أكد معنيون بالشأن الاقتصادي أن الاقتصاد الوطني يظهر منذ بداية العام الحالي علامات تعاف وثقة متنامية من جانب المستهلكين والمستثمرين، مما سينعكس إيجاباً على دورة النمو خلال المرحلة المقبلة.
وقالوا، إن المسار التصاعدي للاقتصاد الوطني جاء مدعوما بالجهود الحكومية المبذولة في إطار تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، التي أسهمت في تبسيط الإجراءات وتحفيز الاستثمار وتعزيز الشراكة بين القطاعين.
وبينوا أن ما شهده الاقتصاد الوطني منذ بداية العام الحالي عزز ثقة المستهلك ورفع مستوى قناعته بأن اقتصاد المملكة يسير بالاتجاه الصحيح، وأنه قادر على تحقيق المزيد من التحسن خلال الفترة المقبلة، في وقت وصلت فيه الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي إلى 23.895 مليار دولار.
وكشف مؤشر "إبسوس" عن ارتفاع ثقة المستهلك الأردني بالاقتصاد الوطني بنسبة 1.3% على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 40.7%.
ويعد مؤشر "إبسوس" لثقة المستهلك، مسحا وطنيا ربع سنوي يرصد آراء المستهلكين حول الوضعين الحالي والمستقبلي للاقتصاد المحلي، وتقييمهم لأوضاعهم المالية الشخصية، وتوجهاتهم نحو الادخار أو الاستثمار، ويتم تنفيذه من شركة "إبسوس" للأبحاث.
ومنذ بداية العام الحالي تسجل مؤشرات الاقتصاد الوطني حالة من الارتفاع مستندة إلى قوته وقدرته على تجاوز الصعوبات، حيث زاد الدخل السياحي خلال الأشهر التسعة الماضية من العام الحالي بنسبة 6.8%، وصولا إلى 6 مليارات دولار.
كما ارتفع إجمالي حوالات العاملين الواردة إلى المملكة بنسبة 3.1%منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر آب الماضي لتبلغ 3 مليارات دولار، مقارنة مع الفترة نفسها من 2024.
وبلغت نسبة تغطية الصادرات الكلية للمستوردات 51 % خلال 7 أشهر من العام الحالي مقارنة مع 50% للفترة نفسها من العام الماضي، وهي أعلى مستوى تغطية يسجله الاقتصاد الوطني، بينما وصلت الصادرات الكلية للمملكة خلال هذه الفترة 5.798 مليار دينار.
ونمت صادرات القطاع الصناعي بنسبة 6.6 %، منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية تموز الماضي، مما يؤكد قدرة الصناعة الأردنية على التكيف مع التحديات والصعوبات وتجاوزها.
ودفعت موجة من الزخم الشرائي القوي مؤشر بورصة عمان لمواصلة صعوده خلال تعاملات الأسبوع الحالي، مسجلا مكاسب لافتة، بدعم من التفاؤل بنتائج الشركات المدرجة، فيما ارتفعت القيمة السوقية للأسهم المدرجة إلى نحو 24 مليار دينار، وهو أعلى مستوى تسجله السوق منذ عام 2009.
وشهدت جلسات التداول الأخيرة في البورصة نشاطا ملحوظا في أسهم الشركات القيادية ضمن قطاعات البنوك والخدمات المالية والعقار، وسط تدفق سيولة مقبولة؛ مما يعكس تنامي الثقة بأداء السوق وقدرته على اختراق مستويات مقاومة جديدة خلال الفترة المقبلة.
وأكد عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمان موسى الساكت، أن مسار الاقتصاد الوطني منذ بداية العام الحالي يسير باتجاه تصاعدي واضح، مما يعكس تحسناً ملموساً في المزاج الاقتصادي العام وثقة الأردنيين بمستقبلهم المالي وبأداء الاقتصاد الكلي.
وقال، إن الارتفاع المتتالي في مؤشرات الثقة سواء في الاقتصاد المحلي، أو الأمان الوظيفي، أو المناخ الاستثماري، أو القدرات المالية الشخصية يشير إلى مرحلة من التفاؤل يغذيه استقرار نسبي في المؤشرات الاقتصادية وتحسّن نسبي في النشاط الإنتاجي والاستهلاكي.
وأشار إلى أنه رغم بقاء تحدي البطالة كأولوية قصوى لدى الأردنيين، إلا أن غالبية المواطنين يرون أن الأوضاع الاقتصادية تسير في الاتجاه الصحيح، وأن الآفاق المستقبلية أكثر إشراقاً مما كانت عليه في الأعوام الماضية.
