لا يزال مشروع قانون العفو العام بصيغته الحالية مثار جدل بين مؤيدين يرون فيه فرصة جديدة لمن أخطأ في ماضيه، وتخفيفا من اكتظاظ السجون، وبين منتقدين يعتبرونه تهديدا لسيادة القانون والسلم الاجتماعي.

جلالة الملك عبد الله الثاني وجه الحكومة في ديسمبر 2018 بإصدار قانون عفو عام والسير بمراحله الدستورية، "وبما يسهم في التخفيف من التحديات والضغوطات التي تواجه المواطنين"، مشددا على أهمية أن يحافظ العفو العام على احترام سيادة القانون، دون إضرار بالأمن الوطني والمجتمعي، وحقوق المواطنين.

ومن المقرر أن ينعقد مجلس الأعيان الأحد لمناقشة مشروع القانون، الذي يُتوقع أن يفيد 8-10 آلاف شخص، وفقا لإحصائيات حكومية أولية بُنيت على مسودة المشروع.

الأسباب الموجبة للقانون تتمثل في التخفيف عن كاهل المواطنين وطي صفحة قديمة بإعطاء مرتكبي بعض أنواع الجرائم فرصة أخرى لتصويب مسارهم والاندماج في المجتمع وبنائه بسام التلهوني، وزير العدل

إحصائيات المستفيدين الأولية "تشير إلى التخفيف من الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل"، يضيف التلهوني لموقع قناة المملكة الإلكتروني.

لكنه يبين أن عدد المستفيدين "لن يتضح قبل إقراره من مجلس الأعيان، خاصة بعد توسيع مظلة مشروع القانون من قبل مجلس النواب."

إحصائيات 2016 لمديرية الأمن العام تفيد بأن عدد النزلاء المحكومين في مراكز الإصلاح والتأهيل تجاوز 21 ألف شخص، بينما سُجل أكثر من 36 ألف موقوف قضائي.

مشروع قانون العفو العام لم يوازن بين طبيعة الجنح والجنايات التي يشملها. حاولنا مرارا اللفت إلى أن الظروف الحالية لا تستدعي إقرار قانون عفو عاملين خياط، محامية مختصة في حقوق الإنسان

"يجب إحصاء الجرائم التي ارتفعت حتى لا يشملها العفو، كما يجب أن تضيق دائرة العفو العام بشكل ما، لا أن تتوسع،" تضيف خياط.

وأقر مجلس الوزراء في ديسمبر 2018 مسودة مشروع قانون العفو العام مستثنيا منها جرائم تمس بأمن المجتمع.

 معايير "بسيطة"

"عندما أرسلت الحكومة أحكام مسودة مشروع قانون العفو العام إلى مجلس الأمة صرحت من خلال ذلك عن وجهة نظرها فيما ترى ضرورة شموله أو استثنائه من العفو العام، بناء على دراسة الأبعاد الاجتماعية والقانونية، إضافة إلى بعض الظواهر الجرمية ونسبتها وازديادها،" يوضح التلهوني دون تفاصيل عن هذه النسبة.

مسودة مشروع قانون العفو العام استثنت الجرائم الواقعة على أمن الدّولة الداخلي والخارجي، وجرائم التجسّس، والجرائم الاقتصاديّة، وجرائم الفساد، وجرائم الإرهاب، والجرائم المخلّة بواجبات الوظيفة العامّة. مجلس الوزراء

كما استثنت المسودة "جرائم المخدّرات، وجرائم الحريق، والقتل، والسرقة، والتزوير، والغرامات الماليّة الناجمة عن جرائم التهرّب الضريبي والجمركي، ومخالفات السير التي تشكّل خطورة على حياة المواطنين".

لكن مجلس النواب وسع مظلة المشمولين في مشروع قانون العفو العام، مضيفا جرائم مخدرات، وغرامات مخالفات سير، وجرائم مرتكبة خلافاً لأحكام قانوني سلطة المياه والكهرباء، وجرائم قتل مقترنة بشرط إسقاط الحق الشخصي.

الأمانة العامة لمجلس النواب قالت في بيان الأربعاء: "فيما يتعلق بشمول العفو العام للجنح الواردة في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، فإن المجلس ذهب إلى محاربة هذه الظاهرة بعدم شمول تجار تلك الآفة، وإنما راعى بعض الظروف الاجتماعية لعدد من المواطنين بخاصة من فئة الشباب والطلبة الذين غُرر بهم لارتكاب تلك الجنح، وذهب إلى شمولهم بالعفو لمنحهم فرصة جديدة لتصويب سلوكهم."

