عُقدت على هامش أعمال ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال في نسخته الثالثة المنعقد في عمّان، جلسات تناولت محاور حيوية تمس واقع المهنة وتحدياتها؛ حيث تناولت إحداها مستقبل الصحافة الخليجية، فيما ركزت جلسة أخرى على النقابات بين التنظيم وحماية الصحفيين، كما خُصصت جلسة للحديث عن منصات التواصل الاجتماعي.

ويُعقد الملتقى في نسخته الثالثة بمشاركة أكثر من 750 إعلاميا وإعلامية وناشطا وصانع محتوى وخبيرا، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات دولية من مختلف أنحاء العالم.

وعلى مدار يومين، يناقش المشاركون قضايا محورية تتعلق بحماية الصحفيين وواقع الحريات الإعلامية، والتحديات التي تواجه المهنة في ظل النزاعات والأزمات، إلى جانب سبل بناء القدرات والارتقاء بالاحتراف المهني في زمن أصبحت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي عنصرا رئيسيا في صناعة الإعلام، مع التوقف عند تحولات المشهد السياسي في المنطقة وانعكاساتها على الساحة الإعلامية.

الصحافة الخليجية تواجه صعوبة في المواكبة

عُقدت جلسة بعنوان "مستقبل الصحافة الخليجية: أسئلة التمكين والاستقلالية والتحولات الرقمية"، شارك فيها المستشار في جريدة القبس داهم القحطاني، ومقدمة البرامج في قناة الحدث تهاني الجهني، والكاتبة الصحفية وصانعة المحتوى ريم خلف، وأدارتها قادسية الضمور.

وأكّد المستشار في جريدة القبس داهم القحطاني أن الصحافة العربية تواجه صعوبة في مواكبة السوق وفهم متطلباته حتى تتطور، على عكس ما يحدث في الإعلام الغربي، مشيرا إلى أن المشكلات الرئيسية تكمن في عدم إعطاء المشاريع الإعلامية حقها وعدم تسويقها إلكترونيا، وأن الصحف إما أن تواكب التقدم أو تواجه خطر الانتهاء.

وأوضح القحطاني فيما يتعلق بخطر مواقع التواصل الاجتماعي على الإعلام، أن هناك فرقًا كبيرًا بين "الكتالوج" و"الحكاواتي" والصحافي، وصانع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي. وأكد أن العمل في الصحافة يحتاج إلى تنظيم وترخيص من الدولة، مشيرًا إلى أن عدم التنظيم قد يؤدي إلى مشاكل عند نقل الأحداث.

وأشارت مقدمة البرامج في قناة الحدث تهاني الجهني إلى الدور المهم للإعلام الخليجي في ظل التغيرات الجيوسياسية، لافتةً إلى أن الصحف في دول الخليج بدأت تتحول إلى منصات رقمية مثل صحيفة "عكاظ" التي تقدم محتوى رقميًا وتواكب التطور.

وقالت إن رؤية السعودية 2030 تتطلب من الإعلام خدمتها داخليا وخارجيا. وأشارت إلى أن المرأة في السعودية تعيش أفضل فترات التمكين في بعض المجالات، غير أنها ما تزال تواجه تحديات في الإعلام في بعض الأحيان، مشددة على أن مواقع التواصل الاجتماعي تحتاج إلى تنظيم.

وركزت الكاتبة الصحفية وصانعة المحتوى ريم خلف على أن الجمهور في الوقت الحالي يفضلون المشاهدة والاستماع على القراءة، وأن الفيديو أصبح الوسيلة الرئيسية لنقل الأخبار، فيما تشكّل مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً لإيصال أصوات المواطنين، خاصة في بعض الدول التي تحد من حرية التعبير.

وأضافت أن الحاجة إلى الترفيه جعلت مواقع التواصل الاجتماعي أكثر حضورًا في منطقتنا العربية، وأن التحدي القادم يكمن في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في الإعلام، فهو التحدي الأخطر الذي يواجه العمل الإعلامي.

