من أهمية الحفاظ على الماء، واحترام التعددية والتسامح، إلى المساواة بين المرأة والرجل، جدران أبنية في عمّان تزهو برسومات ولوحات فنية ضخمة تحاكي ما يشغل فكر الناس في ظاهرة شجعت بعضهم بأن يصف العاصمة بـ "مدينة الجداريات".
فنانون تشكيليون أردنيون ومن جنسيات أخرى، بمختلف الأعمار، يترجمون أفكارهم، وأفكار مجتمعهم المحلي عبر جداريات على أبنية في اللويبدة، الصويفية، ووسط البلد، وغيرها من مناطق العاصمة عمّان.
في اللويبدة، أحد أعرق مناطق عمّان، تبرز جدارية لوجه غزال رسمت على مساحة 40 متراً مربعاً للفنان صهيب العطار.
"ترمز اللوحة إلى السلام والهدوء والتوازن"، يقول العطار لـ "المملكة".
"أفضل عادة رسم جداريات عن حيوانات، فهي جميلة، وأستطيع من خلالها تناول قضايا"، يضيف العطار، المعروف محليا بجدارياته.
في منطقة الصويفية، وهي مركز تجاري، تظهر جدارية حوت رسمها العطار بألوان متعددة لزيادة وعي الناس عن شح المياه في الأردن، وهو من أفقر الدول مائيا في العالم، إضافة إلى تسليط الضوء عن قضايا بيئية.
"أنجزت جداريات كثيرة في مختلف مناطق عمّان وخارج العاصمة، ووصلت أعمالي إلى الولايات المتحدة"، يتابع العطار. ويبين أنه تعاون مع فنانين أجانب ومنظمات دولية لتنفيذ مشاريع في شتى أنحاء الأردن، بما في ذلك مخيمات لاجئين سوريين.
"الجداريات تضيء عمّان بمختلف المواضيع، وتحسن ألوانها أمزجة الناس"، بحسب العطار.
"تحتاج المدينة بالتأكيد إلى مزيد من هذا الفن لكسر جمود أبنيتها، وتمكين الناس من إطلاق العنان لمخيلاتهم وأفكارهم"، ينصح العطار، الذي صنع في 3 أيام جدارية على حائط المركز الأمني في منطقة الدوار الثامن إحياءً لذكرى مرور 100 عام على الثورة العربية الكبرى.
حب وسلام
وعلى الرغم من حداثة هذا النوع من الفنون في الأردن، إلا أن عمّان أصبحت تحتضن العديد من فناني الجداريات.
"رسمتُ الكثير من الجداريات في الأردن، وأفضل الرسم في الشارع حتى تصل رسالتي لأكبر عدد ممكن من الناس"، تقول الفنانة ميرامار النيّار، التي تقول إنها تؤمن بأن "الفن للجميع، بغض النظر عن اختلاف ثقافات ولغات متلقيه".
وتوضح أن ردود أفعال الناس "كانت سلبية في البدايات".
"ربما يعود سبب تلك الردود إلى عدم تقبل فكرة أن ترسم فتاة في الشارع، لكن هذا الأمر جعلني أكثر إصرارا على الرسم والتعبير عن قضايا من خلاله"، بحسب النيّار.
تُظهر جدارية رسمتها النيار بالقرب من مكتبة عبد الحميد شومان العامة قرب منطقة الدوار الأول، شخصين يتكئ أحدهما على كتف الآخر. "تحكي الجدارية في تفاصيلها عن الحب والسلام".
في "درج الكلحة" العريق الواصل بين اللويبدة ووسط البلد، والذي يعج بأعمال فنية، رسمت النيار جداريتين متجاورتين لوجهي الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش، والموسيقي اللبناني، مرسيل خليفة.
في قلب عمّان، حيث المدرج الروماني، ونبض حياة سريع، رسمت الفنانة جدارية لوجه منقسم إلى نصفين، أحدهما لذكر والآخر لأنثى، كتب عليها "نحن واحد".
"العدل والمساواة بين الجنسين أساس في حمل رسالة الإنسانية، والعيش بكرامة"، تقول النيّار.
في مدينة الزرقاء، رسم الفنان كيفن ليدو جدارية أطلق عليها اسم "المساواة" التي تدور فكرتها حول أهمية تمكين المرأة ومساواتها بالرجل.
"مدينة الجداريات"
ويرى بعضهم أن جداريات عمّان الفنية تخفف من وطأة ازدحام المدينة المروري، وتزيدها جمالا.
"هذه اللوحات العملاقة تفرحني كلما أراها، فهي مليئة بالأفكار، التي يدور بعضها في ذهني"، يقول خالد وهو يسير في الصويفية.
محمد، الذي يتسوق في المنطقة نفسها، يتفق مع خالد.
"عندما أمر بسيارتي في الصويفية المزدحمة عادة، تلفت انتباهي جدارية لزوجين من الطيور، وكأنهما يغردان ...".
الفنانة سهى سلطان، التي رسمت عدة جداريات في عدة مناطق من عمّان والزرقاء، ترى في هذا الفن فرصة لكي يعبر الشباب من خلالها عن أفكارهم ومشاعرهم "بعيدا عن النمطية والتقليدية".
سلطان رسمت فتاة شعرها ملون، قد يبدو مظهرها غير مألوف للبعض. وترى الفنانة أن الجدارية "تعبر عن حقيقة أن أناسا يطلقون أحكاما على آخرين بناء على أشكالهم الخارجية، دون الالتفات إلى ما في داخلهم".
بالنسبة لمحمد، رؤية جداريات الصويفية تبعث على الراحة.
"كم يسرني هذا المنظر الذي ينسيني الازدحام المروري ... أشعر أنني في مدينة الجداريات،" يقول محمد.
المملكة