"شدهم الحنين إلى ديارهم فرجعوا إليها،" يقول اللاجئ السوري، مصطفى عن أقاربه، الذين قدموا معه إلى الأردن قبل سنين هربا من أزمة بلادهم، التي أدت إلى هجرة ونزوح ملايين الأشخاص.

 

لكن مخاوف لدى الشاب، الباحث عن عمل منذ 3 أعوام، تمنعه حاليا من العودة هو وزوجته وطفلته ذات الربيع الواحد إلى محافظة حماة السورية، التي غادرها عام 2012.

 

"لا أرى سببا مقنعا للعودة. الوضع الأمني في سوريا لا يزال ينقصه الاستقرار، ناهيك عن التجنيد الإلزامي، الذي لا مفر منه لمن يفرض سنه عليه ذلك،" يقول مصطفى (28 عاما) لـ "المملكة"، بالرغم من صعوبات مالية يواجهها بعد أن أوقفت قناة تلفزيونية خاصة كان يعمل فيها بثها.

 

"ربما عاد أقربائي للبحث عن فرص عمل أفضل. أعلم أن البعض شدهم الحنين إلى ديارهم فرجعوا إليها لرؤية آبائهم،" يضيف مصطفى، الذي يحمل شهادة بكالوريوس في اللغة العربية من جامعة البعث الحكومية في حمص، ويقطن شرقي العاصمة عمّان.

 

ويستضيف الأردن أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري، وفقا لإحصائيات حكومية. أما المسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيبلغ عددهم نحو 670 ألفاً، يعيش منهم نحو 126 ألفا في مخيمات الزعتري، والأزرق، والمخيم الإماراتي الأردني "مريجيب الفهود".

                                                        

منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تقول إن الأطفال يشكلون نصف اللاجئين السوريين في الأردن، الذي يصنف كل من يقل عمره عن 18 سنة ضمن فئة الأطفال.

 

عودة طوعية

 

ويشجع الأردن، الذي يبلغ عدد سكانه 9.7 ملايين نسمة تقريبا، عودة طوعية للاجئين السوريين، التي لا تزال استضافتهم تمثل تحديا يواجه البلاد.

 

وبحسب الأمم المتحدة، اختار 12373 لاجئا سوريا العودة إلى بلادهم من الأردن، منذ منتصف أكتوبر الماضي حتى 20 فبراير 2019.

 

وتبين أرقام المفوضية أن 8% من اللاجئين السوريين في الأردن يرغبون في العودة إلى بلادهم عام 2019.

 

لكن أنور (24 عاما) لا يزال يخشى العودة.

 

"سمعت أن بعض من عادوا إلى سوريا يواجهون تجنيدا إلزاميا، إضافة إلى ضغوطات حياتية وصعوبات مادية،" يقول أنور، بالرغم من تعطله عن العمل في عمّان، وحاجته لإعالة زوجته وطفله الصغير.

 

نحو 71% من اللاجئين يخشون العودة بسبب "الأوضاع الأمنية ومعوقات حرية التنقل"، فيما يخشى 33% و26% منهم من شح مصادر الدخل، ونقص الخدمات العامة، بحسب المفوضية.

 

"يحتمل أن ترتفع نسبة الراغبين في العودة من 8% إلى 66%،" يقول الناطق باسم المفوضية في الأردن، محمد الحواري، لـ "المملكة"،من دون ذكرالأسباب.

 

"واجب وطني"

 

القائم بأعمال السفارة السورية، أيمن علوش يوضح لـ "المملكة" أن "سوريا توفر التسهيلات اللازمة لعودة اللاجئين إلى بلادهم"، ولا يرى التجنيد الإلزامي عائقا.

 

"هو واجب وطني على كل مواطن سوري للدفاع عن أرضه، فنحن دولة تخضع لاحتلال ومؤامرة ...،" يقول علوش.

ويرى علوش أن "عودة السوريين آمنة ...، إذ لا توجد إجراءات تمنع عودة السوري إلى بلاده، فحتى من كان ضد الدولة السورية يمكنه التقدم بتسوية لوضعه ...".

