تحاول شابات أيزيديات كنّ ضحايا السبي عند تنظيم الدولة الإرهابي المعروف بـ"داعش" في العراق أو في سوريا، أن يطوين بالعلاج النفسي تلك الصفحة المرعبة من حياتهن التي يزيد من قسوتها الشعور بالعار المتجذّر في المجتمعات الشرقية.

ومن هؤلاء النساء اللاجئات في ألمانيا ناديا مراد التي حصلت على جائزة نوبل للسلام أخيرا، وهي تستعد لتسلّم جائزتها في العاشر من الشهر الحالي، وتسعى لأن تكون صوت الأيزيديات في العالم كي لا تبقى الجرائم المرتكبة بحقّهن طي الكتمان.

فقد تعرّضت نساء هذه الأقلية الدينية المنتسبة للقومية الكردية للاغتصاب والتعذيب، وعُرضن للبيع كسبايا في سوق الجواري أيام اتساع رقعة "خلافة" التنظيم الإرهابي، المعروف باسم "داعش"، قبل سنوات.

والآن، وعلى بعد آلاف الكيلومترات عن موطنهن في جبل سنجار في شمال العراق، يحظى عدد كبير منهن بالرعاية في منطقة الغابة السوداء في ألمانيا، ضمن برنامج شرعت به السلطات المحليّة أواخر عام 2014.

وتقول لويزة، وهي شابة أيزيدية وصلت ألمانيا قبل ثلاث سنوات "في البدء كانت الحياة هنا صعبة، كنت أشعر بخوف مستمر من أن أقع مجددا بيد داعش".

ولا ترغب هذه الشابة ذات الاثنين والعشرين عاما في الكشف عن اسم عائلتها.

كل شيء جديد

وتقول لمراسل وكالة فرانس برس "كان كلّ شيء جديدا هنا، العلاج النفسي، الكلام عن حالتي، ولكن في كلّ مرة كنت أتكلّم فيها كنت أشعر أنني أفضل".

يجلس إلى جانبها في العيادة المتخصصة في دوناوشينغن معالج نفسي اسمه يان إيلان كيزيلهان، وهو يتابع من كثب تطوّر الحالة النفسية لهؤلاء الشابات، من بينهن ناديا مراد التي شجّعها على أن تلقي خطابا في مجلس الأمن الدولي.

وهو قصد مخيّمات اللاجئين في شمال العراق للبحث عن النساء اللواتي عشن هذا الكابوس.

وقد طلبت منه مقاطعة بادن فورتمبرغ أن ينظّم شؤون النساء الأيزيديات اللاجئات فيها وقدّمت له 95 مليون دولار لهذا الغرض.

يخضع أطباء نفس ومساعدون اجتماعيون ومترجمون لدورات تدريبية خاصة تؤهّلهم الانضمام إلى هذا العمل الدقيق، وفهم خصوصية هؤلاء النساء.

ويقول يان "العبارات التي يستخدمنها مختلفة، فهنّ مثلا لا يقلن إنهن اغتُصبن، بل يقلن إنهن تزوّجن، ولا يقلن إنهنّ يعانين من أعراض الصدمة، بل يتحدّثن فقط عن ألم في الرأس أو في البطن".

جماعة شرقية محافظة 

فالحديث عن الاغتصاب ليس أمرا سهلا لدى هذه الجماعة المتجذّرة في تقاليد الشرق، ويمكن للنساء الضحايا أن يُواجَهن بالإعراض من مجتمعهن نفسه. وإزاء هذا الواقع المعقّد، لم تتوانَ بعض النساء الضحايا عن الانتحار.

وفي سبيل تحقيق نتائج علاجية، لجأ الطبيب إلى الزعيم الروحي بابا شيخ طالبا منه المساعدة.

ويقول "من المهم جدا لي كطبيب معالج أن يقبّل رجل الدين جبينهنّ قبل أن يغادرن العراق، وأن يقول على الملأ إنهن نساء أيزيديات وأن تعرّضهن للاغتصاب لا يغيّر ذلك".

ويوضح "حين يشعر المرء بثبات في هويته، يمكن حينها أن يبدأ رحلة العلاج".

كانت ناديا مراد من أوائل النساء اللواتي رفعن الصوت بما جرى معهن، وكانت "تبكي وتطرح نفسها أرضا في البدء، لكنها كانت تقول: أريد أن أتكلّم".

بعد ثلاث سنوات من العلاج، أصبحت لويزة قادرة على التعبير عن ألمها، حتى وإن كانت عيناها تسرحان في عالم آخر وهي تقصّ تفاصيل كابوسها.

وتقول "لقد سببت داعش ضررا كبيرا حولها، لا أعرف إن كانت الملاحقات القضائية ستصلح ما جرى".

ويلفت الطبيب إلى ملاحظة كوّنها في عمله مع الجماعة الأيزيدية، وهي أن النساء اللواتي كنّ من قبل خاضعات لإرادة الرجال، أصبحن اليوم هنّ الصوت المدافع عن الجماعة الأيزيدية في العالم.

ويقول "الجماعة الأيزيدية تعيش تحوّلا فكريا اليوم".

المملكة + أ ف ب