ورمي الغاز المسيل للدموع.

وبعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات، لم يتوقف غضب المتظاهرين عن التصاعد، فهم يشجبون خصوصاً تقصير السلطة أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تترجم بطرد أعداد كبيرة من الأشخاص من وظائفهم، وبقيود مصرفية بالغة، وتراجع قيمة العملة اللبنانية.

وردد المتظاهرون في بيروت تحت المطر "ثوار، أحرار، سوف نكمل المشوار"، حاملين مظلات وأعلاما لبنانية.

وقال المتظاهر مازن البالغ من العمر 34 عاماً "مللنا من السياسيين طبعا ... بعد ثلاثة أشهر من الثورة أثبتوا لنا أنهم لا يتغيرون ولا يسمعون وأنهم غير قادرين على القيام بشيء".

ودعت قوى الأمن الداخلي اللبنانية في تغريدة عبر تويتر المتظاهرين إلى "الإبقاء على الطابع السلمي للتظاهر والابتعاد عن الاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة والتهجم على عناصر قوى الامن".

واندلعت السبت مواجهات بين المحتجين وعناصر شرطة مكافحة الشغب في وسط بيروت الذي شهد مستوى عنف غير مسبوق منذ بدء الاحتجاجات، ما أسفر عن إصابة 377 شخصاً على الأقل من الطرفين، بحسب حصيلة وضعتها وكالة فرانس برس استناداً إلى أرقام للصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني.

وغطت السبت الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن بكثافة لتفريق المتظاهرين وسط بيروت مع تصاعد أصوات صفارات سيارات الإسعاف.

واستخدمت قوات الأمن أيضا خراطيم المياه والرصاص المطاطي، وفق مصور وكالة فرانس برس.

ورشق المتظاهرون، وبعضهم ملثمون، القوات الأمنية بالحجارة ولوحات مرورية وأغصان أشجار، وحاول عدد منهم تخطي الأسلاك الشائكة.

واستخدمت شرطة مكافحة الشغب خراطيم المياه وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.

"لا مبرر"

وبثت محطات تلفزيونية محلية شهادات عائلات أصيب أولادها، وأعمار بعضهم 18 عاما، بالرصاص المطاطي في عيونهم، كما انتشرت هذه الشهادات عبر تويتر.

ووقعت تلك المواجهات في المكان نفسه الذي عاد إليه المتظاهرون الأحد.

وأعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه "ليس هناك أي مبرر لاستخدام قوات مكافحة الشغب القوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين إلى حد بعيد".

واتهم نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش مايكل بايج عناصر الشرطة بـ "إطلاق الرصاص المطاطي على عيون" المتظاهرين، مطالبا السلطات "بوضع حد لثقافة الإفلات من العقاب عن تجاوزات عناصر الشرطة".

تم تداول تسجيل فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يظهر تعرض موقوفين للضرب خلال خروجهم من آلية لسوق السجناء في ثكنة الحلو.

وتعقيبا على هذا التسجيل، أعلنت قوى الأمن الداخلي في تغريدة فتح تحقيق في الحادث. وأضافت أنه "سيتم توقيف أي عنصر اعتدى على الموقوفين".

"عاصفة شعبية"

وتم توقيف حوالى ثلاثين شخصا لكن النيابة أمرت بالإفراج عنهم، حسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.

واستعادت التظاهرات غير المسبوقة في لبنان زخمها هذا الأسبوع في خضم أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).

وشهد يوما الثلاثاء والأربعاء مواجهات عنيفة بين قوى الأمن ومتظاهرين أقدموا على تحطيم واجهات مصارف ورشق الحجارة باتجاه القوى الأمنية التي استخدمت بكثافة الغاز المسيل للدموع.

ويطالب مئات آلاف اللبنانيين الذين ملأوا الشوارع والساحات منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر برحيل الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحمّلونها مسؤوليّة تدهور الوضع الاقتصادي ويتهمونها بالعجز عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية. وهم يدعون الى تشكيل حكومة اختصاصيين تنصرف إلى وضع خطة إنقاذية.

وبعد أسبوعين من انطلاقها، قدّم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري استقالته تحت ضغط الشارع.

وتمّ تكليف الأستاذ الجامعي والوزير الأسبق حسان دياب، بدعم من حزب الله وحلفائه، تشكيل حكومة جديدة تعهّد أن تكون مصغرة ومؤلفة من اختصاصيين، تلبية لطلب الشارع.

إلا أن دياب لم يتمكن حتى الآن من تشكيل حكومته.

وتواصل أحزاب الأكثرية النيابية مفاوضاتها مع محاولة كل منها أن يكون ممثلا في الحكومة المقبلة.

وفي هذا السياق، استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون الأحد رئيس الحكومة المكلف بحسب الوكالة الوطنية للإعلام.

أ ف ب