أقعد مرض السرطان صفية عن العمل، وأنهكها، فبدت أكبر بكثير من عمرها الذي لا يتجاوز 41 عاما، ولا تملك إلا 50 دينارا شهريا من صندوق المعونة الوطنية لإعالة 3 من أولادها المصابين بأمراض مزمنة.

تقول صفية لـ "المملكة" "كنت أعمل مرافقة للمرضى في المستشفيات أو في منازلهم بعد أن تركني زوجي منذ ما يزيد عن 10 سنوات لأرعى 4 أولاد وحدي 3 منهم يعانون من أمراض مزمنة، إذ إن ابني الأكبر (24 عاماً) مصاب بسرطان الدماغ، بينما أصيب ابني الآخر(18 عاماً) بتضخم في الكلى ومرض النقرس، وأما ابنتي الصغرى ذات الـ 16 عاماً فمصابة بمرض الصرع".

"لدي ابنة وحيدة بصحة جيدة تبلغ من العمر 22 عاماً لم تكمل تعليمها وتعيش معي بعد طلاقها في منزل تبرع لنا أحد المحسنين بالسكن فيه مجاناً"، تضيف صفية التي تقطن في منزل متواضع يخلو من الأثاث أو حتى من فرن لتطهو طعامها، في أحد ضواحي عمّان الشرقية.

لم تتوقف مصاعب الحياة التي تواجهها صفية عند هذا الحد، كما تقول: "أصبت بمرض سرطان الدم (اللوكيميا) مما أقعدني عن العمل".

آثرت صفية عدم إتمام علاجها الذي تتلقاه مجاناً في مركز الحسين للسرطان لتوفر ثمن أجرة النقل لقوت أولادها اليومي، وتقول "لم أزر أنا أو أي من أولادي الطبيب منذ أكثر من 5 أشهر بعد انتهاء مدة إعفاء طبي ونحتاج لتجديده نحو 60 ديناراً بدل تقارير طبية لازمة".

تضيف "أجرة الكهرباء والماء لم تدفع منذ شهور أيضا، وأطبخ الطعام إن توفر على مدفئة كاز، بينما قرر ابني الأكبر هجري واللحاق بوالده بسبب الفقر الذي أعاني منه".

"لا أريد أن يتركني أولادي وأعيش وحيدة بسبب قلة المال"، تقول صفية وهي تبكي.

 صندوق المعونة الوطنية

خفضت مساعدة نقدية تقدم لصفية من صندوق المعونة الوطنية الذي تموله الحكومة، من 165 ديناراً إلى 50 ديناراً بعد أن توقف ابنها الأكبر عن العيش معها، كما تشير.

"وعدتني إدارة الصندوق برفع قيمة المعونة المقدمة لعائلتي فنحن بأمس الحاجة لأي مبلغ خاصة بعد تراكم الديون"، تشرح صفية.

تعاني صفية التي تطمح بحياة كريمة من عجز صحي يبلغ 75%، وأبناؤها غير قادرين على العمل، كما تلفت.

الناطق باسم الصندوق ناجح صوالحة قال لـ"المملكة" إن " نحو 105 آلاف أسرة أردنية تتقاضى معونة نقدية شهرياً من الصندوق تتراوح قيمتها بين 50 ديناراً كحد أدنى و 200 دينار بحد أعلى، للأسرة الواحدة".

قيمة المساعدات المقدمة بلغت نحو 8.5 ملايين دينار شهرياً لمجموع الأسر المستفيدة من الصندوق، بحسب صوالحة الذي لفت إلى أن قيمة المساعدة لكل أسرة تختلف بحسب حاجتها وعدد أفرادها".

" أسر الأيتام، المرأة التي لا معيل لها، مصابون بالعجز الدائم وأسرهم، المسنون وأسرهم، المطلقات بعد الدخول وأبناؤهن، أسر المعوقين، أسر السجناء، وأسر الخارجين من السجن"، فئات مستفيدة من الصندوق كما يشير صوالحة.

وتأسس صندوق المعونة الوطنية عام 1986 بموجب قانون خاص ويتمتع باستقلال مالي وإداري ويترأس مجلس إدارته وزير التنمية الاجتماعية.