منصات التواصل الاجتماعي والترندات على حساب المصداقية والثقة

وفي جلسة أخرى بعنوان "منصات التواصل الاجتماعي... الترند على حساب المصداقية"، شارك فيها مديرة المحتوى في شبكة "أغسطس الإعلامية" كاسي فيتزجيرالد، ومدير الإعلام الرقمي في قناة المملكة أحمد حيمور، وأدارت الجلسة رايا اليعقوب.

أوضح مدير الإعلام الرقمي في قناة المملكة أحمد حيمور أن الترندات الإعلامية لم تعد انعكاسًا طبيعيًا لاهتمامات الجمهور، بل تحولت إلى أدوات تتحكم بمحتوى الأخبار وانتشارها. لافتًا إلى أن المال لا يصنع علامة إعلامية حقيقية، بل يقتصر دوره على تعزيز الانتشار.

وقال حيمور: إن "الفرق بين الاستثمار في المصداقية الشاملة وبين خلق مظهر إعلامي زائف واضح، مؤكدا أن أي محتوى رائج قد يكون مدفوعا بتوجيهات معينة، سواء من أدوات رقمية أو من جهات رسمية، ما يستدعي من الصحفيين التحقق المستمر قبل الانجرار وراء الموضوعات المشبوهة".

وشدد على أن الذكاء الرقمي والوعي الإعلامي أصبحا ضرورة لكل مستخدم وصحفي، مشيرًا إلى أن التحقق من النصوص أو الفيديوهات بات ممكنًا عبر أدوات بسيطة تكشف التضليل.

وحذر من خطورة اعتماد الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر وحيد للأخبار، إذ تُظهر الدراسات أن 45.6% من الأردنيين يعتمدون عليها لمتابعة الأخبار، في حين أن 50% منهم لا يصدقون ما يُنشر عبرها.

وتناولت مديرة المحتوى في شبكة "أغسطس الإعلامية" كاسي فيتزجيرالد قضية انتشار الأخبار المضللة عبر المنصات الرقمية، مؤكدةً أن ما يُعرف بـ "الترند" لا ينشأ تلقائيًا، بل يتم صناعته والترويج له عبر عمليات منظمة وأدوات دقيقة.

وأشارت إلى أن الجمهور غالبًا ما ينجذب إلى ما يستهويه من محتوى، غير أن النقاشات العامة أصبحت تُوجه بشكل ممنهج، مما يفرض تحديات كبيرة على المؤسسات الإعلامية في التمييز بين الحقيقي والموجه.

وأضافت أن المطلوب اليوم هو رفع مستوى وعي المستخدمين، مستشهدةً بقدرات أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي" في تحليل النصوص ورسائل البريد الإلكتروني والتمييز بين الحقيقي والمضلل. وأوضحت أن الخطر يتضاعف مع سهولة وقوع كبار السن، فضلًا عن الأطفال واليافعين، ضحايا لتصديق هذه المضامين.

النقابات بين التنظيم وحماية الصحفيين

وفي جلسة بعنوان "النقابات بين التنظيم وحماية الصحفيين... إخفاق أم قصة نجاح؟"، التي شارك فيها نقيب الصحفيين في كردستان آزاد الشيخ يونس، ورئيسة اتحاد الصحفيين والصحفيات في لبنان إلسي مفرّج، ومؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن نضال منصور، وأدارت الجلسة الإعلامية رفاه جواد.

وافتتح النقاش بسؤال حول ما إذا كان نجاح النقابات أمرًا محسومًا أم نسبيًا، ليجمع المتحدثون على أنه نسبي ويختلف باختلاف التجارب.

استعرضت إلسي مفرج تجربة النقابة البديلة في لبنان التي نشأت بعد الحرب اللبنانية، مشيرة إلى أن الحكومات حينها سعت إلى تفتيت النقابات أو احتوائها، مما أدى إلى ضعفها وعجزها عن حماية الصحفيين.

وأوضحت أن الحماية يجب أن تكون شاملة، بدءًا من إصدار قوانين تكفل الحقوق، مرورًا بالتصدي للتوقيف الاحتياطي والاعتداءات والتحرش، وصولًا إلى ضمان الأمان الوظيفي.

