في إطار فعاليات ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال في دورته الثالثة، تواصلت الجلسات الموازية التي تناولت قضايا حيوية تتعلق بتحديات الإعلام وصناعة المحتوى. إحدى الجلسات تطرقت إلى قضايا تمويل الإعلاميين ودعم استدامة المؤسسات الإعلامية، في حين ركزت جلسة أخرى على العلاقة بين الفن والإعلام وتأثير منصات التواصل الاجتماعي.

الفن الأردني بين سيف السوشال ميديا ومساحات الحرية

وناقشت جلسة بعنوان "الفن والإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.. ماذا صنعت؟ تجارب تُروى" تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على الدراما والسينما الأردنية، وكيف يتعامل معها الوسط الفني المحلي.

وشارك في الجلسة المخرجة والمنتجة والممثلة تيما الشوملي، والممثلة تارا عبود، والمخرج والكاتب أمجد إرشيد، وأدارها صانع المحتوى أحمد السرور.

وقالت الشوملي إن شهادتها "مجروحة" بوسائل التواصل الاجتماعي، إذ انطلقت بداياتها الفنية من خلال منصة "يوتيوب"، مؤكدة أن هذه المنصات فتحت المجال أمامها وأمام غيرها لإبراز مواهبهم.

وأشارت إلى أن السوشال ميديا كسرت احتكار المحتوى الفني العربي وسمحت بالخروج عن القوالب التقليدية، مضيفة "كان هناك محدودية في الأفكار، والسوشال ميديا فتحت أبوابًا جديدة وأعطت المبدعين مساحة أوسع".

وبيّنت أن بدايتها بتقديم محتوى ترفيهي على المنصات الرقمية واجهت صدمة كبيرة من التعليقات السلبية والمؤذية، ما جعلها تتساءل إن كانت ستكمل الطريق أم لا. لكنها استطاعت بفضل إصرارها وتغيّر ردود الفعل مع الوقت أن تستمر، منوهةً إلى أن أي تجربة جديدة تبدأ بصدمة، لكن الجمهور مع مرور الوقت يميّز التفرد.

وتطرّقت الشوملي إلى تسليط الضوء على قضية التنمر في أعمالها، وعلاقتها المباشرة بمواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى الأثر الكبير لهذه التجربة على صحتها النفسية سواء للأطفال أو الكبار، ولافتةً إلى أهمية زيادة الوعي المجتمعي. وأوضحت أنها تعمل حاليًا على مجموعة من الأعمال الجديدة، لكنها انتقائية، مضيفة أنَّ "نجاح مدرسة الروابي لا يعني أن أقبل بأي مشروع. الشغل النظيف يحتاج وقتًا، وأفضل أن أركز على النوعية لا الكمية".

وأكدت أن الجمهور الأردني لا يُلام على انتقاداته، لأنه ببساطة لا يجد تنوعًا كافيًا في الأعمال الدرامية الأردنية، مبيّنةً أن ما يُقدَّم اليوم لا يروّج للبلد بقدر ما يعكس شريحة معينة من المجتمع قد يتفق معها البعض أو يختلف.

وتابعت أنه في الموسم الأول من مدرسة الروابي، كثير من الأهالي لم يرغبوا أن يشاهد أبناؤهم العمل، قائلةً "هذا يذكّرنا بقوة تأثير الفن على المجتمع، وبالضغط الكبير الذي نعيشه كفنانين، وهو أمر قد لا يكون صحيًا، لكن علينا أن نتذكر لماذا نفعل ذلك، وأن نكون لطفاء مع أنفسنا".

وأضافت الشوملي أن الأهم في الفن أن يرفّه عن الجمهور، وفي الوقت نفسه يلامس بعض مشكلات الواقع حتى وإن قُدمت بقالب ترفيهي، مشيرةً إلى أنها تحب أن تصل أعمالها إلى أوسع شريحة ممكنة، حتى لو كانت تجارية، شرط أن تحمل رسائل توعية.

من جانبه، أكد المخرج والكاتب أمجد ارشيد أن للسوشال ميديا محاسنها وسلبياتها، فهي تتيح مساحة لأعمال تخاطب أجيالًا وأفكارًا مختلفة. وبيّن أن السينما بطبيعتها تسعى لطرح أسئلة تناسب المجتمع وتثير النقاش حول قضاياه، مضيفًا أن تنوع الأعمال بين الترفيهية والتجارية لا يُعد سلبيًا، بل يلبي تطلعات الجمهور، وأن منصات التواصل أصبحت عنصرًا مساعدًا في انتشار السينما.

وأشار إلى أن الهجوم الذي يطال بعض الأفلام الأردنية يعكس وعي الجمهور الأردني، لكنه جمهور حساس، لذا يحتاج العمل الفني أن يطرح القضايا بطريقة تراعي المجتمع. واستشهد بفيلمه الأخير "إن شاء الله ولد"، موضحًا أن ردود الفعل كانت إيجابية عمومًا رغم انزعاج البعض، لكنه شعر أن الجمهور الأردني تقبّل الفيلم.

كما لفت إلى تراجع الثقافة السينمائية والدرامية في الأردن مقابل توجه الجمهور إلى الدراما العربية والتركية التي لا تعكس واقع المجتمع المحلي، مبينًا أن صناع السينما الأردنيين يحاولون تقديم صورة المجتمع الأردني وطبقاته المختلفة بصدق.

