يتقاسم الأردن مع إسرائيل مصادر مائية مشتركة وفق معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، إلا أن مختصين يرون أن الاتفاقية، التي وقعها الطرفان في عام 1994، لم تفصل بشكل واضح وصريح حصة الأردن المائية.

ويتشارك الأردن وإسرائيل في مياه بحيرة طبريا ونهري اليرموك والأردن، إضافة إلى آبار جوفية. ووفقاً للملحق 2 الذي يفصّل المادة 6 من نص المعاهدة، تحصل إسرائيل على 12 مليون متر مكعّب من مياه نهر اليرموك في فترة الصيف، و13 مليون متر مكعب في فترة الشتاء، فيما يحصل الأردن على "باقي التدفق".

"الملحق الخاص بالمياه في المعاهدة لم ينص على حقوق الأردن في روافد نهر اليرموك، واستندنا على المصب السفلي (أو نهر الأردن السفلي) ولم نتطرق للروافد الرئيسية للنهر وبحيرة طبريا،" يقول الدكتور محمد بني هاني، الأمين العام الأسبق لوزارة المياه، وقت توقيع المعاهدة وخبير المياه الدولي.

"اللجنة الأردنية-الإسرائيلية التي تفاوضت حول ملف المياه، هدفت بشكل أساسي إلى إنهاء كل الملفات للتوصل بشكل سريع للمعاهدة، الأمر الذي لم يسمح للتأني بدراسة بنود الاتفاق المتعلقة بالمياه؛ مما ضيع على الأردن فرصة الحصول على حقوقه كاملة من المياه،" يضيف بني هاني، الذي كان عضواً في اللجنة.

وتنص المعاهدة على حصول الطرفين على فيضان نهر اليرموك، التي قدرها بني هاني بـ 70 مليون متر مكعب.

في الخمسينيات ادعت إسرائيل أن حصتها المائية تأتي من "مثلث نهر اليرموك"، وهي المنطقة الواقعة بين جنوب بحيرة طبريا وشرق نهر الأردن وشمال نهر اليرموك.

"لكن تلك المنطقة جزء من أراضي فلسطين، ومساحتها 26 ألف دونم. عام 1953 قرر العرب مجتمعين أن حصة إسرائيل من نهر اليرموك لا تزيد عن 17 مليون متر مكعب، وأن تأخذ باقي الحصة من بحيرة طبريا ونهر الأردن،" وفقا لبني هاني.

"الأردن أصر على هذا الأمر حتى بداية التسعينيات، بل وقبل ذلك خلال مفاوضات لجنة الهدنة مع إسرائيل، لكن المعاهدة وفرت لإسرائيل 25 مليونا" يشرح بني هاني. "الحصة الإسرائيلية ثابتة، وبحسب الاتفاقية، ما تبقى لنا يشكل حصة متغيرة. قامت إسرائيل بتركيب مضخات قبل ملتقى نهر اليرموك مع نهر الأردن، وتضخ لطبريا للتحلية، ولم يكن لهم حق في هذه المياه".

خطة جونستون

خطة المياه الموحدة لوادي الأردن، المعروفة باسم "خطة جونستون" كانت الأساس في اعتماد الحصص المائية بين الأردن وإسرائيل، بعد أن طورها السفير الأميركي إريك جونستون في الفترة 1953-1955 بناء على خطة سابقة صُممت لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا).

"كان التنسيق العربي مثالياً في أثناء التفاوض على خطة جونستون، إلا أن عدم التزام الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات والمتشاركة في حوض طبريا بتلازم المسارات، أسهم بذهاب الأردن بشكل منفرد للتفاوض مع إسرائيل في بداية التسعينيات"، حسب بني هاني.

"الخطة كانت تقوم بالأساس على تحويل روافد نهر الأردن إلى الأراضي المحتلة، وتم التعديل على حقوق المياه لكل طرف مشارك وهي الأردن وسوريا ولبنان وإسرائيل،" وفقاً لبني هاني. "ما كان ينبغي أن نقبل بالتفاوض دون أخذ الروافد العلوية لنهر اليرموك، التي توفر نحو 100 مليون متر مكعب تستفيد منها إسرائيل في ري 136 ألف دونم جنوب طبريا".

حصة المملكة في نهر الأردن تقدر بنحو 90-100 مليون متر مكعب، بما في ذلك 20 مليون متر مكعب تتدفق من نهر اليرموك، التي تبلغ فيه حصة الأردن 140-150 مليون متر مكعب، وفق عدنان الزعبي، مساعد أمين عام وزارة المياه والري.

"تدفق مياه بحيرة طبريا لنهر الأردن وقت وضع خطة جونستون وصل إلى 1.3 مليار متر مكعب، إلا أن التدفق الآن لا يزيد عن 300 مليون متر مكعب"، يوضح الزعبي.