ولفتت إلى أن اتحاد الصحفيين والصحفيات في لبنان وثّق خلال العامين الماضيين استهداف ستة صحفيين لبنانيين من قبل قوات الاحتلال، مؤكدةً أن المحاسبة والتوثيق من صميم دور النقابات.

من جهته، شدد آزاد الشيخ يونس على خصوصية كل تجربة نقابية، موضحًا أن نقابة الصحفيين في كردستان تضم نحو 6000 عضو وعضوة من مختلف التخصصات الإعلامية، بما في ذلك صانعي المحتوى، وتتمتع باستقلالية.

وأكد ضرورة استبدال العقوبات السالبة للحرية بالغرامات، مشيرًا في الوقت ذاته إلى إشكالية تعريف الصحفي في ظل توسع منصات التواصل الاجتماعي وغياب تشريعات واضحة تنظمها. ورأى أن الصحفي المهني هو من يعتاش من الصحافة ويمارسها بمسؤولية ومهنية.

أما نضال منصور، فأشار إلى أن تقييد حرية الصحفيين غالبًا ما يرتبط باستبداد السلطة ورغبتها في السيطرة، بيد أنه أكد وجود نماذج متقدمة في العالم. ورأى أن تعريف الصحفي لا يجب أن يشغل النقابات بقدر ما يجب أن ينصب تركيزها على حماية الصحفيين والدفاع عن حقوقهم، مذكرًا بأن المؤسسات الدولية تعتبر أن الصحفي هو كل من ينقل المعلومات بشكل منتظم للجمهور.

وفي مداخلة لنقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي، أكد أن التعريف يجب أن يبنى على المحتوى، وأن دور النقابات هو الحماية والدفاع عن البيئة العامة للعمل الصحفي. بينما شددت مفرج على أهمية التضامن بين النقابات، معتبرة أن الأساس هو خدمة المنتسبين في كل بلد، لكن التضامن مع النقابات الأخرى يظل ضرورة، خاصة في ظل ما يواجهه الصحفيون في فلسطين.

من جانبه، أوضح الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنطوني بيلانجي أن هناك معايير دولية ثابتة لتعريف الصحفيين، إلا أن بعض الدول لا تزال تحصره في العاملين بالمؤسسات الإعلامية فقط، مما يخلق إشكالات خاصة مع الصحفيين المستقلين أو العاملين مع مؤسسات دولية.

أما نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبار، فأكد خصوصية التجربة التونسية في الدفاع عن الحريات، منتقدًا وجود قوانين تتيح حبس الصحفيين في بعض الدول. ودعا إلى أن يكون الصحفيون أنفسهم شركاء في صياغة القوانين الناظمة لمهنتهم وتحديد شروط الانتساب للنقابات. كما لفت إلى تشابه قوانين الجرائم الإلكترونية في الوطن العربي، التي أُقرت في أغلبها عقب اجتماعات وزراء الداخلية العرب.

واختتمت الجلسة بمداخلات من الحضور ركزت على أهمية إعادة تعريف الصحفي، وإيجاد إطار قانوني يحمي الصحفيين المستقلين، إلى جانب ضرورة تحديث التشريعات بما يواكب التطور التقني السريع في الإعلام.

وبدأت فعاليات الملتقى في دورته الثالثة بمشاركة أكثر من 750 إعلاميا وإعلامية وناشطا وصانع محتوى وخبيرًا، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات دولية من مختلف أنحاء العالم.

الملتقى الذي أطلقه مركز حماية وحرية الصحفيين قبل عامين، يطرح هذا العام عبر جلساته الممتدة على مدار يومين قضايا محورية تتعلق بحماية الصحفيين وواقع الحريات الإعلامية، إلى جانب التحديات التي تواجه المهنة في ظل النزاعات والأزمات. كما يناقش سبل بناء القدرات والارتقاء بالاحتراف المهني في زمن أصبحت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءًا رئيسيًا من صناعة الإعلام، فضلًا عن قراءة تحولات المشهد السياسي في المنطقة وانعكاساتها على الساحة الإعلامية.

المملكة