تعاني سمية (53 عاما) من ديون متراكمة تتوقع أن تجبرها على إخلاء منزلها في الزرقاء، وتعيدها إلى السجن.

ويترتب على سمية دفع 4 آلاف دينار، وهو مجموع ما تراكم عليها من إيجار منزلها المتواضع، إضافة إلى قرض حصلت عليه لإنشاء مشروع لم ينجح.

إذا فشلت في ذلك، فسيكون السجن في انتظارها.

"أنا غير متزوجة، لا معيل لي، والداي متوفيان. أعيش مع شقيقتي، التي لا تستطيع مساعدتي؛ لأن لديها ما يكفيها من التزامات مالية"، تقول سمية لـ "المملكة".

درست سمية المحاسبة في كلية مجتمع، لكنها لم تحصل على شهادة امتحان الشامل الضروري لإكمال الدراسة أو التوظيف، ولم تعمل في تخصصها. "حرصت على الاعتناء بأمي التي كانت مريضة بالسرطان إلى أن توفاها الله"، تضيف سمية.

في سجن النساء، الوضع جيد نسبياً لسجينات القضايا المالية ... كنا تقريبا 22 امرأة، ولم نختلط بنزيلات قضايا أخرى ... كان سريري مريحاً، والغرفة دافئة، والطعام جيداًسمية، إحدى الغارمات

حاولت تأسيس عمل خاص لها عن طريق قرض من صندوق التنمية والتشغيل، الذي يمنح قروضا للعاطلين عن العمل، أو أصحاب الدخل المتدني من المتقاعدين، بشرط وجود كفلاء حكوميين.

وتشرح: "حصلت على قرض لافتتاح محل هواتف نقالة، لكن مشروعي لم ينجح، وتراكمت ديوني".

"يريد صاحب المنزل الذي أسكنه أن يرفع إيجاره الشهري من 60 ديناراً إلى أكثر من الضعف. أنا لا أستطيع دفع الإيجار الحالي"، تقول سمية، التي سُجنت في يناير بعد أن رفع مالك منزلها قضية يطالبها بسداد أكثر من 1600 دينار، سددها متطوعون بعد حبسها.

لم يكن ذلك آخر هموم سمية.

صندوق التنمية والتشغيل رفع قضية ضدها، يطالبها بدفع 2400 دينار عن القرض الذي حصلت عليه، وإن لم يتوصل الطرفان لتسوية، ستسجن سمية مرة أخرى في نهاية شهر فبراير الحالي.

ربما أتمكن من الحصول على راتب شهري من وزارة التنمية الاجتماعية، فبالتأكيد لا أحد يرغب بتشغيل امرأة تجاوز عمرها الخمسين، ولا تحمل شهادة علمية، أو خبرة عملية سمية

في عام 2018 بلغ مجموع النساء المقترضات من صندوق التنمية والتشغيل 1302 من أصل 3277 بنسبة تبلغ نحو 40%، في حين زادت النسبة في 2016 و2017 عن 50%، ويبلغ سقف القروض الممنوحة من الصندوق 75 ألف دينار، وفق مساعد مدير الصندوق، خالد جرادات.

الغارمات

يطلق على سمية وغيرها من المتعثرات مالياً، وصف "الغارمات"، وفق مختصين.

"مصطلح الغارمات، مصطلح وارد في القرآن الكريم بلفظ الغارمين ويدل على الأشخاص غير القادرين على سداد ديونهم، ولم يرد في أي قانون أردني"، تقول عضو مجلس النواب، وفاء بني مصطفى، وهي محامية وحقوقية.

"استخدم مصطلح غارمات سابقاً في مصر، التي جمعت الزكاة مدة طويلة لبند الغارمات، فقد عملت العديد من النساء على الاقتراض لتجهيز بناتهن للزواج، وأصبحن مطلوبات للتنفيذ القضائي؛ لعدم قدرتهن على السداد"، تشرح بني مصطفى.

في الأردن، استخدم مصطلح غارمات "بعد انتشار الصناديق الإقراضية، وبدأت النساء بالاقتراض منها ثم أصبح عدد منهن غير قادرات على السداد"، وفق النائبة.

ويوضح رئيس ديوان التشريع والرأي، نوفان العجارمة أن "مصطلح الغارم ليس مصطلحاً قانونياً، إذ يستخدم القانون الأردني مصطلحي دائن ومدين".

وزير العدل بسام التلهوني يتفق مع ذلك.

مسألة الغارمات تحتاج إلى مزيد من الدراسة، خاصة أن القانون الأردني لم يعرّف المصطلحبسام التلهوني، وزير العدل

يقول التلهوني لـ "المملكة" أن "ليست كل غارمة، غارمة فهناك من تقترض لشراء تلفزيون، وأخرى تكون مدينة بملايين الدنانير".

دائرة الإفتاء العامة الأردنية ذكرت أن الزكاة تجوز على المدين غير القادر على السداد، لافتة إلى أن مصارف الزكاة في الشريعة الإسلامية حددت بـ 8 أصناف من بينها الغارمين، كما ورد في الآية 60 من سورة التوبة.

حبس المدين

سهى،( 37 عاما) وهي أم لتوأم، تقول إنها اقترضت من أحد البنوك 6 آلاف دينار من أجل زوجها، لكن عدم سداده المبلغ ضاعفه لـ 12 ألف دينار.