"الخطة خصصت 90 مليون متر مكعب لسوريا، و25 مليون متر مكعب لإسرائيل، والباقي للأردن، الذي قدر بـ 350 مليون متر مكعب.

اتفق الأردن مع إسرائيل أن يسمح لها في فصل الشتاء بسحب 20 مليون متر مكعب من سد العدسية على نهر اليرموك، مقابل حصول المملكة على 10 ملايين من نهر الأردن، في أوقات تحددها، خارج فصل الصيف، وفق معاهدة السلام.

"اتفاقية السلام تنص على أن يعمل الطرفان لإيجاد مصادر مائية توفر للأردن 50 مليون متر مكعب إضافية، إلا أن إسرائيل حاولت التنصل أكثر من مرة من الاتفاق" يقول الدكتور دريد محاسنة، وهو أمين عام سابق لسلطة وادي الأردن وأحد أعضاء وفد التفاوض حول المياه في محادثات السلام الأردنية الإسرائيلية.

"توصل الأردن مع إسرائيل لاتفاق عام 1998 لتزويد المملكة بـ 25 مليون متر مكعب سنوياً في الصيف، و25 مليون متر مكعب مياه محلاة، إلا أن إسرائيل لا تزال تتنصل من الاتفاق حتى الآن" حسب محاسنة.

بني هاني يؤكد أن الأردن لم يأخذ حقوقه المائية وفقا لخطة جونستون.

"أخذنا 150 مليون متر مكعب من المياه المالحة من بحيرة طبريا، بدلا من حقنا في الروافد العلوية لنهر الأردن التي تعتبر أقل ملوحة. فمثلا، نسبة الملوحة في روافد نهر الأردن تصل إلى 120 جزءا من المليون، في حين تقدر بـ 700 جزء من المليون في حوض بحيرة طبريا الجنوبي"، يوضح بني هاني.

محاسنة يفسر أن سبب ارتفاع الملوحة في مياه البحيرة يعود إلى زيادة الاستهلاك، وقلة التدفق، وتوسع الجفاف.

"الأردن أصبح أقل اعتماداً على مياه بحيرة طبريا، وأكثر اعتماداً على مياه نهر اليرموك،" يقول محاسنة.

مياه الغمر والباقورة

تقع الغمر في منطقة وادي عربة في منتصف المسافة تقريباً بين جنوب البحر الميت وخليج العقبة، وتبلغ مساحتها 4235 دونما، احتلتها إسرائيل خلال الفترة 1968-1970، واستعادها الأردن بموجب معاهدة السلام.

أما الباقورة فتبلغ مساحتها 820 دونما وتقع شرقي نقطة التقاء نهر الأردن مع نهر اليرموك، داخل أراضي الأردن، احتلتها إسرائيل عام 1950، واستعادها الأردن من خلال اتفاقية السلام.

"آبار الغمر توفر 10 ملايين متر مكعب وتعد كنزا مائيا. قامت إسرائيل بوضع مضخات ضخمة في منطقة الباقورة لسحب المياه الفائضة من نهر اليرموك، وهي بالأصل من حق الأردن، وتبلغ كمية الفائض من نهر اليرموك نحو 70 مليون متر مكعب تأخذها إسرائيل بشكل كامل، وتصبها في طبريا" وفق بني هاني. "المياه هي سبب تمسك إسرائيل بتلك الأراضي".

الزعبي يوضح أن الأردن يحصل من إسرائيل على 10 ملايين متر مكعب سنوياً من مياه طبريا، مقابل المياه التي تستغل في آبار وادي عربة (الغمر).

الأردن يشتري الماء من إسرائيل

الأردن الفقير مائيا اشتري مياها "أكثر من مرة من إسرائيل عبر الخط الناقل (قناة الملك عبد الله) في أوقات الجفاف أو زيادة الحاجة" وفق الزعبي.

الزعبي قدر كميات المياه التي اشتراها الأردن بنحو 5-8 ملايين متر مكعب، "بمتوسط سعر 28 قرشا للمتر المكعب".

بالنسبة لمحاسنة، "الأردن قد يحتاج شراء بعض كميات المياه من إسرائيل؛ فالوضع المائي في الأردن خطير".

"اتفاقية السلام مع إسرائيل مكنت الأردن من تحصيل حقوقه المائية واسترجاع حقوقه في نهر الأردن، وتثبيت هذه الحصص في مرجعية قانونية، إلا أن مراوغة إسرائيل من خلال الغموض في صياغة بعض المصطلحات والكلمات واستخداماتها، مثل كلمة (تعاون) أسهم في تنصلها من بعض التعهدات المنصوص عليها في الاتفاقية،" يقول محاسنة.

المملكة