عدد الوثائق التي أصدرتها السفارة السورية في عمّان للاجئين سوريين راغبين في العودة "أكبر بكثير من أرقام الأمم المتحدة"، وفق المسؤول الدبلوماسي. "يراجع يومياً السفارة السورية في عمّان حوالي 300 شخص راغب في العودة، ويصل العدد أحياناً إلى 500 ...".

وأضاف: "نقدر تحمل الأردن لعبء اللاجئ السوري ... ".

 

أنس (24 عاما)، يقف بين عشرات السوريين الذين يقفون أمام سفارة بلادهم في عمّان لتجديد جوازات سفرهم وإجراء معاملات العودة.

 

"قضيت في الأردن 6 سنوات تقريبا لم أتمكن خلالها من إكمال دراستي، أو إيجاد استقرار وظيفي. سأعود إلى سوريا بعد أن نجح أبي في تأمين مبلغ 8 آلاف دولار (نحو5.6   آلاف دينار أردني) بدلا عن الخدمة الإلزامية،" يقول أنس لـ "المملكة".

 

وبموجب أنظمة وقوانين التجنيد الإلزامي في سوريا، يمكن "دفع البدل النقدي لمكلف لديه إقامة مدة 4 سنوات خارج القُطر ... قيمة البدل النقدي حالياً 8 آلاف دولار". وتُفرض الخدمة الإلزامية في سوريا على من تتراوح أعمارهم بين 18-42 عاماً من الذكور، ومدتها 24 شهراً.

 

" قوت أطفالي"

 

في مخيم الأزرق، يقطن منذ عام قصي هو وزوجته وأطفاله الأربعة بعد أن انتقلوا من مخيم الزعتري، حيث عاشوا 5 أعوام.

 

"ليس لي عمل هنا، ولدي 4 أطفال وأمهم حامل بتوأم. كنت أعمل وزوجتي في مخيم الزعتري في محل كنت أملكه لبيع ملابس عرائس. لا أعلم لماذا نُقلت إلى مخيم الأزرق، حيث تصلنا الكهرباء 5 ساعات يوميا فقط،" يقول قصي.

 

"باتت حياة اللجوء أصعب ولم يعد بإمكاني البقاء. في سوريا، دمر منزلي في درعا، وسيكون التجنيد الإلزامي في انتظاري، لكن لا أملك إلا العودة مع عائلتي الشهر القادم، لأنهي حياة اللجوء، وأبحث عن قوت أطفالي،" يضيف الرجل البالغ من العمر 35 عاما.

 

يسكن في مخيم الأزرق 40422 لاجئا سورياً، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة المنشورة في يناير 2019، بينما يعيش في مخيم الزعتري 78597 لاجئاً سورياً، وفي المخيم الإماراتي الأردني "مريجيب الفهود" 6870 لاجئا سوريا.

 

مخيم الأزرق يضم "أول محطة توليد طاقة شمسية في العالم تستخدم في مخيمات اللجوء،" وفقا للحواري. "قريبا سترفع قدرة توليد الطاقة الشمسية وتزيد سعتها من 3.5 ميجا وات إلى 7 ميجا وات".

 

حمدان يعقوب، رئيس وحدة اللجوء السوري في وزارة العمل، قال في وقت سابق لـ "المملكة" إن الحكومة منحت مخيمي الزعتري والأزرق 28 ألف تصريح عمل، فيما بلغ عدد التصاريح للسوريين منذ عام 2016 وحتى مارس 2019 نحو 135 ألفا.

 

المفوضية تقول إنها "ستواصل دعم سبل كسب العيش للاجئين السوريين في الأردن، وحقهم في العمل ..."، لافتة إلى أن الأردن "تعهد بتوفير 200 ألف فرصة عمل للاجئين السوريين على مدى سنوات مقابل قروض ومزايا".

 

وتمكنت المفوضية في عام 2017 من إعادة توطين نحو 4987 ممن لجأ من سوريا إلى الأردن في بلد ثالث خلال 2017".

 

"حوالي 75 ألف لاجئ بينهم لاجئون سوريون بحاجة لتوطين في بلد ثالث؛ بسبب حاجتهم لرعاية صحية خاصة، أو لحاجتهم لرعاية دولية لعدم قدرتهم على العودة إلى دولهم الأصلية"، تقول المفوضية.

 

المملكة