"لم يخبرني زوجي بعدم سداده القسط المطلوب شهرياً، واكتشفت بعد عام أنني مطلوبة للتنفيذ القضائي. رفض زوجي مساعدتي، واضطررت لجدولة ديوني، وتسوية الأمر مع البنك بعد استدانة مبلغ من أقرباء لي"، تشتكي سهى.

"انفصلت عن زوجي بعد أن تخلى عنا تماما ... أعمل في شركة خاصة براتب زهيد. ليس سهلا أن تثبت المرأة دينا مستحقا لها على زوجها لعدم وجود أوراق ثبوتية، بينما يكتفى بمثل هذه الحالات بحلف اليمين من قبل الرجل"، تضيف سهى.

غالبية النساء يطلبن قروضاً لمساعدة أزواجهن أو إخوانهن أو أولادهنخالد جرادات، مساعد مدير صندوق التنمية والتشغيل

بموجب المادة 22 من قانون التنفيذ، يجوز للدائن أن يطلب حبس المدين إذا "لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الإخطار، على أن لا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن 25% من المبلغ المحكوم به ... ".

ويستطيع الدائن بموجب القانون، طلب حبس مدينه دون الحاجة لإثبات اقتداره في حالات معينة مثل "التعويض عن الأضرار الناشئة عن جرم جزائي، ودين النفقة المحكوم بها، ويعتبر كل قسط منها ديناً مستقلاً، والمهر المحكوم به للزوجة، والامتناع عن تسليم الصغير الذي عهد إليه بحفظه، أو عدم الإلتزام بتنفيذ حكم المشاهدة، وفي هذه الحالات لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس 90 يوماً في السنة الواحدة عن الدين الواحد، ويمكن أن يستمر الحبس في دين آخر بعد انقضاء مدة الحبس الأولى".

حتى لو أثبتت امرأة أنها حصلت على قرض بنكي لأجل زوجها، فلن يعفيها ذلك من مطالبة البنك لها بسداد القرض. أما في حال إثبات أن رجلاً أجبر زوجته على توقيع سندات مالية، فالأمر يختلف صلاح جبر، محامٍ، مركز العدل للمساعدة القانونية

ولا يجيز القانون بموجب المادة 23 من قانون التنفيذ "حبس المدين إذا كان المحكوم به ديناً بين الأزواج أو ديناً للفروع على الأصول".

وتنص المادة 25 من القانون على أنه " لا يسقط الدين بتنفيذ الحبس ولا يحول العفو العام دون حبس المدين ما لم يرد نص مخالف".

يتراوح عدد الغارمات في السجون من 20 إلى 29 امرأة، وفق مدير مراكز الإصلاح والتأهيل، العميد أيمن العوايشة.

"عدد المحبوسات متغير؛ لأن من تسدد ديونها يُفرج عنها فورا. يجب التفريق بين الغارمات، وهن المحكومات بقضايا عدم دفع دين محدد، وبين قضايا الشيكات، فهي قضايا جزائية"، يبين العوايشة.

تعديل قانون التنفيذ

هديل عبد العزيز، المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، تطالب بتعديل قانون التنفيذ بإلغاء حبس المدين.

"الغارم أو الغارمة هو الشخص العاجز عن سداد الدين، ويتعرض لضائقة بسببه، والمعيار هنا هو القدرة على السداد من عدمه، وليس قيمة الدين"، تقول عبد العزيز.

طرحت بني مصطفى مذكرة نيابية في السابق لم تنجح في إلغاء حبس المدين من قانون التنفيذ "لما فيه من مخالفة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتمييز بين الأردنيين في الحالات التي يجوز حبسها أو لا يجوز، الأمر الذي يعني مخالفة مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور".

إن القانون يمنع في المادة 23 منه حبس موظف مدين إن كان يعمل في القطاع العام، لكنه يسمح بحسبه إذا كان عاملاً في القطاع الخاصوفاء بني مصطفى، عضو مجلس النواب، محامية وحقوقية

وتنص المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه " لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي".

النائب حسين القيسي تبنى مذكرة الأسبوع الماضي، وقع عليها 47 نائباً للمطالبة بتعديل قانون التنفيذ، ومن بين التعديلات المقترحة، منع حبس النساء الغارمات، واستبدالها بالخدمة الاجتماعية.

مبادرات

وزارتا التنمية الاجتماعية والعدل، ومديرية الأمن العام وقعوا في نهاية ديسمبر 2018 اتفاقية تعاون ضمن مبادرة الهلال الأحمر الإماراتي لسداد ديون غارمات أردنيات بنحو 400 ألف دينار أردني. وتمكنت الاتفاقية من مساعدة نحو 1600 غارمة، وفق إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية.

وأعلن صندوق الزكاة التابع لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عن تخصيص مبلغ نصف مليون دينار لسهم الغارمين في العامين 2019-2020، في حين بلغ مجموع المنتفعين من برنامج سهم الغارمين نحو678 شخصاً، إذ أطلق البرنامج في أبريل 2017.

وأطلق مركز العدل للمساعدة القانونية في ديسبمر 2018 حملة "توقيعك بكلفك" وتهدف إلى "نشر الوعي فيما يخص الغارمين سواء من الرجال أو النساء العاجزين عن سداد التزاماتهم المالية، والحديث عن التبعات القانونية للكفالة، وتوقيع الشيكات والكمبيالات والاقتراض، بعد أن أدت لوقوع الكثيرين في إشكالات قانونية انتهت بهم إلى الحبس".

المملكة