لكن خياط ترى أن معايير مشروع العفو العام "ما زالت بسيطة وتحتاج إلى تطوير".

بعض مرتكبي الجرائم بحاجة لإصلاح أكثر من حاجتهم لعفولين خياط، محامية مختصة في حقوق الإنسان

"تجربة العفو العام في 2011 خلقت مجموعة من المشاكل لم يتم التنبه لها في مشروع قانون العفو العام لسنة 2019"، تقول خياط.

"من أبرز تلك المشاكل ارتفاع مبلغ التعويضات الذي طلبه البعض مقابل إسقاط الحق الشخصي، فيما تم تزوير قضايا إسقاط حق شخصي وتبين ذلك بعد صدور العفو،" وفقا لخياط.

وانتقدت خياط إقرار مجلس النواب شمول جنح اعتداء على المياه بالرغم من شح المصادر المائية في الأردن.

اللجنة القانونية في مجلس الأعيان رفضت الأربعاء موادَّ أقرها مجلس النواب في مشروع قانون العفو العام شملت قضايا مخدرات ومخالفات مياه وكهرباء.

 الإصلاح أهم من العفو؟

"أنا لست مع إصدار قانون عفو عام ..." تقول المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز.

فكرة العفو العام هي إعطاء فرصة أخرى لمرتكب الجريمة، إلا أن بعض من سيخرجون من السجون قد يرتكبون ذات الجرائم مجدداً، إذ أن نسبة العودة إلى الفعل الجرمي في الأردن تصل إلى 40% هديل عبد العزيز، مديرة تنفيذية، مركز العدل للمساعدة القانونية

وتتابع عبد العزيز أن تفعيل عقوبات بديلة والحد من التوقيف القضائي والإداري "ضروري من أجل التخفيف من اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل".

رئيس ديوان التشريع والرأي نوفان العجارمة صرح في وقت سابق لقناة المملكة بأن 33% ممن شملهم العفو في 2011 عادوا وارتكبوا جرائم.

لكن العجارمة يرى بأنه "لا تناقض أو تعارض بين مبدأ سيادة القانون والعفو العام، لأن العفو العام منصوص عليه بالدستور وقانون العقوبات".

للملك حق العفو الخاص وتخفيض العقوبة، وأما العفو العام فيقرر بقانون خاص.مادة 38، الدستور الأردني

وتستنكر خياط شمول جرائم قتل في العفو العام حتى بعد إسقاط الحق الشخصي.

"لا أرى سببا لتوسيع مظلة العفو العام، خاصة في حال أضرت جرائم مشمولة بالسلم الاجتماعي. بعض مرتكبي الجرائم بحاجة لإصلاح أكثر من حاجتهم لعفو،" تشير خياط.

ويفرج عن نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل فور نفاذ أحكام قانون العفو العام بعد استكمال الإجراءات الإدارية، يوضح وزير العدل.

قانون العفو العام يمحو الفعل ويزيل الصفة الجرمية ويلغي العقوبة خلال فترة محددة ضمن أحكام القانون سواء كان مرتكب الجريمة قد امتثل أمام المحكمة أم لا بسام التلهوني، وزير العدل

ويرى الوزير أن مشروع قانون العفو العام مشابه لأي مشروع قانون آخر له مؤيدون ومعارضون، لكن في النهاية يطرح الأمر على مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب ولهم القرار فيما يتعلق بأحكامه.

"في التشريعات الحديثة، يجب أن يقضي من سيشمله العفو العام ربع مدة محكوميته، لكن مشروع القانون الذي أقره النواب شمل من أذعن للقانون ومن لم يذعن،" تقول خياط.

"من باب العدالة ألا يتساوى من أذعن للقانون وبدأ بتنفيذ عقوبة مع أولئك الذين تواروا عن الأنظار،" حسب المحامية.

ويرى الوزير أن "العديد من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل أصحاب خبرات ولديهم مهنهم، ومن خلالها بإمكانهم العودة مجدداً إلى حياتهم والاندماج في المجتمع".

نحن بحاجة إلى أنظمة تأهيل ووقاية ومساعدة قانونية حقيقية هديل عبد العزيز، مديرة تنفيذية، مركز العدل للمساعدة القانونية

المملكة