نزح آلاف المدنيين خلال الأيام الثلاثة الأخيرة داخل مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في جنوب سوريا مع تصعيد قوات النظام قصفها على ريف درعا الشرقي، خشية من هجوم عسكري وشيك على المنطقة لطالما لوحت دمشق مؤخراً بشنه.

وحذرت الأمم المتحدة الخميس من تداعيات التصعيد على سلامة مئات الآلاف من المدنيين في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في جنوب سوريا. 

وتكتسب هذه المنطقة خصوصيتها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع اسرائيل والأردن، عدا عن قربها من دمشق.

وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس الخميس عن "نزوح أكثر من 12 ألف مدني خلال الأيام الثلاثة الأخيرة مع تصعيد قوات النظام قصفها المدفعي والجوي على ريف درعا الشرقي وبلدات في ريفها الشمالي الغربي".

وتسبب القصف على درعا منذ الثلاثاء بمقتل 14 مدنياً بالاضافة الى ستة من مقاتلي الفصائل المعارضة، بحسب المرصد.

وتسيطر الفصائل المعارضة على سبعين في المئة من مساحة القنيطرة الحدودية مع اسرائيل وكذلك محافظة درعا التي تعد مهد الاحتجاجات السلمية التي انطلقت ضد النظام في العام 2011، فيما يحتفظ تنظيم الدولة الاسلامية بوجود محدود في المنطقة. وتسيطر قوات النظام بشكل شبه كامل على محافظة السويداء المجاورة. 

وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" الخميس أن "سلاح المدفعية في الجيش العربي السوري ينفذ رمايات مركزة على تجمعات وأوكار الإرهابيين في مدينة الحراك شمال شرق مدينة درعا وبلدة بصر الحرير".

ويتوجه النازحون بحسب المرصد الى بلدات مجاورة لا يشملها القصف، قريبة من الحدود الأردنية.

وقال الناشط الاعلامي محمد ابراهيم الموجود في بلدة بصر الحرير لفرانس برس إن "قرى بأكملها نزحت" مضيفاً "ترك الآلاف منازلهم في بلدات بصر الحرير والحراك والمليحة الشرقية والمسيكة المجاورة خوفاً من قصف النظام".

- 750 ألف شخص -

وأحصى مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة نزوح 2500 شخص من احدى البلدات في ريف درعا الشرقي بين يومي الثلاثاء والأربعاء جراء القصف.

وقالت المتحدثة باسم المكتب ليندا توم لوكالة فرانس برس إن "الأمم المتحدة تشعر بقلق بالغ ازاء سلامة وحماية ما يقدر بنحو 750 ألف شخص في جنوب سوريا، حيث تعرض الاعمال القتالية المدنيين للخطر وتتسبب بالنزوح".

وتشهد أجزاء من المحافظات الجنوبية الثلاث وقفاً لاطلاق النار أعلنته موسكو مع واشنطن وعمان منذ يوليو الماضي، بعدما أُدرجت هذه المنطقة في محادثات آستانا برعاية روسية وايرانية وتركية كإحدى مناطق خفض التصعيد الأربعة في سوريا. ومنذ اعلان وقف اطلاق النار، شهدت المنطقة توقفاً كاملاً في الأعمال القتالية.

وبعد سيطرتها في الشهرين الماضيين على الغوطة الشرقية وأحياء في جنوب العاصمة، حددت دمشق منطقة الجنوب السوري وجهة لعملياتها العسكرية. وتستقدم منذ أسابيع تعزيزات عسكرية الى مناطق سيطرتها تمهيداً لبدء عملية عسكرية وشيكة.

وتحدث الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة قبل أسبوع عن جهود تتولاها روسيا بهدف التوصل الى "مصالحة" تجنب المنطقة هجوماً عسكرياً.

وأشار الى "تواصل مستمر بين الروس والأميركيين والاسرائيليين" بشأن الجنوب ، موضحاً "نعطي المجال للعملية السياسية، إن لم تنجح فلا خيار سوى التحرير بالقوة"، متهماً الأميركيين والاسرائيليين بالضغط على الفصائل لمنع التوصل الى "حل سلمي".

وكررت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي تحذيرها من "أن أي تحرك عسكري للقوات الحكومية السورية ضد منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا يهدد بتوسيع النزاع".

وقالت الناطقة باسم الخارجية هيذر نويرت في بيان ليل الخميس الجمعة "نؤكد مجدداً أن الولايات المتحدة ستتخذ اجراءات صارمة ومناسبة رداً على انتهاكات الحكومة السورية في تلك المنطقة".

وفي تقرير نشرته الخميس، شددت مجموعة الأزمات الدولية على أنه "ينبغي على جميع الأطراف أن تغتنم الفرصة للتفاوض على اتفاق للعودة المشروطة للدولة السورية إلى الجنوب الغربي وتجنّب حسم عسكري سيشكل بالنسبة لجميع الأطراف وللسكان المحليين الحصيلة الأسوأ".

ودعت الدول التي وقعت اتفاق وقف إطلاق النار الى أن "تمدد تلك الهدنة بشكل عاجل تحضيراً لتسوية أوسع".

- قتلى في ادلب-

وترد الفصائل المعارضة على تصعيد القصف ضدها في الأيام الأخيرة باطلاق قذائف على مدينة السويداء، مركز المحافظة المجاورة والتي بقيت منذ اندلاع النزاع في العام 2011 بمنأى عن المعارك والهجمات.

ويقتصر وجود الفصائل المعارضة في السويداء على أطرافها الغربية المحاذية لريف درعا الشرقي، الذي تستهدفه قوات النظام بالقصف منذ أيام.

وأفادت وكالة سانا الخميس عن "سقوط ثلاث قذائف صاروخية في حي النهضة في مدينة السويداء أطلقتها التنظيمات الارهابية المنتشرة في عدد من قرى وبلدات الريف الشرقي لمحافظة درعا ما ادى الى ارتقاء شهيدين وجرح ثلاثة مواطنين".

وكانت المدينة تعرضت الثلاثاء لسقوط قذائف مماثلة، للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، بحسب المرصد.

وتكرر السلطات السورية اعلان عزمها على استعادة كافة الأراضي الخارجة عن سيطرتها. وتمكنت قوات النظام في العامين الأخيرين بفضل الدعم الجوي الروسي من تحقيق تقدم على حساب الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية في آن معاً. وباتت تسيطر على اكثر من ستين في المئة من مساحة البلاد.

على جبهة أخرى في شمال غرب سوريا، قتل ثمانية أشخاص بينهم خمسة مدنيين الخميس جراء تفجير آليتين مفخختين في مدينة ادلب، بحسب المرصد. 

وتتعرض المدينة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل اسلامية لهجمات متكررة مؤخراً، يرجح المرصد أن تكون خلايا نائمة تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية مسؤولة عنها. 

وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعاً دامياً أودى بحياة أكثر من 350 ألف شخص وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية وتسبب بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

أ ف ب