تجاوز القاضي طارق بيطار بعدما قرر ملاحقة مسؤولين سياسيين وأمنيين في قضية انفجار مرفأ بيروت خطوطا حمراء مرسومة في لبنان، ليجد نفسه خلال أشهر قليلة في قلب معركة شرسة، ويتحول بنظر كثيرين إلى رمز لتحدي الطبقة السياسية الحاكمة.

ويقود حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز، اليوم معركة هدفها الإطاحة ببيطار (47 عاما)، الذي تتهمه قوى سياسية عدة بـ"التسييس"، فيما يضع أهالي أكثر من 200 قتيل كامل ثقتهم فيه لتبيان حقيقة يطالبون بها منذ أودى الانفجار المروع في الرابع من آب/أغسطس 2020 بحياة أبنائهم.

يحقق بيطار اليوم في أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، وفي أهم قضية يشهدها لبنان منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005.

ويقول يوسف لحود، أحد محامي عائلات ضحايا الانفجار والذي حضر جلسات استجواب عدة في القضية، إن بيطار "يجمع بين الجرأة والضمير، وهما صفتان أساسيتان للقاضي".

وتضاعف التضامن مع بيطار بعد تصعيد خطاب حزب الله ضده وبعد تسريب إعلاميين محليين الشهر الماضي رسالة وجّهها مسؤول رفيع المستوى في الحزب إليه تضمنت امتعاضا من مسار التحقيق وهددت بإزاحته من منصبه.

وتظاهر العشرات، الخميس، من مناصري حزب الله وحركة أمل أمام قصر العدل مطالبين بتنحية بيطار، لكن وقعت خلال التظاهرة اشتباكات مسلحة تخللها تبادل كثيف لإطلاق النار والقذائف أوقعت ستة قتلى في تصعيد ينذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة.

وإن أحرق متظاهرون صوره أمام قصر العدل في بيروت واتهموه بالتواطؤ مع الأميركيين، فقد تناقل آخرون صوره في منصات التواصل الاجتماعي معتبرين أنه رمز تحدي الطبقة السياسية الحاكمة.

"لا ارتباط سياسيا"

منذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وطلبه ملاحقة نواب ووزراء سابقين وأمنيين، يخشى كثيرون أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار، على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحّي في شباط/فبراير بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.

واضطر بيطار إلى تعليق تحقيقه مرتين إثر شكاوى قضائية من وزراء يرغب باستجوابهم مطالبين بكف يده عن القضية. إلا أن محكمتين رفضتا حتى الآن الشكاوى. وبات بإمكانه استئناف تحقيقاته، التي علقها الثلاثاء، وتحديد جلسات استجواب جديدة للمسؤولين، الذين لا يزالون يرفضون المثول أمامه.

ويقول أحد معارف القاضي، مفضلا عدم ذكر اسمه، "ليس لديه أي ارتباط سياسي معروف"، في بلد تتدخل فيه السياسة حتى في التعيينات القضائية، ويعتبر قضاة عدة محسوبين على طوائف وأحزاب سياسية.

ويضيف "هذه تحديدا مشكلة السياسيين مع بيطار: ليس لديهم أي أداة للضغط عليه".

"جرأته تخيفهم"

نادرا ما يتحدث بيطار إلى الإعلام، لكن سياسيين من انتماءات مختلفة يتهمونه بأنه لا يخفي قناعته بأن الوقت قد حان لتغيير الطبقة السياسية.

ويقر منتقدوه بأن بيطار، المتحدر من شمال لبنان، حافظ خلال السنوات الماضية على سمعة حسنة. ويتمتع بثقة عالية في النفس، تلامس في نظر البعض حدود الغرور.

وبيطار نادر الابتسام، ولا يقبل دعوات غداء وعشاء وحفلات من قبل سياسيين ويتجنب المناسبات العامة خشية اتهامه بالارتباط السياسي، وفق أحد معارفه الذي يقول "عند تكليفه بالتحقيق، واجهنا صعوبة حتى في إيجاد صورة له".

ويضيف "جرأته تخيفهم، فهو ظاهرة غير مسبوقة في قصر العدل".

ويبدو بيطار مصرّا على المضي قدما بالتحقيق معولا على دعم تام من أهالي الضحايا الذين يتظاهرون دائما أمام قصر العدل للتعبير عن دعمهم له ورفضا لأي تدخلات سياسية بعمله.

ولد طارق بيطار العام 1974 في قرية عيدمون في منطقة عكار الشمالية، ويقيم في الضاحية الشمالية لبيروت مع زوجته الصيدلانية ونجليه.

ومنذ استلامه ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بات يحظى بحماية شخصية أمنية وعسكرية.

يحمل شهادة في القانون من الجامعة اللبنانية، وبدأ مسيرته المهنية في شمال البلاد قبل أن يترأس محكمة جنايات بيروت.

ويقول محامٍ عرفه حين كان يرأس محكمة الجنايات إن "استلامه لقضية مرفأ بيروت كانت بمثابة خسارة لنا في محكمة الجنايات ... خسرنا قاضيا نزيها واستثنائيا".

وتولى بيطار عدة قضايا معقدة، من أبرزها قضية الطفلة إيلا طنوس التي أثارت ضجّة في لبنان، إذ إنه أدان في العام 2020 مستشفيين خاصين وطبيبين وفرض عليهم تقديم تعويضات مالية ضخمة لعائلة الطفلة التي أدى خطأ طبي إلى بتر أطرافها الأربعة.

أ ف ب