أما الممثلة تارا عبود، فأوضحت أن السوشال ميديا "سيف ذو حدين"، فهي تتيح القرب من الجمهور ومشاركة الأعمال أولًا بأول، لكنها تفرض أيضًا ضغوطًا كبيرة وقلقًا متزايدًا خاصة بين المراهقين بسبب حجم الانتقادات المستمرة.

وأشارت إلى أنها شخصيًا مرّت بتجربة صعبة مع التعليقات السلبية التي أثّرت على ثقتها بنفسها لسنوات، لكنها استطاعت لاحقًا أن تبني ثقتها وتتجاوز تلك المرحلة، مضيفةً "خمس سنوات كانت صعبة جدًا، لكني تعلمت أن أتعامل مع النقد وأحوّله إلى فرصة للتطور".

وتحدثت عن دورها في مسلسل "مدرسة الروابي" بشخصية "سارة"، التي حظيت بتعاطف واسع من الجمهور، مؤكدة أن النقد الذي تلقته كان في معظمه بنّاء، وساعدها على تحسين أدائها في أعمالها الجديدة.

فرصة متاحة أم زمن انتهى؟

وانعقدت جلسة حوارية بعنوان "جلسة التمويل والدعم لتطوير قدرات الإعلاميين: فرص متاحة أم زمن انتهى؟" بمشاركة مدير عام ورئيس تحرير شبكة وطن الإعلامية معمر عرابي، ونائبة مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الصندوق الوطني للديمقراطية كارين فارين، وأدارت النقاش تمارا خزوز.

وأكد مدير عام ورئيس تحرير شبكة وطن الإعلامية معمر عرابي أن قضية التمويل والاستدامة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية المستقلة باتت أكثر تعقيدًا من الماضي، نتيجة التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم. وأوضح أن التمويل الأميركي والأوروبي، الذي شكّل موردًا أساسيًا قبل عقدين، تراجع بشكل ملحوظ بفعل تغير السياسات والإدارات، ما انعكس سلبًا على الإعلام المستقل في دول عدة، من بينها فلسطين.

وشدد على ضرورة أن تفكر المؤسسات الإعلامية في بدائل جديدة خارج إطار التمويل التقليدي، بعيدًا عن الأجندات السياسية التي قد تفرضها بعض الجهات المانحة. وقال "نحن أمام مرحلة جديدة تتطلب حلولًا مبتكرة لضمان الاستدامة بعيدًا عن الاعتماد على التمويل الخارجي المشروط."

وأشار إلى تجربة شبكة وطن الإعلامية في فلسطين، التي تمكنت خلال 30 عامًا من تحويل التحديات إلى فرص، حيث يأتي نحو 70- 80 % من دخلها من مصادر متنوعة بعيدة عن التمويل التقليدي. واعتبر أن هذه التجربة دليل على إمكانية بناء نموذج استدامة مختلف يصلح للمنطقة بأكملها.

من جانبها، رأت نائبة مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الصندوق الوطني للديمقراطية كارن فارين أن التحدي الأكبر أمام الإعلام المستقل يكمن في كيفية تحقيق الاستدامة مع المحافظة على التوازن بين تلبية حاجات المجتمع وتفادي التدخلات الحكومية.

وأكدت أن توطين الإعلام المحلي تحت المظلة الحكومية يضعف استقلاليته ويحد من قدرته على خدمة المواطنين بموضوعية.

وشددت فارين على أهمية بناء برامج للتبادل والحوار وتعزيز مشاركة المجتمع في دعم الإعلام المستقل.

وأشارت إلى أن التمويل المجتمعي يمثل أحد النماذج الواعدة التي حققت بعض النجاحات في المنطقة، لكنه يحتاج إلى تحديد أولويات واضحة من المؤسسات الإعلامية نفسها. مضيفةً أن على المؤسسات أن تحدد بدقة ما هي حاجاتها الأساسية، وأولويات مجتمعاتها، وما الذي تركز عليه لإقناع الممولين.

وأكدت أن دعم الإعلام المستقل لا يقتصر على التمويل المالي فقط، بل يشمل أيضًا بناء القدرات، وحماية البيئة المهنية للصحفيين، وفيما يتعلق في البيئات الشبابية أكدت على حضور الفعاليات وبناء العلاقات للحصول مصادر تمويلية.

وبدأت فعاليات الملتقى في دورته الثالثة بمشاركة أكثر من 750 إعلاميًا وإعلامية وناشطًا وصانع محتوى وخبيرًا إلى جانب ممثلين عن مؤسسات دولية من مختلف أنحاء العالم.

الملتقى الذي أطلقه مركز حماية وحرية الصحفيين قبل عامين، يطرح هذا العام عبر جلساته الممتدة على مدار يومين قضايا محورية تتعلق بحماية الصحفيين وواقع الحريات الإعلامية، إلى جانب التحديات التي تواجه المهنة في ظل النزاعات والأزمات.

كما يناقش سبل بناء القدرات والاحتراف المهني في زمن أصبحت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءًا رئيسيًا من صناعة الإعلام، فضلًا عن قراءة تحولات المشهد السياسي في المنطقة وانعكاساتها على الساحة الإعلامية.

المملكة