وبين الساكت أن الاقتصاد الوطني يظهر علامات تعاف تدريجي وثقة متنامية من جانب المستهلكين والمستثمرين، ما سينعكس إيجاباً على دورة النمو خلال المرحلة المقبلة، شريطة استمرار الإصلاحات الاقتصادية والمالية وتحفيز بيئة الاستثمار وتوليد فرص عمل بما يتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي.
من جهته، أكد عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الأوروبية في عمان محمد الصمادي، أن ارتفاع ثقة المستهلك الأردني بالاقتصاد الوطني خلال الربع الثالث من العام الحالي، يمثل مؤشراً إيجابياً على تحسن المزاج الاقتصادي العام واستعادة الثقة بالبيئة الاقتصادية والاستثمارية بالمملكة.
وقال الصمادي، إن وصول مستوى ثقة المستهلك 40.7% وارتفاع المؤشرات الفرعية كافة، ولا سيما ثقة الأردنيين بتوجهات الاقتصاد المحلي بنسبة 5.8% وتحسن مؤشرات الأمان الوظيفي والمناخ الاستثماري والقدرة المالية الشخصية كلها تعكس تطوراً تدريجياً في مناخ الثقة بالاقتصاد الوطني، وهو ما يشكل قاعدة أساسية لدفع عجلة النمو وزيادة النشاط التجاري والاستثماري.
وأشار إلى أن هذه النتائج تتزامن مع الجهود الحكومية المبذولة في إطار تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، التي أسهمت في تبسيط الإجراءات وتحفيز الاستثمار وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن استمرار العمل بروح التكامل والتخطيط طويل الأمد سيُترجم إلى تحسن ملموس في معيشة المواطنين وتوسيع فرص العمل.
ولفت إلى أن ارتفاع الثقة عادة ما يقود إلى تنشيط الإنفاق والاستهلاك المحلي، مما يعزز الدورة الاقتصادية ويحفّز القطاع الخاص على التوسع.
وأكد الصمادي أن استمرار تحسن المؤشرات الاقتصادية يتطلب الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، وتوسيع قاعدة الإنتاج والتصدير، بما يضمن تحقيق نمو شامل ومستدام يعزز مكانة الأردن كمركز إقليمي جاذب للأعمال والاستثمار.
من جانبه، رأى المتخصص بالشأن الاقتصادي منير دية، أن ارتفاع ثقة المستهلكين بالاقتصاد الوطني جاء بفعل ما شهده من زخم إيجابي في العديد من المؤشرات الاقتصادية سواء فيما يتعلق بارتفاع معدل النمو الاقتصادي الذي بلع 2.8% خلال الربع الثاني من العام الحالي وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لأكثر من 36% وارتفاع الصادرات والدخل السياحي والاحتياطيات الاجنبية والعديد من المؤشرات الأخرى التي أكدت قدرته على التعافي والدخول في مرحلة النمو والاستقرار بالرغم من حالة عدم اليقين التي شهدتها المنطقة وبعض القرارات والتطورات الاقتصادية الدولية.
وقال: "بالتالي ما شهده الاقتصاد الوطني منذ بداية العام الحالي، عزز ثقة المستهلك ورفع من مستوى قناعته بأن اقتصاد المملكة يسير بالاتجاه الصحيح، وإنه قادر على تحقيق مزيد من الانتعاش والتحسن خلال الفترة المقبلة".
وأكد دية أن الاقتصاد الوطني يسير بخطى متسارعة نحو تحقيق مزيد من المؤشرات الإيجابية تزامناً مع عودة الهدوء والاستقرار للمنطقة، وبالتالي مزيد من التعافي للقطاعات الرئيسة كالسياحة والخدمات والنقل الجوي.
من جهته، قال المدير العام لجمعية البنوك في الأردن، ماهر المحروق، إن مسار الاقتصاد الوطني خلال 2025، يسير في اتجاه إيجابي واضح، وقد ظهر ذلك جليًا من خلال معدلات النمو التي تحققت وكانت أعلى من التوقعات، ولا سيما في الربع الثاني من العام الحالي.
واعتبر أن القطاعات التي قادت هذا النمو تستحق تسليط الضوء عليها وتحليل أدائها بمزيد من العمق، وعلى رأسها القطاع الزراعي الذي سجّل نموًا لافتًا للنظر بلغ نحو 3.4% إلى 4%، حيث شهد تطورًا نوعيًا ملحوظًا، مع تغيّر طبيعة الزراعة واتجاهها نحو الأساليب الحديثة والتكنولوجيا الزراعية، مما انعكس على أدائه الاقتصادي.
وأضاف أن التسهيلات البنكية الممنوحة للقطاع الزراعي ارتفعت خلال السنوات الثلاث الماضية بنحو 200 %، حيث انتقلت من نحو 200 مليون دينار إلى أكثر من 600 مليون دينار، مما يعكس الثقة المتزايدة بهذا القطاع ودوره المتنامي في دعم النمو الاقتصادي.
