جاؤوها من مختلف أصقاع الأرض وتقاطعت مساراتهم، وسواء توجهوا للصلاة في المسجد الأقصى أو للسير على درب الآلام، فقد شعروا بالتوتر في جمعة كللها الحزن جراء الحرب الدائرة رحاها على مسافة غير بعيدة في غزة.

قالت ليندا الخطيب القادمة من العيزرية "هذا يوم مميز جداً، خصوصا في رمضان. لكنني حزينة جدا. لا يوجد عدد كبير من الزوار، لا يوجد ناس. حتى الطريق كلها خوف، من لحظة نزولنا من الحافلة ربما شاهدنا قرابة ألف جندي. نشعر بخوف كبير، لا نشعر بارتياح".

عدد كبير ممن توجهوا للصلاة هم من أبناء القدس أو من البلدات العربية شمال فلسطين المحتلة أو من رهط البدوية في الجنوب. أما القادمون من الضفة الغربية المحتلة فتحدثوا عن انتظار مرهق على المعابر.

معاناة على المعابر

وقالت ليندا ومنزلها يبعد كيلومترين من القدس "مشوار يحتاج إلى خمس دقائق استغرق منا 45 دقيقة، لأنهم يؤخرون الناس وأرجعوا كثيرين".

لا تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلي سوى بدخول الأطفال، والنساء فوق 50 عاماً والرجال فوق 55 عاما على أن يخضعوا لفحص أمني ويحصلوا على بطاقة ممغنطة، ثم على تصريح زيارة.

ولذلك، شوهد كثير من الأطفال مع جدهم أو جدتهم وليس مع أمهاتهم وآبائهم.

وعند حاجز قلنديا الفاصل بين رام الله والقدس، لم يقوَ بعض المسنين الذين منعهم الجيش من المرور بدون تصاريح على مغادرة المكان، وبدوا غير مصدقين.

وقال جهاد بشارات وهو يبكي "أنا جالس هنا لأنهم منعوني ... لماذا؟ لي الحق في (الذهاب) للقدس حتى أصلي ... حسبنا الله ونعم الوكيل".

وقال وائل سلامة بحزن "كان لدي تصريح لكبار السن ويُسمح لي بالدخول أيام الجمعة، لكن بعد الحرب لا يوجد تصاريح نهائيا".

نشرت شرطة الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية رمضان ثلاثة آلاف شرطي في القدس خشية حدوث مواجهات أيام الجمعة.

قبل رمضان بأسابيع انتهت كل صلاة في الأقصى بمواجهات واستخدمت الشرطة العنف حتى مع الصحفيين. لكن لم يُسجل أي حادث يُذكر منذ بداية الشهر، عدا عن توقيف عدد من الشبان.

وقال مدير أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب لفرانس برس إن "125 ألف مصلٍ شاركوا في الصلاة ... التي انتهت بهدوء وسلام".

وخلال خطبة الجمعة قال الإمام "ندعو الله أن يكون مع أهل غزة"، وفي ختام الصلاة، دعا لأداء صلاة الغائب، ترحمًا على أكثر من 32 ألفا استشهدوا في الحرب الإسرائيلية على غزة.

القدس أقوى من السياسة

وعلى بعد قرابة 200 متر، وعلى طرقات متعرجة، سار المئات على "درب الآلام"، تتقدمهم حملة الصليب انطلاقا من حيث يعتقد المسيحيون أن بيلاطس البنطي حكم على عيسى المسيح عليه السلام بالموت.

وفي 14 محطة رُويت خلالها عذابات المسيح إلى أن سُجي في كنيسة القيامة، تقدم المسيرات قواسون مهمتهم فتح الطريق.

والقواسون الذين يرتدون صدرية مزركشة وسروالاً تقليدياً ويطرقون الأرض بعصا غليظة على وقع التراتيل ينتمون إلى عائلات مقدسية مسلمة، ومهمتهم حراسة المسيرة، في تقليد متبع منذ العهد العثماني.

وفيما ترددت كلمات إمام الأقصى عبر مكبر الصوت، قال الإيطالي ماريو تيوتي (64 عامًا) إن قدسية المدينة أقوى من الأحداث السياسية. وأضاف "إنه مكان خاص جدًا. تشعر بالمسيح هنا. لقد سار على هذه الدرب".

وقالت راهبة هندية المولد إنها واجهت صعوبة لم تعرفها من قبل للمجيء من بيت لحم، وإن الوضع لم يكن "متوتراً" إلى هذا الحد.

ولكن بعض السياح سعدوا لتراجع عدد الزوار، لأنه مكنهم من دخول كنيسة القيامة وزيارة قبر المسيح.

أ ف ب + المملكة