خسر أحمد عمله في مكتب سياحي خلال ذروة جائحة فيروس كورونا في الأردن، إذ كانت السياحة من أوائل القطاعات المتضررة من تداعيات الأزمة، والحظر والغلق العامين الذين فرضتهما الحكومة لمواجهة الجائحة.

أحمد متزوج ولديه أطفال ويسكن في منزل تملّكه عن طريق قرض بنكي يتطلب سداد أقساطه شهريا، إضافة إلى حاجة رب الأسرة إلى دفع مصاريف أخرى يومية، وأخرى تشمل فاتورتي الكهرباء والمياه.

لم تكن التعويضات التي منحتها الحكومة عبر أوامر الدفاع ومن خلال الضمان الاجتماعي كافية، إذ إن صاحب العمل لم يدفع لأحمد الجزء المترتب عليه خلال تلك الفترة.

تقول المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي إن برامجها في التعامـل مع أثر الجائحة على العمال والعاملات وجهات العمل وصلت إلى نحـو مليون و100 ألف جهة مستفيدة، موضحة أن 604 آلاف أسـرة أردنيـة بعدد أفراد نحو 2.9 مليون شخص استفادت من هذه البرامج، كما أتاحت سيولة للقطاع الخاص تقدر بأكثر من 180 مليون دينار.

في البداية، قرر أحمد بيع سيارته، لكن هذا لم يكن كفيلا بضمان حياة لائقة لأسرته، مما اضطره لترك عمله في قطاع السياحة للعمل في إحدى محطات المحروقات، التي عملت خلال فترات الحظر.

بسبب تلك الظروف، اضطر أحمد في عديد من المرات للنوم في المحطة بعيداً عن زوجته أطفاله، لقاء أجرة يدفعها صاحب المحطة وفق ساعات العمل.

"أقسم بالله انني أحيانا لم أستطع إحضار سوى الخبز والحليب لمنزلي، واضطررت أن أستدين من كثير من الناس، ولا أزال أعمل على سداد هذه الديون حتى الآن،" يقول أحمد.

أحمد واحد من عشرات آلاف العمال والعاملات في الأردن الذين تضرروا خلال الجائحة، إما بخسارة العمل أو بعدم الحصول على أجور كاملة.

يقول المختص في قضايا العمال ورئيس بيت العمال للدراسات، حمادة أبو نجمة، إن الجائحة تسببت بتعطل أكثر من 80 ألف شخص عن العمل، بينما أدى اللجوء إلى تخفيض أجور العمال والعاملات بموجب أوامر دفاع صدرت لدعم المؤسسات المتضررة من أثر الجائحة إلى الإضرار بنحو 500 ألف عامل وعاملة، وانخفاض القدرة الشرائية لهؤلاء ولأسرهم.

- أثر جائحة كورونا على "الفئات الضعيفة" -

لم يكن مهند أفضل حالا، فهو المعيل لأخواته الثلاثة ووالده المتقاعد البالغ من العمر 65 عاما، إذ فقد الرجل عمله خلال فترة وقف عمل صالات التدريب الرياضية بقرار حكومي للحد من انتشار الفيروس.

يقول مهند إن صاحب عمله توقف عن دفع أجور العاملين والعاملات، وبالرغم من شكوى تقدم بها لوزارة العمل إلا أنه لم يحصل سوى على 20% من أجره المتراكم لـ 3 أشهر. ثم عُرض النادي الرياضي للبيع، في حين خسر والد مهند عمله "على بسطة" في منطقة سقف السيل في عمّان.

"لم نعد قادرين على دفع إيجار المنزل البالغ 150 دينارا شهريا، ولم نكن نملك سوى 30 دينارا ساعدنا فيهم أصدقاء لنا حين اضطررنا للانتقال إلى منزل آخر. توقفت أختي الكبرى عن الدراسة الجامعية لعدم قدرتي على مساعدتها في دفع مصاريف الدراسة، حتى أننا لم نستطع جلب طعام كاف للمنزل في أيام كثيرة،" يقول مهند.

بحسب آخر أرقام دائرة الإحصاءات العامة، بلغ معدل البطالة في الأردن في الربع الثاني من العام الحالي 24.8%.

ترى مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا كلش، إن تداعيات الجائحة من حظر للتجول وإغلاق للمنشآت وغيرها من القرارات الصادرة بموجب أوامر الدفاع لم تفرق بين أوضاع وظروف العاملين والعاملات، وأثرت على حالاتهم الاقتصادية، لكن الأثر كان أكثر شدة على الفئات الضعيفة في سوق العمل مثل عمال وعاملات المياومة، اللاجئين واللاجئات من سوريا، والعمال والعاملات في الاقتصاد غير المنظم.

وزارة العمل الأردنية قالت إنها استقبلت خلال مراحل من الجائحة نحو 110 آلاف شكوى عمالية متعلقة بالأجور وإنهاء خدمات العمال والعاملات، وأن عدد المنشآت المشتكى عليها زاد عن 30 ألف منشأة.

 

لفتت الوزارة إلى أن إجراءاتها في متابعة الشكاوى العمالية عبر فرق التفتيش ومتابعة الشكاوى المتعلقة بإنهاء الخدمات بصورة مخالفة لقانون العمل وأوامر الدفاع، أسهمت في مساعدة نحو 350 ألف عامل وعاملة في تلك الفترة.