وأكد المحروق أن الصادرات شهدت تحسّنًا، واستقر مستوى التضخم عند معدلات مقبولة، مما يعزز من متانة الأسس الاقتصادية العامة، رغم الظروف الإقليمية والجيوسياسية الصعبة التي تمرّ بها المنطقة، إلا أن الاقتصاد الوطني تمكن من تحقيق معدلات نمو إيجابية.
وتابع أنه "لا يمكن إغفال القرارات الحكومية الاقتصادية التي اتُّخذت خلال الفترة الماضية، إذ كان أثرها إيجابيا وملموسا في دعم المسار الاقتصادي، وتعزيز الثقة، ودفع عجلة النمو إلى الأمام.
وخلُص المحروق إلى أن الاقتصاد الوطني اليوم يتحرك بثبات في مسار إيجابي ومبشر، رغم كل التحديات المحيطة".
بدوره، قال إبراهيم الكردي من كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية فرع العقبة، إنّ ارتفاع ثقة الأردنيين بالاقتصاد الوطني وتحسّن قدراتهم المالية الشخصية يشكلان ركيزة أساسية لدعم النشاط السياحي خلال المرحلة المقبلة، موضحاً أن الثقة بالاقتصاد تعني زيادة في الإقبال على الإنفاق الاستهلاكي، ومن ضمنه الإنفاق على السياحة الداخلية.
وأضاف أن هذا التحسّن في مؤشرات الثقة الاقتصادية، يعكس تفاؤلاً عاماً سيدفع نحو زيادة الطلب على الخدمات السياحية الداخلية، وتنشيط حركة الزوار المحليين نحو الوجهات السياحية كالبحر الميت والعقبة ووادي رم والبترا، مما يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي في مختلف المحافظات.
وأكد الكردي، أن استمرار حالة التفاؤل الاقتصادي يسهم في تعزيز الإنفاق على الأنشطة الترفيهية والسياحية داخل المملكة، ويحفّز على الاستثمار في المنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة، مما يرسخ دور القطاع السياحي كأحد أهم محركات النمو الاقتصادي بالمملكة.
من جهته، أكد عميد كلية الأعمال السابق في الجامعة الأردنية رائد بني ياسين أن تقرير "إبسوس" يعكس تحسنًا جيداً في ثقة المستهلك الأردني بالاقتصاد الوطني، وهو مؤشر مهم يُستخدم لفهم توجهات المواطنين وسلوكهم الاستهلاكي والاستثماري، ويحمل دلالة إيجابية على صعيد استعادة الثقة العامة.
ودعا بني ياسين صناع القرار إلى الاستفادة من هذه المؤشرات لتحفيز مزيد من السياسات التي تدعم النمو، وخصوصًا ما يتعلق بمكافحة البطالة وتحسين بيئة الأعمال.
وقال: من المهم أيضًا أن تُترجم هذه المؤشرات الإيجابية إلى إجراءات عملية ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية، سواء من خلال تخفيف أعباء المعيشة أو توفير فرص عمل أو تحسين الخدمات، فوجود تحسن عام في مؤشرات الثقة يدل على شعور نسبي بالاستقرار في سوق العمل وبيئة الاستثمار، وأن هناك تفاؤلًا بالمستقبل القريب وإدراكًا عامًا بتحسن الأداء الاقتصادي.
من جانبه، قال أستاذ الجيولوجيا بجامعة الحسين بن طلال وعضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، محمد الفرجات إن النتائج التي عرضها تقرير "إبسوس" حول ارتفاع ثقة المستهلك الأردني بالاقتصاد الوطني خلال الربع الثالث من العام الحالي تمثل مؤشراً إيجابياً يعكس تحسناً في المزاج العام تجاه الوضع الاقتصادي، فارتفاع الثقة بنسبة 1.3% ووصولها إلى 40.7% هو تطور ملموس، مشيرا إلى أن هذه النتائج تبشر باتجاه نفسي إيجابي يمكن البناء عليه.
وقال: "إنه من الملفت أن أكثر من 60% من الأردنيين يرون أن الاقتصاد يسير بالاتجاه الصحيح، ما يدل على تحسن في التواصل الحكومي وثقة متزايدة بالسياسات العامة".
ورأى الفرجات أن ارتفاع مؤشرات الثقة خطوة مهمة، والمطلوب اليوم استثمار هذا الزخم النفسي لبناء برامج إنتاجية في المحافظات، وتشجيع الريادة، وتحفيز الاقتصاد المحلي من القاعدة إلى القمة.
بترا