ويوضح صوالحة أن غالبية الأسر المنتفعة من الصندوق تتوزع في محافظات العاصمة والزرقاء وإربد بسبب الكثافة السكانية فيها.

ويسكن في الزرقاء نحو مليون ونصف المليون نسمة وفي إربد نحو مليوني نسمة وفي عمّان أكثر من 4 ملايين نسمة، كما ذكرت الإحصائيات الرسمية.

"جيوب الفقر"

مليون و 69 ألف فقير أردني في البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 10 ملايين نسمة، بحسب مدير عام دائرة الإحصاءات العامة قاسم الزعبي، إذ ارتفعت نسبة الفقر المطلق من 14.4% إلى 15.7% بحسب تصريحات رئيس الوزراء عمر الرزاز الذي لم يحدد تاريخ المسح.

وتعرّف دائرة الإحصاءات العامة خط الفقر المطلق أو العام بأنه "مستوى الدخل أو الإنفاق اللازم للفرد لتأمين الحاجات الغذائية وغير الغذائية الأساسية التي تتعلق بالمسكن والملبس والتعليم والصحة والمواصلات".

وبلغ خط الفقر المطلق في 2010 للفرد 67.8 دينارا شهريا، وللأسرة البالغ حجمها 6 أفراد نحو 406 دنانير شهريا، و814 دينارا سنويا للفرد.

ورغم عدم صدور إحصاءات رسمية منذ عام 2010 حول الفقر في الأردن إلا أنه وبموجب تقرير دائرة الإحصاءات العامة لذلك العام، فإن محافظة معان سجلت أعلى نسبة فقر بين جميع المحافظات في حين كانت العاصمة والكرك الأقل فقراً، فيما عدّ قضاء وادي عربة التابع لمحافظة العقبة "الأشد فقراً".

عضو مجلس النواب ديمة طهبوب قالت في تصريح تحت القبة في مارس الماضي إن الحكومة "تعمد إلى إخفاء معدلات الفقر في الأردن؛ لأنها إذا نشرت، لن تستطيع تمرير قوانين مثل ضريبة الدخل والمبيعات والموازنة، بالإضافة إلى الكشف عن اختفاء الطبقة الوسطى".

ورد رئيس الوزراء عمر الرزاز حينها بأن دراسة أنجزت عن خط الفقر في الأردن، ستكون متوافرة خلال "أسبوع أو أسبوعين"، لكنها لم تصدر حتى اليوم.

ولم يتسن الحصول على رد من الحكومة حول موعد إطلاق نتائج دراسة خط الفقر.

وتعود أول دراسة حول قياس الفقر في الأردن إلى عام 1973 إضافة إلى دراسة جيوب الفقر في المملكة عام 1989، بحسب دائرة الإحصاءات العامة.

النائب وفاء بني مصطفى قالت لـ"المملكة" إن "حالات الفقر في ازدياد وما زلنا بانتظار الدراسة الرسمية حول خط الفقر التي وعدت الحكومة بإطلاقها عام 2019".

وأضافت " ما نحتاجه في الأردن هو معالجة فعلية للفقر وإخراج الأسر من الفقر المدقع وصولا بها إلى الاكتفاء الذاتي في الغذاء".

ويبلغ متوسط إنفاق الفرد السنوي في الأردن على السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات نحو 2586 دينارا، وفق إحصائيات 2017/2018 التي نشرتها دائرة الإحصاءات العامة .

ويعرف الفقر المدقع بأنه خط فقر الغذاء الذي يعني " مستوى الإنفاق اللازم للفرد لتأمين الحاجات الغذائية الأساسية التي تؤمن له السعرات الحرارية اللازمة لممارسة نشاطاته الاعتيادية اليومية وبقائه حيا..."، بحسب دائرة الإحصاءات العامة.

وبلغ متوسط خط الفقر المدقع 336 دينارا سنويا أي نحو 28 دينارا شهريا للفرد، وعلى مستوى الأسرة المكونة من نحو 5 أفراد 151 دينارا شهريا، في حين بلغت نسبة البطالة للأردنيين 18.7% في الربع الرابع من العام الماضي، وفق الإحصائيات الرسمية.

المملكة