بحسب تقييم أطلقته منظمة العمل الدولية ومعهد فافو للعمل والبحوث الاجتماعية بشأن أثر الجائحة على الفئات الضعيفة في المجتمع، فإن 47% ممن كانوا يعملون قبل الإغلاق أصبحوا بلا عمل، 13% فُصلوا من العمل بشكل دائم، و18% سُرحوا مؤقتاً، و16% في إجازة غير مدفوعة الأجر.

 

صبحي عامل مياومة يعمل في تقديم خدمات الحفر والتبليط والدهان، إلا أن إجراءات مواجهة الجائحة تسببت في توقفه عن العمل لشهور طويلة لم يتمكن خلالها من توفير قوت يومه، حتى أنه في كثير من الأحيان تناول وجبة طعام واحدة طوال اليوم.

حتى عندما خففت إجراءات الحظر وتوجه صبحي للعمل، خفض أصحاب الورش أجره لأن ساعات العمل كانت أقل خلال فترة الحظر الجزئي، وأحيانا اضطر الرجل للنوم في ورشة العمل عند التأخر عن موعد التنقل المسوح به، تجبنا لتوقيفه من قبل الأجهزة الأمنية.

وفر صندوق المعونة الوطنية دعما ماليا لـ 410 آلاف أسرة أردنية من أسر عمال وعاملات المياومة التي عطلت الجائحة عملهم، بقيمة إجمالية بلغت 232 مليون دينار، وفق مدير الإعلام في الصندوق، ناجح صوالحة.

لم تتجاوز قيمة الدعم لكل أسرة 136 دينارا للأسرة المكونة من 3 أفراد فأكثر، أما الأسرة المكونة من شخصين فحصلت على دعم بـ 70 ديناراً، بحسب صوالحة.

وتقول كلش إلى أن وزارة العمل قدرت أعداد الأشخاص الذين أنهيت خدماتهم منذ آذار/مارس الماضي وحتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 بحوالي 8,300 عامل وعاملة من مختلف المنشآت، وتشير أيضا إلى تقرير لدائرة الإحصاءات العامة تحدث عن نحو 112 ألف شخص عاطل عن العمل التحقوا في صفوف البطالة خلال الجائحة. مثلا، أنهت صالات الأفراح خدمات نحو 40 ألف شخص، بينما توقف العمل في نحو 27 قطاعا خدميا مرتبطة مباشرة بهذا القطاع، وفق نقابة أصحاب صالات الأفراح.

- النساء العاملات خلال الجائحة -

كادت المعلمة وفاء أن تفقد عملها في مدرسة خاصة خلال المراحل الأولى من الجائحة، إذ قررت هذه المدرسة التخلي عن خدماتها، مما أوقف دخلها الشهري في وقت توقف فيه أيضا عمل زوجها في سوق تجاري بسبب إجراءات الغلق، فتراكمت الديون على الزوجين.

لكن بعدما تقدمت المعلمة بشكوى لوزارة العمل، أُجبرت إدارة المدرسة على إعادة المعلمة إلى عملها، بموجب أمر الدفاع 6 والبلاغات الصادرة بموجبه.

يقول تقرير لمركز بيت العمال للدراسات والأبحاث أن جائحة كورونا فاقمت من نسب البطالة بين صفوف النساء، إذ يقدر عدد العاملات اللواتي فقدن أعمالهن بنحو 20 ألف عاملة، في ظل مشاركة منخفضة أساسا للمرأة في سوق العمل الأردني تبلغ نحو 14%، مقارنة بالرجل الذي تبلغ نسبة مشاركته نحو 54%.

وبحسب دائرة الإحصاءات العامة فإن معدل البطالة للذكور خلال الربع الثاني من عام 2021 (22.7%) مقابل (33.1%) للإناث، كما ارتفع معدل البطالة للذكور بمقدار 1.2  نقطة مئوية، أما للإناث فارتفع بمقدار 4.5  نقطة مئوية مقارنة بالربع الثاني من عام 2020.

يقول أبو نجمة إن المرأة العاملة كانت أكثر عرضة للصعوبات والانتهاكات وفقدان الوظائف خلال الجائحة، مما يستدعي تفعيل تطبيق المعايير الدولية، والتفاعل بين الحكومة ومنظمات أصحاب العمل لتوفير متطلبات الحماية الاجتماعية وتعزيز المرأة في سوق العمل، وقواعد المساواة بين الجنسين.

وبحسب مسح أجراه البنك الدولي عن الأردن، يرجح بصورة أكبر أن تفقد النساء وظائفهن بدوام كامل مقارنة بالرجال، إذ أن الأثر غير المتكافئ لتداعيات الجائحة على القطاع الخدمي قد يكون أصعب على النساء تحديداً، مع وجود 86% من فرص العمل للنساء في القطاع الخدمي، مقارنة مع 70% للرجال.

شهد الأردن الصيف الماضي انفتاحا لقطاعات بعد إعلان الحكومة وصول البلاد لصيف آمن، فتوقع صندوق النقد الدولي تعافي الاقتصاد في الأردن. توقع الصندوق ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلى 4.1% للعامين الحالي والمقبل إثر انكماشه بنسبة 3.2% عام 2020، مع بقاء معدل الناتج المحلي الإجمالي عند مستوى 2.5% على المدى المتوسط.

المملكة