أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد الاثنين، كلا من وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان غداة قراره تجميد أعمال البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، ما أغرق الديمقراطية الناشئة في أزمة دستورية بعد أشهر من الصراعات السياسية.

وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان، أن سعيّد "أصدر أمرا رئاسيا قرّر من خلاله إعفاء وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي والوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان".

وإثر احتجاجات في عدد من مناطق البلاد الأحد، أعلن سعيّد في وقت سابق "تجميد" أعمال مجلس النوّاب لمدة 30 يوماً، في قرار قال إنه كان يُفترض أن يتخذه "منذ أشهر".

كما أعلن سعيّد عقب اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج مع مسؤولين أمنيّين، أنه سيتولّى بنفسه السلطة التنفيذية "بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويُعيّنه رئيس الجمهوريّة".

ووصف حزب النهضة أكبر الكتل البرلمانية (53 نائبا من أصل 217) القرار بأنه "انقلاب على الثورة وعلى الدستور".

ودعم الاتحاد التونسي للشغل (المركزية النقابية) ضمنيا قرارات سعيّد، وقال في بيان الاثنين إن "التدابير الاستثنائية التي اتّخذها رئيس الجمهورية وفق الفصل 80 من الدستور، توقّيا من الخطر الداهم وسعيا إلى إرجاع السير العادي لدواليب الدولة وفي ظلّ تفشّي" فيروس كورونا.

دوليّا، عبرت كل من ألمانيا وتركيا وروسيا عن قلقها، ورفضت أنقرة المقربة من حزب النهضة "تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل إرادة الشعب الديمقراطية في تونس".

وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبهر لصحافيين، إن بلادها تأمل في عودة تونس "في أقرب وقت ممكن إلى النظام الدستوري".

واعتبرت أن "جذور الديمقراطية ترسّخت في تونس منذ 2011" في إشارة إلى الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وأوضحت أن بلادها "قلقة للغاية" مما جرى، لكن "لا نودّ التحدث عن انقلاب".

إلى ذلك، قامت قوات الشرطة بغلق مكتب قناة الجزيرة القطرية في تونس بدون تقديم تعليل للقرار وأدانت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بشدة "سابقة اقتحام... في خرق واضح للقوانين الوطنية والدولية".

"من برلماني إلى رئاسي"

ومنع مئات من مناصري الرئيس سعيّد مؤيدي حزب النهضة من الاقتراب من زعيمهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي ظل داخل سيارة أمام البرلمان وتبادل الطرفان الرشق بالحجارة والعبوات.

وغادر الغنوشي من أمام مقر البرلمان ويسود الآن هدوء حذر محيط المبنى.

وقام الغنوشي باعتصام لساعات أمام البرلمان، ودعا أنصار حزبه إلى التعبئة.

وقال "الشعب التونسي لن يقبل الحكم الفردي مجددا ... ندعو كل القوى السياسية والمدنية والفكرية إلى أن يقفوا مع شعبهم للدفاع عن الحرية ... ما دامت الحرية مهددة فلا قيمة للحياة".

وقال في مقطع فيديو نشره على صفحته الرسمية، إن سعيّد "يريد تحويل طبيعة النظام من نظام برلماني ديمقراطي إلى نظام رئاسي فردي استبدادي".

وأكد الغنوشي أن الرئيس لم يستشره قبل أخذ القرارات استنادا إلى الفصل 80 من الدستور التونسي الذي ينص على أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطرٍ داهمٍ مهددٍ لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدّولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشّعب وإعلام رئيس المحكمة الدّستورية، ويعلن عن التّدابير في بيان إلى الشعب".

ويطبق هذا الفصل لمدة ثلاثين يوما ويعهد للمحكمة الدستورية رفض أو إقرار مواصلة العمل به.

لكن ومنذ إقرار دستور 2014 لم يتم انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بسبب تجاذبات سياسية حادة بين الأحزاب.

إضعاف الديمقراطية

وتسبب تجاذب مستمرّ منذ ستة أشهر بين الرئيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم أكبر الأحزاب تمثيلاً في المجلس، بشلل في عمل الحكومة وفوضى في السلطات العامة، في وقت تواجه تونس منذ مطلع تموز/يوليو ارتفاعاً حاداً في عدد الإصابات والوفيات جراء فيروس كورونا.

وسجلت البلاد حوالي 18 ألف وفاة من أصل 12 مليون نسمة، في أحد أسوأ معدّلات الوفيات من جراء الفيروس في العالم.

وأقال رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي الأسبوع الفائت، وزير الصحة فوزي المهدي إثر ارتفاع كبير في حالات الوفيات والمرض بسبب الفيروس.

ويرى مراقبون أن من شأن هذه التطورات السياسية أن تضعف من الديمقراطية الناشئة في تونس والتي تأتي إثر 6 أشهر من الصراعات والخلافات الحادة بين سعيّد والغنوشي بينما تمر البلاد بوضع صحيّ متأزم.

وندد كل من حزب "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" بقرار سعيّد.

ورفض حزب "التيار الديمقراطي" الذي دعم سعيّد سابقا في مواقف عدة، توليه كل السلطات.

لكن الحزب حمل في بيان الاثنين، "مسؤولية الاحتقان الشعبي المشروع والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانسداد الأفق السياسي للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي".

من جهته، ساند حزب "حركة الشعب" قرارات الرئيس في بيان الاثنين، واعتبرها "تصحيحا لمسار الثورة".

أ ف ب